جِوَارُكَ منْ جَوْرِ الزَّمانِ يُجِيرُ – الشاعر البوصيري
جِوَارُكَ منْ جَوْرِ الزَّمانِ يُجِيرُ
وَبِشْرُكَ لِلرَّاجي نَدَاكَ بَشِيرُ
فضلتَ بني الدنيا ففضلك أوَّلُ
وَأوّلُ فضلِ الأوَّلِينَ أخِيرُ
وأنتَ هُمامٌ دبَّرَ الملك رأيهُ
خَبِيرٌ بأحْوالِ الزَّمانِ بَصِيرُ
إذَا المَلِكُ المَنْصُورُ حَاوَلَ نَصْرَهُ
كَفَى المَلِكَ المَنْصُورَ منك نَصِيرُ
فلا تنسهِ الأيامُ ذكركَ إنهُ
به فَرِحٌ بينَ الملوكِ فخُورُ
إذا مرَّ في أرضٍ بجيشٍ عرمرم
تكادُ لهُ أمُّ النجومِ تمورُ
وَتَحْسِبُهُ قد سارَ يَرْمِي بُرُوجَهَا
بخيلٍ عليها كالبروجِ يُغيرُ
وَمَا قلْبُها مِمَّا يَقَرُّ خُفُوقُهُ
ولا طرفها حتى يعودَ قريرُ
سواءٌ عليه خَيْلُه وَرِكابُهُ
وَسَرْجٌ إذا جابَ الفَلاة َ وَكُورُ
لقد جَهِلَتْ دَاوِيَّة ُ الكُفْرِ بَأْسَهُ
وَغَرّهمْ بالمسلمينَ غَرُورُ
فلا بُورِكُوا مِنْ إخْوَة ٍ إنَّ أُمَّهُمْ
وإن كُثرتْ منها البنونَ تزورُ
فَإنْ غَلُظَتْ مِنْهُمْ رِقَابٌ لِبُعْدِهِ
فما انحطَّ عنها للمذلة ِ نيرُ
ألم تعلموا أنَّا نواصلُ إن جفوا
وَأنَّا على بعد المزار نَزُورُ
يَظمُونَ خَيْلَ المُسلمينَ يَصُدُّها
عن العدوِ في أرض العدوِّ دُحورُ
أما زُلْزِلَتْ بالعادِياتِ وجاءها
من التُّركِ جمٌّ لا يُعَدُّ غفيرُ
أتوا بطمراتٍ من الجُرْدِ سُيِّرتْ
وَرَجْلٍ لهُمْ مِثْلُ الجَرادِ طُمُورُ
فلم يرقبوا من صرحِ هامانَ مرقباً
بهامَتِهِ بَرْدُ السَّحابِ بَكُورُ
وصبَّ عليهم عارضٌ من حجارة ٍ
ونبلٍ وكلٌّ بالعذابِ مطيرُ
وساكموهُ خسفاً من نقوبٍ كأنها
أثافٍ لها تلكَ البُرُوجُ قُدُورُ
فَذَاقُوا به مُرَّ الحِصارِ فأصْبَحُوا
لهم ذلك الحصنُ الحصينُ حصيرُ
من الخيلِ سورٌ والصوارمِ سورُ
وليس لهم إلاَّ إلى الأسرِ ملجاٌُ
وَإلاَّ إلى ضَرْبِ الرِّقابِ مَصيرُ
فلما أحسُّوا بأسَ أغلبَ همَّة ً
غَدُوٌّ إليهم بالردى وبكورُ
دعوهُ وشملُ النصرِ منهم ممزقٌ
أماناً وجِلْبابُ الحياة ِ بَقِيرُ
أعارَهُمُ کفْرَنْسِيسُ تلكَ وَسِيلَة ٌ
رأى مُسْتَعيراً غِبَّها وسَعِيرُ
فَدَى نفسَهُ بالمالِ والآلِ وانْثَنَى
تَطيرُ به مِن حيثُ جاءَ طُيُورُ
فلا تذكروا ما كان بالأمسِ منهمُ
فذاكَ لأحقادِ السيوفِ مثيرُ
فلو شاءَ سُلْطانُ البَسِيطَة ِ ساقَهُمْ
لمِصْرٍ وتَحْتَ الفارِسَيْنِ بَعِيرُ
تُبَشَّرُ مِصر دائماً بِقُدُومِهِمْ
إذا فصلتْ منهم لغزَّة عيرُ
تسُرُّهمْ عند القفول بضاعة
وَتَحْفَظُ منهمْ إخْوة ً وَتَمِيرُ
ولو شاء مَدَّ النِّيلَ سَيْلُ دمائِهِمْ
وَرَقَّتْ نُحُورٌ ماءَهُ وسُحُورُ
بعيدٍ كعيدِ النحرِ ياحُسنَ ما يُرى
