يفندون وهم أدنى إلى الفند – الشاعر البحتري
يُفَنِّدونَ وَهُمْ أدْنَى إلى الفَنَدِ،
وَيُرْشِدُونَ وَما التَّعذالُ من رَشَدِي
وَكَيفَ يُصْغي إلَيهمْ، أو يُصِيخُ لهمْ
مُستَغلِقُ القَلبِ عَنهُمْ واهنُ الكبِدِ
هلْ أنتَ من حُبّ لَيلى آخِذٌ بيَدي،
أوْ ناصِرٌ لي على التّعذيبِ والسَّهَدِ
وَهَلْ دُمُوعٌ أفَاضَ النّهيُ رَيّقَهَا،
تُدني من البُعدِ أو تَشفي من الكَمَدِ
فَما يَزَالُ جَوًى في الصّدرِ يُضرِمُهُ
وَشْكُ النّوَى وَصُدُودُ الأُنَّسِ الخُرُدِ
قَد بَاتَ مُسْتَعْبِراً مَنْ كَانَ مُصْطَبِراً،
وَعَادَ ذا جَزَعٍ مَنْ كَانَ ذا جَلَدِ
إنْ أسْخَطَ الهَجْرُ لا أرْجِعْ إلى بَدلٍ
منهُ، وإنْ أطلُبِ السُّلْوَانَ لا أجِدِ
وَقَدْ تَجَاذَبَني شَوْقانِ عن عَرَضٍ،
مِنْ بَيْنِ مُطّرَفٍ عِندي، وَمُتّلَدِ
لا عَيْشُ وَجْرَةَ يُنْسِي عَهْدَ ذي سَلَمٍ،
وَلاَ هَوَى القُرْبِ يُسْلي عن هَوَى البُعُدِ
تَنَصّبَ البَرْقُ مُخْتَالاً، فقُلْتُ له:
لوْ جُدتَ جُودَ بني يَزْدَادَ لم تَزِدِ
فلَسَت نَنْفَكُّ من شُكْرٍ وَمن أمَلٍ،
مُكَرِّرِينَ بيَوْمٍ مِنْهُمُ، وَغَدِ
تَيَمّمُوا الخِطّةَ المُثْلَى على سَنَنٍ،
لمْ يَظْلِمُوهُ، وَبَاعُوا الغَيّ بالرّشَدِ
بَنُوا أغَرَّ مِنَ الأقْوَامِ شَادَ لَهُمْ
مَجدَ الحَيَاةِ وأقْنَاهُمْ على الأبَدِ
يَقْفُونَ مِنهُ خِلالاً، كُلُّهَا حَسَنٌ،
إنْ عُدّدَتْ غادَرَتْ فَضْلاً على العَدَدِ
وما تَزَالُ أواخِي المُلْكِ ثَابِتَةً
مِنْهُمْ بكُلّ رَحِيبِ البَاعِ والبَلَدِ
بنُصحِ مُجتَهدٍ، صحتْ عزيمَتُهُ،
أوْ عَزْمِ مُنجَرِدٍ، أوْ حَزْمِ مُتّئِدِ
فالله يَكْلأُ عَبْد الله إنّ لَهُ
مَكَارِماً مَنْ يُخَوَّلْ بَعضَها يَسُدِ
بحرٌ، متى نَستَمِحْ أموَاجَ جَمّتِهِ،
تَفِضْ، وَغَيْثٌ متى ما يَستَجدْ يَجُدِ
تَفَرّجتْ حَلْبَةُ الكُتّابِ حينَ جَرَوْا
عَن سابقٍ بخِصَالِ السّبقِ مُنفَرِدِ
إنْ يُعمِلُوا الجَوْرَ يَقصِدْ في تَصرّفِهْ،
أو يُسرِفُوا في فُنُونِ الأمرِ يَقتَصِدِ
أدى الأمانة لم تعجز كفايته
عنها، ولم يستنم فيها إلى أحد
مشارفاً لأقاصي الأمر يكلأها
برأي محتفل للأمر محتشد
إنّ السّياسةَ قد آلَتْ إلى يَقِظٍ،
مُوَفَّقٍ لسَبِيلِ الحَقّ مُعْتَمَدِ
لمْ يَرْجُها بأكاذيبِ الظّنُونِ، ولمْ
يَمتُتْ إلى نَيلِهَا، إذْ مَتّ، مِن بُعُدِ
ألْفَى أبَاهُ على نَهْجٍ، فَطَاوَلَهُ
إلى السِّوَاءِ، وَجَارَاهُ إلى الأمَدِ
بمَذهَبٍ، غَيرِ مَدخُولٍ وَلاَ طَبِعٍ،
وَنَائِلٍ غَيرِ مَنْزُورٍ، ولاَ ثَمِدِ
تِلكَ الخِلاَفَةُ قد دَارَتْ على قُطُبٍ
من رأيِهِ الثّبتِ واستَذرَتْ إلى سَنَدِ
تهاب عدوته من دون حوزتها
كما تهاب وتخشى عدوة الأسد
يَرُدُّ أيَّ يَدٍ مُدّتْ لِتُنْقِصَهَا
مَجذوذَةَ الزّندِ أوْ مَهذوذَةَ العَضُدِ
أسلَمْ أبَا صَالحٍ للمَكرُمَاتِ، فقَدْ
أحْيَيْتَها وَهيَ من مَوْتٍ على صَدَدِ
عَمّتْ صَنَائعُكَ الرّاجينَ،وابتَعَثَتْ
آمَالَ مَنْ لَمْ يَرُمْ سَعْياً، وَلَمْ يُرِدِ
وَرَدَّ تَدبيرُكَ الدّنيا، وَقَد صَلُحتْ
عَفواً وَلَوْلاكَ لم تَصْلُحْ وَلَمْ تَكَدِ
مَا في الخِلاَفةِ من وَهْيٍ، فيَجبِرَهُ
آسٍ، وَلا في قَنَاةِ المُلكِ منْ أوَدِ
وَلا الكَوَاكبُ في لَيْلِ الرّبيعِ تَلَتْ
غَيثاً، بأبْهَجَ مِنْ أيّامِكَ الجُدُدِ