إذا عرضت أحداج سلمى فنادها – الشاعر البحتري
إذا عَرَضَتْ أحْدَاجُ سلمى، فنادِها:
سقَتكِ غَوَادي المُزْنِ صَوْبَ عِهَادِها
أمَا لُبْثَةٌ تُقْضَى لُبَانَةُ عاشِقٍ
بها، أوْ يُرَوّى صائِمٌ باتّئَادِها
وَدِدْتُ، وَهَلْ نَفسُ امرِىءٍ بملومة
إذا هيَ لمْ تُعطِ المنَى مِنْ وَدادها
لَوَ أنّ سُلَيْمَى أسْجَحَتْ، أوْ لَو أنّهُ
أُعِيرَ فُؤَادي سَلوَةً من فُؤادِهَا
يُكَثَّرُ فينَا الكَاشِحُونَ، وَبَيْنَنَا
حَوَاجِزُ مِنْ سُلْمَى وَبَرْكِ غِمادِهَا
وَنُحْسَدُ إنْ تَسرِي إلَيْنا منَ الهَوَى
عَقابيلُ يَعتَادُ الجَوَى باعْتِيَادِها
فَكَمْ نَافَسُوا في حُرْقَةٍ إثْرَ فُرْقَةٍ
تُعَجِّبُ مِن أنْفَاسِنا وامْتِدَادِها
وَفي لَيلَةٍ بِعْنَا لِطَارِقِ شَوْقِهَا
كَرَى أعيُنٍ، مَطْرُوفَةٍ بسُهَادِهَا
غَدا المُهْتَدِي بالله، والغَيْثُ مُلحَقٌ
بأخلاقِهِ، أوْ زائد في عِدادِها
حَمِدنا بهِ عَهْدَ اللّيالي، وأشرَقَتْ
لَنَا أوْجُهُ الأيّامِ، بعدَ ارْبِدَادِها
إذا كَرّتِ الآمَالُ فيهِ تَلاَحَقَتْ
مَواهبُ مَكْرُورِ الأيَادي، مُعَادِهَا
وَقَدْ أعجَزَ العُذّالَ أنْ يَتَدارَكُوا
لُهًى تَسبُقُ الألحاظَ، قبلَ ارتِدادِها
سَعتْ تَتَبَغّاهُ الخِلاَفَةُ رَغْبَةً
إلَيهِ، بأوْفَى قَصْدِها واعتِمَادِها
فَما علَقَتْهُ، خَبْطَ عاشيَةِ الدّجَى،
وَلكِنّها اختارَتْهُ بَعدَ ارْتِيَادِهَا
إمَامٌ إذا أمضَى الأُمُورَ تَتَابَعَتْ
عَلى سَنَنٍ مِنْ قَصْدِها وَسَدادِها
مَتَى يَتَعَمّمْ بالسّحَابِ تَلُثْ عَلى
كَفيءٍ لَها يُحتازِ إرْثِ اسْوِدادِها
وإنْ يَتَقَلّدْ ذا الفَقَارِ يُضَفْ إلى
شُجاعِ قُرَيشٍ، في الوَغَى، وَجَوادِها
مُزَايِدُ نَفْسٍ في تُقَى الله لمْ تَدَعْ
لَهُ غَايَةً في جِدّها، واجتِهَادِهَا
لهُ عَزْمَةٌ ما استَبطأ المُلكُ نُجحَها،
ولا استعْتَبَ الإسلامَ وَرْيُ زِنَادِها
إذا شُوهِدَتْ بالرّأيِ بانَ اختِيَارُها،
وإن بانَ ذو الرّأيِ اكتفتْ بانفِرَادِها
رَشيدِيّةٌ في نَجْرِها، واثِقِيّةٌ،
يَرَى الله أيثَارَ التّقَى مِن عَتادِها
وَمَا نَقَلَتْ مِنْهُ الخِلاَفَةُ شِيمَةً،
وَقَدْ مكَنَتْهُ، عَنوَةً، مِنْ قِيَادِها
وَلاَ مالَتِ الدّنْيَا بهِ حينَ أشرَقَتْ
لهُ في تَنَاهي حُسْنِها، واحتِشَادِها
لَسَجّادَةُ السّجّادِ أحْسَنُ مَنظَراً
منَ التّاجِ في أحجارِهِ، واتّقَادِهَا
وَللصّوفُ أوْلَى بالأئِمّةِ مِنْ سَبَا الـ
ـحَريرِ، وإنْ رَاقَتْ بصِبغِ جِسادِها
رَدَدْتَ هَدايَا المِهرَجَانِ، وَلم تكُنْ
لتَسخو النّفُوسُ الوُفرُ عن مُستَفادِها
وَعَادَيتَ أعْيَادَ المُضِلّينَ مُعْلِناً،
وَلَوْلا التّحَرّي للهُدَى لمْ تُعَادِها
وَقَامَتْ سَبِيلُ الحجِ للعَصَبِ التي
هَوَتْ نَحْوَهُ مِنْ قُرْبِها وَبِعَادِها
فَهَوّنْتَ مَشْكُوراً فَرِيضَةَ حَجّها،
وَكَانَتْ تَعُدُّ الحَجُّ مِنْ جِهَادِها
كفيت بلادا ظل موسى بجيشه
زعيمك في إصلاحها وفسادها
إذا عُصْبَةٌ ضَلّتْ، فأبْدَتْ سَوَادَهَا
لشَغبٍ على مَلْكٍ، رَمى في سَوَادِها
وإنْ بَاتَتِ الأعداءُ، دونَ بِلادِهِ،
تَوَرّدَها مَكْرُوهُهُ في بِلاَدِها
تَشَوّفَ أهلُ الغَرْبِ، فارْمِ بعَزْمَةٍ
إلى إرَمٍ، إذْ مانَعَتْ، وعِمَادِهَا
لتَسكُنَ ضَوْضَاءُ العَرِيسِ، وَتَنْتَهي
فِلَسطُونُ عَنْ عِصْيانِها وَعِنَادِهَا
فكَم ثَمّ مِنْ إجْلاَبَةٍ، تَحتَ خفتةٍ،
وَمن جَمرَةٍ مَخبوءَةٍ في رَمَادِها
وَما بعُيُونِ القَوْمِ عن ذاكَ منْ عَمًى،
ولَكِنْ زُرُوعٌ أيْنَعَتْ لحِصَادِها
فَهَلْ هيَ إلاّ نَهضَةٌ مِنْ مشيعٍ،
يُرَاوِحُها بالخَيْلِ، إنْ لَم يُغَادِهَا
كَتائِبُ، نَصرُ الله أمضَى سِلاحِها،
وعَاجِلُ تَقوَى الله أكبَرُ زَادِها
عَلَيهِنّ مِنْ شوسِ المَوالي فَوَارِسٌ،
عِدادُ حصَى البطحاءِ دونَ عِدادِها
وَقد طَارَدَتْهُمْ، بالثَّدِيّينِ، خَيلُهُ،
فَباتَتْ حُماةُ الكُفرِ صرْعى طِرَادِها
بَقِيتَ، أمِيرَ المؤمِنينَ، وأنْفَدَتْ
حَيَاتُكَ عُمْرَ الدّهرِ قَبلَ نَفادِها
وَلاَ زَالَ للدّنيا بَهَاءٌ وَبَهْجَةٌ
بمُلْكِكَ يَزْدَادَانِ طولَ ازْدِيَادِها
سأشكُرُ مِنْ نعماكَ آلاءَ منعم،
وَجَدْتُ طَرِيفي كُلَّهُ من تِلاَدِها