به مِنْ عُلوجٍ كالعُجُولِ جَزُورُ
وَلكنه مِنْ حِلْمِهِ وَاقْتِدارهِ
عَفُوٌّ عَنِ الذَّنْبِ العظيم غفورُ
ولم يبقهمْ إلا خميراً لمثلها
مَلِيكٌ يَجُبُّ الرَّأْيَ وَهْوَ خَبيرُ
يرى الرأيَ مُزَّ الرَّاحِ يُهوي عتيقهُ
ويكرهُ منه الحلوُ وهو عصيرُ
فَوَلَّوْا وَسوءُ الظَّنِّ يَلوِي وُجُوُهَهمْ
فتحسبُها صُوراً وماهيَ صورُ
وقد شغرتْ منهم حصونٌ أواهلٌ
وما راعها من قبلِ ذاك شغورُ
فللهِ سلطانُ البسيطة ِ إنهُ
مَليكٌ يَسيرُ النَّصْرُ حيثُ يسيرُ
ويغمدُ في هامِ الملوكِ حُسامَهُ
ويَرْهَبُ منْ هامِ الملُوك غَفيرُ
وَيَجْمعُ مِنْ أشْلاَئهِمْ مُتَفَرِّقاً
بِصارِمِهِ جَمْعَ الهَشِيمَ حَظِيرُ
فأخلقْ بأن يبقى ويبقى لمُلكهِ
ثَناءٌ حَكاهُ عَنْبَرٌ وعَبيرُ
يؤَيَّدُ منها بالنفيرِ نفيرُ
وَيَحْمِلَ كلَّ المُلْكِ عنه وَإصْرَهُ
حَرِيٌّ بِتَدْبيرِ الأُمورِ جَدِيرُ
أخُو عَزَماتٍ فالبَعِيدُ منَ العُلا
لديهِ قريبٌ والعسيرُ يسيرُ
تَكادُ إذا ما أُبْرِمَتْ عَزَماتُهُ
لها الأرضُ تطوى والجبالُ تسيرُ
دعاني إلى مغناهُ داعٍ وليس لي
جنانٌ عليَّ ذاكَ الجنابِ جسورُ
فقلت له دَعْنِي وَسَيْرِي لِماجِدٍ
له الله في كلِّ الأمورِ يجيرُ
إذا جِئْتُهُ وَحْدي يقُومُ بِنُصْرَتي
قبائلُ من إقبالهِ وعشيرُ
فَتًى أبْدَتِ الدُّنيا عواقِبَها لَهُ
وأفضتْ بما فيها لديهِ صدورُ
فغفلتهُ من شدة ِ الحزمِ يقظة ٌ
وَغَيْبَتُه عَمَّا يُرِيدُ حُضورُ
وما كلُّ فضلٍ فيه إلاَّ سَجِيَّة ٌ
يُشاركُ فيها ظاهرٌ وضميرُ
فليس له عندَ النِّزالِ مُحَرِّضٌ
وليس له عند النوال سفيرُ
هو السيفُ فاحذرْ صفحة ً لغرارهِ
فَبَيْنَهُما لِلاَّمِسِينَ غُرورُ
مهيبٌ وهوبٌ للمحاولِ جودهُ
جوادٌ ولليثِ الهصورِ هصورُ
إشاراتهُ فيما يرومُ صوارمٌ
وساعاتُهُ عما يَسَعْنَ دُهُورُ
إذا هَجرَ الناسُ الهجيرَ لكَرْبِهِمْ
يلُّ له أنَّ الزمانَ هجيرُ
وهل يتَّقى حرَّ الزمانِ ابنُ غادة ٍ
جليلٌ على حرِّ الزمانِ صبورُ
يُحاذِرُهُ الموْتُ الزُّؤَامُ إذا سطا
ولكنه مِنْ أنْ يُلامَ حَذُورُ
وتستهونِ الأهوالَ في المجدِ نفسهُ
وتَسْتَحْقرُ المَوهُوبَ وهُوَ خَطيرُ
مَكارِمُهُ لَمْ تُبْقِ فَقراً ورَأْيُهُ
إلى بعضهِ أغنى الملوكِ فقيرُ
كَفَتْهُ سُطاهُ أنْ يُجَهِّزَ عَسْكراً
وآراؤُه أنْ يُسْتَشارَ وَزِيرُ
فواطَنَ أطْرافَ البَسِيطَة ِ ذِكْرُهُ
وصينتْ حصونٌ باسمهِ وثغورُ
مُحَيَّاهُ طَلْقٌ باسِمٌ رَوضُ كَفِّهِ
أرِيضٌ وَماءُ البشْرِ منه نميرُ
حَكَى البحرَ وصفْاً مِنْ طهارَة ِ كَفِّه
فقيل له من أجلِ ذاك طهورُ
وما هو إلاَّ كيمياءُ سعادة ٍ
ووصفى لتلك الكيمياءِ شذورُ
