إنْ تُحْيَ آمالي بِرُؤْيَة ِ عيسى – الشاعر البوصيري
إنْ تُحْيَ آمالي بِرُؤْيَة ِ عيسى
فلطالما أنضتْ إليه العيسا
وَحَظيتُ بَعْدَ اليَأْسِ بالخِضْر الذي
ما زالَ يَرْقَى أوْ حَكَى إدْريسا
لولا وجودُ الصاحبينِ كليهما
صارتْ بيوتُ العالمينَ رُمُوسا
كم قلتُ لمَّا أنجبَ الأبُ ابنَهُ
لا غَرْوَ أنْ يَلِدَ النَّفِيسُ نَفِيسا
لله شمسُ الدين شمسٌ أطلعتْ
فينا بُدوراً للهدى وشموسا
رَدَّتْ لنا يدُهُ الغَضُوبَ وأسْكَنَتْ
بالعدلِ آرامَ الكناسِ الخيسا
أغنتْ مكارمهُ الفقيرَ وأطعمتْ
من كان من خير الزمانِ يئُوسا
حِبْرٌ تَصَدَّرَ لِلنَّوالِ فلَمْ يَزَلْ
يَتْلو عليه مِنَ المَدِيحِ دُرُوسا
دُعيَ ابن سينا بالرئيسِ ولو رأى
عيسى لسَمَّى نفسهُ المرؤوسا
وَحَسِبْتُهُ مِنْ يَأْسهِ وَذَكائِهِ
بَهْرامَ قارَنَ في العُلاَ بَرْجِيسا
منْ مَعْشَرٍ لَيُسَارِعونَ إلى الوَغَى
مُتنازِعِينَ مِنَ الحِمامِ كُؤُوسا
لهُ الخِصام إذا تَشاجَرَتِ القَنا
لمْ يَجْعَلوا لهُمُ الحَديدَ لَبُوسا
وأخُو البَسالَة ِ مَنْ غَدا بِذِراعِهِ
لادرعهِ يوم الوغى محروسا
يُوفُونَ ما وعَدُوا كأَنَّ وُعُودَهم
كانت يميناً بالوفاء غُموسا
يأَيُّها المَوْلى الوَزِيرُ ومَنْ لَهُ
حِكَمٌ أغارَتْ منه رَسْطاليسا
هُنِّيتَ تقليداً أتاكَ مُجَدِّداً
لِلناسِ مِنْ سُلْطانِهِم ناموسا
أُرسلتَ منه للخلائقِ رحمة ً
عَمَّتْ قِياماً منهمُ وجلُوسا
وكأَنَّ قارِئَهُ بِيَومِ عَرُوبَة ٍ
لَكَ يُعرِبُ التَّسْبِيحَ والتقْديسا
ونَظّمْتَ شَمْلَ المُلْكِ بالقَلَم الذي
حَلَّيْتَ منه للسُّطورِ طُروسا
وبِسَتْرِكَ العَوْراتِ قد كَشفَ الورَى
لكَ بالدعاء المستجابِ رؤوسا
من كل مشدودِ الخناقِ بكربة ٍ
نفستَ عنه خناقهُ تنفسيا
أطْفأْتَ نِيرانَ العَداوة ِ بَعْدَما
أوطأتَ منها الموقدين وطيسا
وأرحتهمْ من فتنة ٍ تحيي لهم
في كلِّ يومٍ داحساً وبسوسا
هَلَكَتْ جَدِيسُ وطَسْمُ حِينَ تعادَتا
وكأَنَّ طَسْماً لمْ تكنْ وجدَيسا
يا بنَ الذي يَلْقَى الفَوارِسَ باسِماً
حاشاكَ أن تلقى الضيوفَ عبوسا
سَعِدَتْ بِكَ الجُلساء فاحْذَرْ بعضَهُمْ
فلَرُبَّما أعْدَى الجَليسُ جَليسا
بخسوا ضيوفَ اللهِ عندك حظهمْ
لا كان حظكَ عندهم مبخوسا
وأُعِيذُ مَجْدَكْ أنْ يكونَ بِطائِفٍ
مِنْ حاسِدٍ بِنَمِيمَة ٍ مَمْسوسا
فالله عَلّمَ كلَّ عِلْمٍ آدَماً
وأطاعَ آدمُ ناسِياً إبْلِيسا
إنَّ المُرَاحِلَ مَنْ أضاعَ أُجُوُرَهُ
واعْتاضَ عنها بالنفيسِ خسيسا
فارغبْ إلى حُسنِ الثناءِ فإنه
لا يستوي في الذِّكْرِ نِعْمَ وبيسا
مأنتَ ممنْ تستبيحُ صدورهم
حِقْداً ولا أعراضُهُمْ تَدْنِيسا
أدعوكَ للصفحِ الجميلِ فإن تُجبْ
أحكمَ بنياناً علا تأسيسا
ومن السياسة ِ أن تكون مُراعياً
للصالِحِينَ تَبَرُّهمْ وتَسوسا
قومٌ إذا انتدبوا ليومِ كريهة ٍ
ألْفَيتَ واحِدَهمْ يَرُدُّ خَمِيسا
تالله ماخابَ امرؤٌ متوسلٌ
