بعض هذا العتاب والتفنيد – الشاعر البحتري
بَعْضَ هَذا العِتَابِ وَالتّفْنيدِ،
لَيسَ ذَمُّ الوَفَاءِ بالمَحْمُودِ
مَا بَكَيْنَا عَلى زَرُودَ وَلكِنّا
بَكَيْنَا أيّامَنَا في زَرُودِ
وَدُمُوعُ المُحبّ إنْ عَصَتِ العُذّا
لَ كانَتْ طَوْعَ النّوَى وَالصّدود
يالخُضْرٍ يَنُحْنَ في القُضُبِ الخضـ
ـرِ عَلى كُلّ صَاحبٍ مَفْقُودِ
عَاطِلاتٌ بَلْ حَالِيَاتٌ يُرَدِّدْ
نَ الشّجَي في قَلائِدٍ وَعُقُودِ
زِدْنَني صَبْوَةً، وَذَكّرْنَني عَهْـ
ـداً قَديماً مِنْ نَاقِضٍ للعُهُودِ
مَا يُرِيدُ الحَمَامُ، في كلّ وَادٍ،
مِنْ عَميدٍ صَبٍّ بِغَيرِ عَميدِ
كُلّما أُخْمِدَتْ لَهُ نَارُ شَوْقٍ،
هِجْنَهَا بالبُكَاءِ، وَالتّغرِيدِ
يا نَديمَيّ بالسّوَاجيرِ مِنْ وُدّ
بنِ مَعْنٍ، وَبُحتُرَ بنِ عَتُودِ
أُطْلُبَا ثَالِثاً سِوَايَ، فإنّي
رَابعُ العِيسِ وَالدّجَى وَالبِيدِ
لَسْتُ بالوَاهِنِ المُقيمِ وَلا القَا
ئِلِ يَوْماً: إنّ الغِنى بالجُدُودِ
وإذا استَصْعَبَتْ مَقَادَةُ أمْرٍ،
سَهّلَتْهَا أيْدي المَهَارِي القُودِ
حَامِلاتٌ وَفْدَ الثّنَاءِ إلى أبـ
ـلَجَ صَبٍّ، إلى ثَنَاءِ الوُفُودِ
عَلِقُوا مِنْ مُحَمّدٍ خَيرَ حَبلٍ
لِرُوَاقِ الخِلافَةِ المَمْدُودِ
لمْ يُخَنْ رَبُّها، وَلمْ يُعمَلِ التّدْ
بيرُ في حَلّ تَاجِهَا المَعْقُودِ
مُصْلِتاً بَينَها وَبَينَ الأعادي،
حَدَّ رأيٍ يَفُلُّ حَدَّ الحَدِيدِ
فَهْيَ مِنْ عَزْمِ رَأيِهِ في جُنُودٍ
قُمنَ مِنْ حَوْلِها مَقَامَ الجُنودِ
كابَدَتْهُ الأُمُور فيها، فَلاقَتْ
قُلّبيَّ التّصْوِيبِ، وَالتّصْعيدِ
صَارِمَ العزْمِ حاضرَ الحَزْمِ سارِي الـ
ـفِكرِ، ثَبتَ المَقامِ، صَلبَ العُودِ
دَقّ فَهماً وَجَلّ عِلماً، فأرْضى
الله فينَا، وَالوَاثقَ بنَ الرّشيدِ
وَجّهَ الحَقَّ بَينَ أخذٍ، وَإعطَا
ءٍ، وَقَصْدٍ في الجَمعِ وَالتّبديدِ
وَاستَوَى النّاسُ، فالقَرِيبُ قَرِيبٌ
عِندَهُ، والبَعيدُ غَيرُ بَعيدِ
لا يَميلُ الهَوَى بِهِ حينَ يُمضِي الأ
مرَ بَينَ المُقِليّ وَالَمودودِ
وَسَوَاءٌ لَدَيهِ أبنَاءُ إبرا
هيم في حُكمِهِ، وأَبنَاءُ هُودِ
مُسترِيحُ الأحشاءِ من كلّ ضِغنٍ،
بارِدُ الصّدْرِ من غَليلِ الحَقُودِ
وَكَأنّ اهتِزَازَهُ، للعَطَايا،
مِنْ قَضِيبِ الأرَاكَةِ الأُملُودِ
وَكَأنّ السّؤالَ يَنشُرُ وَرْدَ الـ
ـرّوْضِ في وَجهِهِ وَوَرْدَ الخُدودِ
يا ابنَ عَبدِ المَليكِ مَلّكَكَ الحَمـ
ـدَ وَقُوفٌ بَينَ النّدى وَالجُودِ
ما فَقَدْنا الاعدامَ، حتى مَدَدْنا
سبباً نَحوَ سَيبِكَ المَمدُودِ
سُؤدَدٌ يُصْطَفَى، وَنَيلٌ يُرَجّى،
وَثَنَاءٌ يَحيَا، وَمالٌ يُودِي
لَتَفَنّنتَ في الكِتابَةِ، حتى
عَطّلَ النّاسُ فَنّ عَبدِ الحَميدِ
في نِظَام مِن البَلاغَةِ مَا شَكّ
امرُؤٌ أنّهُ نِظَامُ فَرِيدِ
وَبَديعٍ كأنّهُ الزّهَرُ الضّا
حِكُ في رَوْنَقِ الرّبيعِ الجَديدِ
مُشرِقٌ في جَوَانبِ السّمعِ ما يُخـ
ـلِقُهُ عَوْدُهُ على المُستَعيدِ
ما أُعِيرَتْ منهُ بُطُونُ القَرَاطِيـ
ـسِ وَمَا حُملَتْ ظُهورُ البَرِيدِ
مُستَميلٌ سَمعَ الطّرُوبِ المُعَنّى
عَنْ أغَاني زرزر، وَعَقيدِ
حُجَجٌ تُخرِسُ الألَدّ بألفا
ظٍ فُرَادَى كالجَوْهَرِ المَعدودِ
وَمَعَانٍ لَوْ فَصّلَتها القَوَافي،
هَجّنَتْ شِعرَ جَرْوَلٍ وَلَبيدِ
حُزْنَ مُستَعمَلَ الكَلامِ اختياراً،
وَتَجَنّبنَ ظُلمَةَ التّعْقيدِ
وَرَكِبْنَ اللّفْظَ القَرِيب فأدْرَكْـ
ـنَ بِهِ غَايَةَ المُرَادِ البَعيدِ
كالعَذارَى غَدَوْنَ في الحُلَلِ الصفـ
ـر،إذا رُحنَ في الخطوطِ السّودِ
قَدْ تَلَقّيْتَ كلَّ يوْم جَديدٍ،
يا أبَا جَعْفَرٍ، بمَجْدٍ جَديدِ
يأْئِسُ الحَاسدونَ مِنْكَ وَما مجْـ
ـدُكَ ممّا يَرْجوهُ ظَنُّ الحَسودِ
وَإذا استُطْرِفَتْ سِيادَةُ قَوْمٍ،
بِنْتَ بالسّؤدَدِ الطّرِيفِ التّليدِ
وأرى الناس مُجتمِعينَ على فضْـ
ـلِكَ مِنْ بَينِ سَيّدٍ وَمَسُودِ
عَرَفَ العالمُونَ فَضْلَكَ بالعِلْـ
ـمِ، وَقالَ الجُهّالُ بالتّقْليدِ