بها قامَ شعري للخلاصِ فما أرى
لشعري امتحانَ الناقدين نصيرُ
وربَّ أديبٍ ذي لسان كمبردٍ
بَدَا مِنْ فَمٍ كالكِيرِ أوْ هوَ كِيرُ
أَرادَ امْتحاناً لي فَزَيَّفَ لَفْظَهُ
نتانٌ بدا من نظمهِ وخريرُ
إذا مارآني عافني واستقلني
كأَنِّي في قَعْرِ الزُّجَاجَة ِ سُورُ
ويعجبهُ أني نحيفٌ وأنهُ
سَمِينٌ يَسُرُّ الناظرِينَ طَرِيرُ
ولم يدرِ أن الدُّرَّ يصغرُ جرمهُ
وَمقدارُهُ عند الملوكِ خطيرُ
فقامَ بنصري دونهُ ذو نباهة ٍ
حليمٌ إذا خفَّ الحليمُ وقورُ
ولا جورَ في أحكامهِ غير أنه
على الخائنينَ الجائرينَ يجورُ
فلا تنظرالعُمَّالُ للمالِ إنَّهُ
عَلَى بَيْتِ مالِ المسلمينَ غَيُورُ
وأنَّ عذابَ المجرمينَ بعدلهِ
طويلٌ وعُمْرَ الخائنينَ قَصِيرُ
له فلمٌ بالبأسِ يجري وبالندى
ففِي جانِبَيْهِ جَنّة ٌ وَسَعِيرُ
تُحَلِّي الطَّرُوسَ العاطِلاتِ سطورُها
كما تتحلى بالعقودِ نُحور
أُجَلِّي لحَاظِي في خمائِلِ حُسْنِهِ
فَمِنْ حَيْرَة ٍ لَمْ تَدْرِ كيفَ تَحُورُ
حَكَى حَسناتٍ في صحائِفِ مُؤْمِنٍ
يُسَرُّ كبيريٌّ بها وصغيرُ
فكانت شكولاً منه زانتْ حروفهُ
حِساباً قَلَتْ منه الصِّحاحَ كُسورُ
فقلتُ وَقد راعَتْ بِفَضْلِ خِطابِهِ
وراقتْ عيونَ الناظرينَ سطورُ
لئنْ جاءهم كالغيثِ منهُ مبشراً
لقد جاءهم كالموتِ منه نَذِيرُ
فويلٌ لقومٍ منْ يراعٍ كأنهُ
خلالٌ يَرُوعُ الأُسْدَ منه صَريرُ
وَلِمَ لا وَآسادُ العرينِ لِداتُهُ
يَكُونُ له مثلُ الأُسودِ زَئيرُ
يَغُضُّ لديهِ مقلتيهِ ابنُ مقلة ٍ
كما غضَّ منْ في مقلتيهِ بثورُ
وأنَّى له لو نالهُ مِنْ تُرابِهِ
لِيكْحَلَ منه مُقْلَتَيْه ذَرُورُ
وَقد كَفَّ عنْ كوفيَّة ٍ كَفَّ عاجِزٍ
وفيه نظيمٌ دُرُّهُ ونثيرُ
وَوَدَّ العذارَى لوْ يُعَجِّلُ نِحْلَة ً
إليهنَّ مِنْ تلكَ الحُروفِ مُهُورُ
رَأَى ما يَرُوقُ الطّرْفَ بلْ ما يَرُوعُهُ
فخارَ وذو القلبِ الضعيفِ يخورُ
بَني ما بَنَى كِسْرَى وعادٌ وَمُتَّبَعٌ
وليسَ سواء مُؤْمِنٌ وَكَفُورُ
ودلَّ على تقوى الإلهِ أساسهُ
كما دلَّ بالوادي المُقّدَّسِ طورُ
حجازيَّة ُ السُّحْبِ الثقالِ يسوقها
على عجلٍ سوقاً صباً ودبورُ
ومنها نجومٌ في بروجٍ مَجَرَّة ٍ
عَلَى الأرضِ تَبْدُو تارَة ً وتَغُورُ
تضيقُ بها السُّبْلُ الفجاجُ فلا يرى
بها للرياحِ العاصفاتِ مسيرُ
فكم صخرة ٍ عادية ٍ قذفتْ بها
إليهِ سهولٌ جمَّة ٌ ووعورُ
ومنْ عُمُدٍ في همَّة ِ الدَّهرِ قوَّة ٌ
وفي باعهِ من طولهنَّ قصورُ
أشارَ لها فانقادَ سهلاً عسيرها
إلأيهِ وما أمرٌ عليه عسيرُ
أَتَتْه بها أنْدَى الرِّياحِ ودونَ مَا
أَتَتْه بها أنْدَى الرِّياحِ ثَبِيرُ
