أنبيك عن عيني وطول سهادها – الشاعر البحتري
أُنَبّيكِ عَن عَيني، وَطُولِ سُهَادِها،
وحرقة قلبي بالجوى واتقادها
وَأنّ الهُمُومَ اعتَدنَ بَعدكِ مَضْجِعي،
وَأنتِ التي وَكّلتِني باعْتِيَادِهَا
خَليلَيّ! إنّي ذاكِرٌ عَهْدَ خُلّةٍ
تَوَلّتْ، وَلَمْ أذْمُمْ حَميدَ وَدادِهَا
فَوَاعَجَبا! مَا كَانَ أقصر دهرَها
لَدَيّ، وأدْنَى قُرْبَهَا مِنْ بِعَادِهَا
وَكنتُ أرَى أنّ الرّدى قَبلَ بَينِها،
وَأنّ افتِقَادَ العَيشِ دونَ افتِقَادِهَا
بِنَفْسِيَ مَنْ عادَيتُ مِنْ أجلِ فَقدِه
بِلادي، وَلَوْلا فَقْدُهُ لمْ أُعَادِهَا
فَلا سُقِيَتْ غَيْثاً دِمَشقُ، وَلا غدتْ
عَلَيها غَوَادي مُزْنَةٍ لعِهَادِهَا
وَقَدْ سَرّني أنّ الخَليفَةَ جَعْفراً
غَدا نَاهِداً، في أهلِهَا، وَبِلاَدِهَا
إمَامٌ، إذا أمضَى الأُمُورَ تَتَابَعَتْ
على سَنَنٍ مِن قَصْدِها، وَسَدَادِهَا
وما غيرت منه الخلافة شيمه
وقد أمكنته عنوة من قيادها
وما زالت الأعداء تعلم أنه
يجاهدها في الله حق جهادها
ولما طغت في دارها الروم واعتدت
سفاها رماها جعفر بحصادها
أعد لها فرسان جيش عرمرم
عداد حصى البطحاء دون عدادها
كتائب نصر الله أمضى سلاحها
وعاجل تقوى الله أكثر زادها
فَلا تُكثِرِ الرّومُ التّشَكّي، فإنّهُ
يُرَاوِحُهَا بالخَيلِ، إنْ لَمْ يُغَادِهَا
وَلَمْ أرَ مِثْلَ الخَيلِ أجلَى لغَمرَةٍ،
إذا اختَلَفَتْ في كَرّها وَطِرَادِهَا
بَقيتَ أميرَ المُؤمِنينَ، وأنْفَدَتْ
حَياتُكَ عُمرَ الدّهرِ، قَبْلَ نَفادِهَا