بالقَوْمِ في النُّعْمَى ولا في البُوسَى
ولقد أتيتكَ باليقينِ فلا تخلْ
إنْ عادَ إسْحاقٌ إليها ثانياً
ورأيتُ منهمْ ما رأيتُ لغَيرِهم
وأقمتُ دهراً بينهم جاسوسا
من كان ملتبساً عليه حديثهم
أذْهَبْتُ عنه منهمُ التَّلْبِيسا
ما ضَرَّهُم قول المُعانِدِ إنهمْ
بِفعالِهمْ أقوى الأنام نُفوسا
كَمْ ذَمَّهُمْ جَهْلاً وأنْكَر حالَهُمْ
قومٌ يلون الحكمَ والتدريسا
فرددتُ قولهمْ بقولي ضارباً
مَثَلاً على الخَضِر السَّلامُ وموسى
وعلى سليمان النبي فإنه
أغرى رحاليه على بلقيسا
وعلى فتى الحسنِ الذي سطواتهُ
مَرَّتْ على الأعداءِ مَرَّ المُوسى
يا رُبَّ ذِي عِلْمٍ رَأى نُصْحِي لَهُ
فأجابني أتُطِبُّ جالينوسا
لَمْ يَدْرِ أني كلما اسْتَعْطَفْتُهُ
كانَ الحَديدَ وكنتُ مِغْناطِيسا
لو كنْتُ أرْضَى الجاهليَّة َ مْثِلَهُ
أمْلَيْتُ مامَلأ القلوبَ نَسِيسا
ونفختُ نار عداوة ٍ لاتصطلى
بلْ لا يُطِيقُ لها العَدوُّ حَسيسا
لَمْ يُبْقِ لي خَوفُ المَعادِ مُعادِياً
فيهيجَ مني للهياجِ رسيسا
أوَ ما ترى حبُّ السلامة ِ جاعلي
أُلْقِي السَّلامَ مُسالِماً والكِيسا
أمكلفي نظمَ النسيبِ وقد رأى
عُودَ الشبابِ الرطبَ عادَ يبيسا
أمَّا النسيبُ فما يناسبُ قولهُ
شَيْخاً أبَدَّ معَمَّراً مَنْكوسا
ما هَمَّ يَخْضِبُ شَيْبَهُ مُتَشَوِّقاً
زَمَنَ الصِّبا إلاّ اتَّقَى التَّدْليسا
لما رأى زمن الشبيبة ِ مدبراً
نَزعَ السُّرَى وتَدَرَّعَ التعْريسا
مَضْتِ الأحِبَّة ُ والشبابُ وخَلَّفا
ليّ الادِّكارَ مسامراً وأنيسا
أذكرتني عهدَ الطعانِ فلم أجدْ
رُمحاً أصولُ به ولا دبُّوسا
أيَّام عزمي لاتفوتُ سهامهُ
غَرَضاً وسَهْمي جُرْحُهُ لا يُواسَى
ثَنَتِ السُّنُونَ سِنانَ صَعْدَتي التي
لم تَلْقَ رادِفَة ً ولا قَرْبُوسا
فقناة ُ حربي لاأردْ تقويمها
للطَّعْنِ إلاّ رَدَّها تَقويسا
ما حالُ مَنْ مُنِعَ الرُّكُوبَ وطَرْفُهُ
يَشْكُو إليه رَباطَهُ مَحْبُوسا
بالأمس كان له الشموسُ مذللاً
واليومَ صارَ لهُ الذَّلولُ شموسا
لادَرَّ درُّ الشيبِ إنّ نجومهُ
تذرُ السَّعيدَ من الرجالِ نحيسا
كيفَ الطريقُ إلى اجتماعٍ جاعلٍ
بيت الفراشِ بساكنٍ مأنوسا
لو كانَ لي في بَيْتِ خالي نُصْرَة ٌ
جمعتْ نقيَّ الخدِّ والإنكيسا
ونصيحة ٍ أعربتُ عنها فانثنتْ
كالصُّبْح يَجْلو ضَوْءُهُ التغليسا
إنَّ النَّصارى بالمَحَلّة ِ وُدُّهُمْ
لو كانَ جَامِعُها يكونُ كَنِيسا
أتُرَى النصارَى يَحْكُمونَ بأنَّه
مَنْ باشَرَ الأحْباسَ صارَ حَبِيسا
ضَرَبُوا عَلى أبْوابها الناقُوسا
صَرَفَ الإلهُ السُّوءَ عنكَ بِصَرْفِهِ
فاصرفهُ عنَّا واصفعِ القسيسا
أفْدِي بهِ المُسْتَخْدَمينَ وإنَّما
أَفْدِي بِتَيْسٍ كاليَهود تُيوسا
لو كنتُ أمْلِكُ أمْرَهُمْ مِنْ غَيْرَتي
لم أبقِ للمستخدمينَ ضروسا
يرْعوْنَ أموالَ الرَّعيَّة ِ بالأذَى
لو يُحْلَبُونَ لأَشْبَهُوا الجاموسا