أما معين على الشوق الذي غريت – الشاعر البحتري

أمَا مُعِينٌ على الشّوقِ الذي غَرِيَتْ
بهِ الجَوَانِحُ، والبَينِ الذي أفِدَا
أرْجُو عَوَاطِفَ مِنْ لَيلى، وَيؤيسُني
دَوَامُ لَيلى على الهَجْرِ الذي تَلِدا
وَمَا مَضَى أمْسِ مِنْ عَيشٍ أُسَرُّ بهِ
في حُبّها، فأُرَجّي أنْ يَعُودَ غَدَا
كيفَ اللّقَاءُ، وَقَدْ أضْحَتْ مُخيِّمةً
بالشّامِ، لا كَثَباً منّا ولا صَدَدَا
تَهَاجُرٌ أَمَمٌ، لا وَصْلَ يَخْلِطُهُ،
إلاّ تَزَاوُرُ طَيْفَيْنَا، إذا هَجَدَا
وَقَد يُزِيرُ الكَرَى مَنْ لا زِيَارَتُهُ
قَصْدٌ، وَيُدني الهَوَى من بعدِ ما بَعِدَا
إمّا سألتَ بشَخْصَينا هُنَاكَ، فقَدْ
غَابَا، وأمّا خَيالاَنا، فقَدْ شَهِدَا
بِتْنَا على رِقْبَةِ الوَاشِينَ مُكْتَنَفَيْ
صَبَابَةٍ، نَتَشَاكَى البَثّ والكَمَدَا
وَلَمْ يَعُدْني لهَا طَيْفٌ، فيَفجَؤني،
إلاّ على أبْرَحِ الوَجْدِ الذي عُهِدَا
جادَتْ يَدُ الفَتْحِ، والأنْوَاءُ باخِلَةٌ،
وَذَابَ نائِلُهُ، والغَيْثُ قد جَمَدَا
وَقَصّرَتْ هِمَمُ الأملاكِ عَنْ مَلِكٍ
تَطأطأُوا وَسَمَتْ أخلاقُهُ صُعُدا
إن ذم لم يجد الدنيا له عوضا
ولا يبالي الذي خلى إذا حمدا
يُشَيّدُ المَجدَ قَوْمٌ، أنْتَ أقرَبُهُمْ
نَيْلاً، وأبْعَدُهُمْ في سؤدَدٍ أمَدَا
وَمَا رَأيْنَاكَ، إلاّ بانِياً شَرَفاً،
وَفَاعِلاً حَسَناً، أوْ قَائِلاً سَدَدَا
والنّاسُ ضَرْبَانِ: إمَّا مُظْهِرٌ مِقَةً،
يُثْني بِنُعْمَى، وإمَّا مُضْمِرٌ حَسَدَا
سلَلتَ دونَ بني العبّاسِ سَيْفَ وغًى
يُدْمي، وَعَزْماً، إذا ضَرّمتَهُ وَقَدَا
آثَارُ بأسِكَ في أعْدَاءِ دَوْلَتِهِمْ،
أضْحَتْ طَرَائِقَ شتّى بَينَهُمْ قِدَدَا
إمّا قَتيلاً يَخُوضُ السّيفُ مُهجَتَهُ،
أوْ نازِعاً لَيسَ يَنوي عَوْدَةً أبَدَا
حتّى تَركتَ قَنَاةَ المُلْكِ قَيّمَةً
بالنّصحِ لا عِوَجاً فيها وَلاَ أوَدَا
لاَ تُفْقَدَنّ، فَلَوْلا ما تُرَاحُ لَهُ
من السّماحَةِ، كانَ الجُودُ قد فُقِدَا
أمّا أياديكَ عِندي، فَهْيَ واضِحَةٌ،
ما إنْ تَزَالُ يَدٌ منها تَسُوقُ يَدَا
ألازِمي الكُفْرُ إنْ لَمْ أجزِها كَمَلاً،
أمْ لاحقي العَجزُ إنْ لم أُحْصِها عَدَدَا
أصْبَحتُ أُجدي على العَافينَ مُبتَدِئاً
مِنها، وما كنتُ إلاّ مُستَميحَ جَدَا
وَمَنْ يَبِتْ مِنكَ مَطوِيّاً على أمَلٍ،
فَلَنْ يُلاَمَ على إعطاءِ مَا وَجَدَا
لِمْ لا أمُدُّ يَدي حَتّى أنَالَ بِهَا
مَدى النّجومِ، إذا ما كنتَ لي عَضُدَا
قد قُلتُ إذْ أُخذَتْ منّي الحُقوقُ وإذْ
حُمّلتُها جَائِراً فيها، وَمُقْتَصِدَا
هَلِ الأمِيرُ مُجِدٌّ مِنْ تَفَضُّلِهِ،
فمُنجِزٌ ليَ في الألْفِ الذي وَعَدَا
أعِنْ على كَرَمٍ أخْنَى على نَشَبي،
وَهِمّةٍ أخْلَقَتْ أثوابي الجُدُدَا
والبَذْلُ يُبذَلُ مِن وَجْهِ الكَريمِ، وَقَد
يَصْخَى النّدَى، وَهوَ للحرّ الكريمِ رِدى
مِن ذاكَ قيلَ لكَعبٍ يَوْمَ سُؤدَدِهِ:
رِدْ كَعبُ! إنّكَ وَرّادٌ، فما وَرَدا