حَيَّ بُلْبَيْسَ مَنْزِلاً في العِمارهْ – الشاعر البوصيري
حَيَّ بُلْبَيْسَ مَنْزِلاً في العِمارهْ
وتوجهْ تلقاءَ بئرِ عُمارهْ
فالبِتِيَّاتِ فالحِرازِ فَتُبْتيـ
ـــت فشبرا البيوم فالخمارهْ
وإذا جِئْتَ حَاجِراً بَيْنَ بَلْبَيْـ
ـس وقليوبَ من خرابِ فزارهْ
فارجِعِ السَّيْرَ بَيْنَ بِنْها وَأتْـ
ـرِيبَ وكلٌّ لِشاطِىء ِ البَحْر جَارَه
وإذا ما خطرتَ من جانبِ الرمـ
ـلِ بِفاقُوسَ فاقْصِدِ الخَطَّارَه
وشمنديلَ وهي منزلة ُ الجيــ
ـشِ وسعدانة ٍ محلِّ غراره
خَلِّني مِنْ هَوَى البَداوة ِ إني
لست أهوى إلا جالَ الحضاره
واقر تللك القرى السلام فإن أعـ
ـيَتْكَ منها عبارَة ٌ فإشارَه
إنَّ قَلْبي أضْحَى إلى ساكِنِيها
باشتياقٍ وَمُهْجَتي مُسْتَطاره
أذكرتنا عيشاً قديماً نزعنا
هُ لِبَاساً كالحُلَّة ِ المُسْتعَارَه
وزماناً في الحُسْنِ وجْهَ عَلِيٍّ
ذا بَهاءٍ وبَهْجَة ٍ ونَضَاره
صاحبٌ لا يزالُ بالجُودِ والإفـ
ـضالِ طلق اليدينِ حلو العباره
كم هدانا من فضلهِ بكتابٍ
معجزٍ من علومهِ بآثاره
وجههُ مسْفِرٌ لعافيهِ ما نحــ
ـتاجُ في الجود عنده لسفاره
يدهُ رقعة ُ الصباحِ فما أغـ
ـربها من سلامة ٍ وطهاره
يَذْكُرُ الوعْدَ في أُمورٍ ولا يَذْ
كُرُ جَدْوى وَلو بكلِّ إمارَه
إنما يذكرُ العطيَّة َ من كا
نتْ عَطاياهُ تارة ً بعدَ تاره
سَيِّدي أنْتَ نُصرَتي كلما شَنَّ
عَلَيَّ الزَّمانُ بالفَقْرِ غارَه
شاب رأسي وما رأست كأني
زامِرُ الحَيِّ أوْ صغيرُ الحاره
وَابن عِمْرانَ وهْوَ شَرُّ مَتاع
للورى في بطانة ٍ وظهاره
حَسَّنَ القُرْبُ منكُم قُبحَ ذِكْرَا
هُ كتحسين المسك ذكراً لفاره
فهو في المدح قطرة ٌ من سحابي
وهو في الهجو من زنادي شراره
ما لهُ مِيَزَة ٌ عَلَيَّ سِوَى أنَّ
له بغلة ً ومالي حماره
وَعِياطٌ تُدْوَى الدَّوَاوينُ منه
لا بمعنًى كأنه طِنْجِهَاره
يَتَجنَّى بِسُوءِ خُلْقٍ عَلَى النا
سِ ونفسٍ ظلومة ٍ كفاره
لم تهذبهُ كل قاصرة ِ الطـ
ـرفِ أجادتْ بأخدعيهِ القصاره
وابن يغمورَ إذ كساهُ من الـ
ـدِّرَّة ِ دِرْعاً كأَنّه غَفَّارَه
طبعت رأسهُ دماً وبساطي
جلدة ً أو حسبته جلناره
وسليمانُ كلما قرع القرْ
عَة َ طَنَّتْ كأنها نُقَّارَه
وقعاتٌ تنسي المؤرخَ ما كا
نَ من سنبسٍ ومن زناره
إن جَهِلتُمْ ما حلَّ في ساحلِ الشَّيْخِ
ـخِ من الصفحِ فاسألوا البحاره
قالتِ البغلة ُ التي أوقعتهُ
أنا مالي على الغبونِ مراره
إنَّ هذا شيخٌ له بجواريـ
معَ الناس كلَّ يومٍ صِهَارَه
قُلْتُ لا تفتَري عَلَى الشاعرِ الفقِّـ
ـهِ ، قالت : سلِ الفقيه عُماره
لو أتاهُ في عرسهِ شطرُ فلسٍ
لرأى البيع رجلة َ وشطاره
قلتُ هذا شادُّ الدَّوَاوينِ، قالتْ
ما أُولِّي هذا علَى الخَرَّاره
قلتُ ذي غيرة ُ الأبيرة ِ ألاَّ
تشتهي أن تفارقَ الأباره
قالت أقْوَى وكيفَ أُغْيَرُ مِنّي
عند شيخٍ كلٍّ بغيرِ زباره
قلتُ: ما تَكْرَهينَ منه؟ فقالت
أَيُّ بُخْلٍ فيه وأيُّ قَتارَه
أنا في البيتِ أشتهي كفَّ تبنٍ
ومنَ الفرطِ أشتهي نُوَّاره
وعَلِيقي عليه أرْخَصُ مِنْ ما
لِ المَوارِيثِ في شِرا ابنِ جُبَاره
سَرَق النِّصْفَ واشتَرى النِّصف بالنِّصْـ
فِ وَأفْتَى بأنَّ هذا تجارَه
لاتلوموا إذا وقعتُ من الجو
عِ فإني من الخوى خواره
ما كفاه من الطَّوافِ ببلبيـ
ـسَ إلى أن يطوفَ بي السياره
آه من ضيعتي وما ذاك إلا
أنَّ مالي عَلَى الغُبونِ مَرارَه
أُكْمِلَتْ خِلْقَتي وَشَيبي ومالي
في حجورٍ أختٌ ولافي مهاره
أيُّ شبرية ٍ ألذُّ وطاءً
من ركوبي وأيما شباره
عَيَّرَتْني بها بِغالُ الطواحِيـ
ـنِ، وقالتْ تَمَّتْ عليكِ العِيارَه
دُرْتُ حتى وَقَعْتُ عنْدَ المَناحِيـ
ـسِ فيا لَيتَ أنني دَوَّارَه
ولقد أنذرتهُ فرأيتهُ
جَاهِلِيّاً لمْ تُغْنِ فيهِ النِّذاره
وَقَوافيَّ ليسَ فيها صِقالٌ
من ندى لا وليس فيها زفاره
كلُّ عذراءَ ما تردُّ من الكُـ
ـفءِ بعيبٍ ولا زوال بكاره
سرن من حسنهنَّ في الشرقِ والغرْ
بِ فَكْنَّ الكَواكِبَ السَّيَّاره
لَنْ يَصِيدَهُنَّ النَّوال مِنْ بَحْرِ فكري
أو يصطاد الدُّرُّ بالسناره
غير أني أعددتها لخطايا
وَذُنُوبٍ أسْلَفْتُها كَفَّارَه
أَوَلَمْ تَدْرِ أنَّ مَدْحَ عَلِيٍّ
مثلُ حجٍّ وعمرة ٍ وزياره
أيها الصاحب المؤمل أدعو
كَ دُعاءَ استغاثَة ٍ واستجارَه
أَثْقَلَتْ ظَهريَ العِيالُ وقد كُنْـ
ـتُ زماناً بهم خفيفَ الكاره
ولو أني وحدي لكنت مريداً
في رِباطٍ أو عَابِداً في مَغارَه
أحسبُ الزهدَ هيناً وهو حربٌ
لستُ فيه ولا مِنْ النَّظَّارَه
لا تَكلْنِي إلى سِواكَ فَأخْيَا
رُ زماني لا يمنحونَ خياره
وَوُجُوهُ القُصَّادِ فيه حَدِيدٌ
وقلوبُ الأجواد فيه حجاره
فإذا فاز كف حرٍّ ببرٍّ
فهو إما بنقضة ٍ أو نشاره
إنَّ بيتي يقول قد طال عهدي
بدخولِ التَلِّليس لي والشكاره
وطعامٍ قد كان يعهده النا
سُ متاعاً لهم وللسياره
فالكوانينُ ما تعابُ من البر
دِ بِطَبَّاخة ٍ وَلا شَكَّاره
لابساطٌ ولا حصيرٌ بدهليـ
ـزي ولا مجلسي ولا طياره
ليس ذا حالُ من يريدُ حياة ً
لِعيالٍ ولا لِبَيْتٍ عِمَارَه
قلتُ إنَّ الوَزيرَ أسْكَنَ غيْرِي
في مَكاني ولي عليه إجَاره
قيل إن الوزيرَ لن يقصد الفسـ
ـخَ، فَلِمَ لا رَاجعْتَ في الخَرَّاره
أسقَطَتْه مِنْ ظَهْرِنَا فأَرَتْنَا
جيبه لازماً لبطن المحاره
ثمَّ شَدُّوه بالإزارِ فخِلْنا
هُ الخياليَّ مِنْ ورَاءِ السِّتاره
لم يُفضِّل عليك غيركَ لكـ
عطاياهُ كَالكُؤُوسِ المُدارَه
فسأَغْدُو به سعيداً كأني
لاعْتِدالِ الرَّبيعِ للشمسِ دارَه
وَيَشُوقُ الأضْيافَ في بادَهَنْجٍ
مِنْ بعيدٍ قُرُونَهُ كالمَناره
إنَّ بتاً يغشاهُ كلُّ فقيرٍ
من عليٍّ في ذمة ٍ وخفاره
صَرَفَ الله السُّوءَ عنه وَآتا
هُ مِنَ المَجْدِ والعُلا ما اختَاره