وما كانَ لَولا مالَهُ مِنْ كَرَامة ٍ
لِيَأْتِيَنا بالمُعْجِزاتِ أميرُ
لمافيه من تقوى وعلمٍ وحكمة ٍ
بِحُرِّ مَبَانِيهِ الثَّلاَثُ تُشِيرُ
فَمِئْذَنَة ٌ في الجوِّ تُشْرِقُ في الدُّجَى
عليها هُدًى لِلْعَالمِينَ وَنُورُ
ومن حيثما وجَّهْتَ وجهكَ نحوها
تلقتكَ منها نضرة ٌ وسرورُ
يَمُدُّ إليها الحاسدُ الطرفَ حسرة ً
فَيَرْجِع عنها الطَّرْفُ وهْوَ حَسير
فكم حَسَدتها في العُلوِّ كواكبٌ
وغارَتْ عليها في الكمالِ بُدُورُ
إذا قامَ يَدْعُو الله فيها مُؤَذِّنٌ
فما هو إلا للنجومِ سميرُ
فللناسِ مِنْ تَذْكارِهِ وأذانه
فَطُورٌ عَلَى رَجْعِ الصَّدَى وَسَحُورُ
وقُبَّة ُ مارستانَ ليسَ لِعِلَّة ٍ
عليه وإن طالَ الزمانُ مرورُ
صحِيحُ هَواءٍ للنُّفوسِ بِنَشْرهِ
معادٌ وللعظمِ الرميمِ نشورُ
يَهُبُّ فيهدي كلَّ روحٍ بجسمهِ
كأن صباهُ حين ينفخُ صورُ
فلَوْ تَعْلمُ الأجسامُ أنَّ تُرابَهُ
مهادُ حياة ٍ للجسومِ وثيرُ
لَسارَتْ بِمَرْضاها إليه أسِرَّة ٌ
وصارتْ بموتاها إليه قُبُورُ
وما عادَ يُبْلِي بعدَ ذلك مَيِّتاً
ضريحٌ ولا يشكوُ المريضَ سريرُ
بجنتهِ ورقٌ تُراسلُ ماءَهُ
يَشوقُ هديلٌ منهما وهديرُ
وَقد وَصَفَتْ لي الناس منها عَجائِباً
كأَوْجُهِ غِيدٍ ما لَهُنَّ سُفورُ
محاسنها استدعتْ نسيبي وما دعا
نسيبي غزالٌ قبلَ ذاكَ غريرُ
وباتَ بها قلبي يُمثِّلُ حسنها
لعيني ونومي بالسُّهادِ غزيرُ
وَلا وَصْفَ إلاّ أنْ يَكُونَ لِواصفٍ
ورودٌ على موصوفهِ وصدورُ
بَدَتْ فهْيَ عندَ الصَّالحِيَّة ِ جِلَّقٌ
وفي تلك جنَّاتٌ وتلك قبورُ
ولو فتحتْ أبوابها لتبادرتْ
منَ الدُّرِّ ولدانٌ إليهِ وحُورُ
ومدرسة ٌ ودَّ الخورنقُ أنه
لديها حظيرٌ والسديرُ غديرُ
مدينة ٌ علمٍ والمدارسُ حولها
قُرى ً أو نجومٌ بدرهنَّ منيرُ
تبدَّتْ فأخفى الظَّاهرية َ نورها
وليسَ بِظُهْرِ للنُّجُومِ ظُهُورُ
بِناءٌ كَأَنَّ النَّحْلَ هَنْدَسَ شَكْلهُ
وَلانَتْ لهُ كالشَّمْعِ منه صُخُورُ
بناها حكيمٌ ليس في عزماتهِ
فتورٌ ولا فيما بناهُ فتورُ
بناها شديد البأسِ أوحدُ عصرهِ
خلتْ حِقَبٌ من مثله وعصورُ
فما صنعتْ عادٌ مصانعَ مثلهُ
وَلا طاولَتهُ في البِناءِ قُصُورُ
ثَمانِيَة ٌ في الجوِّ يَحْمِلُ عَرْشَها
وبعضٌ لبعضٍ في البناء ظَهيرُ
يرى من يراها أ، رافعَ سَمكها
عَلَى فِعْلَ ما أعْيا المُلوكَ قَدِيرُ
وَأنَّ مَناراً قائماً بإزائها
بَنانٌ إلى فضلِ الأميرِ تُشِيرُ
كأَنَّ مَنارَ اسْكَنْدَرِيَّة َ عنده
نواة ٌ بدتْ والبابُ فيه نقيرُ
بناها سعيدٌ في بقاعٍ سعيدة ٍ
بها سَعِدَتْ قَبْلَ المَدارِسِ دُورُ
إذا قامَ يَدْعُو الله فيها مؤَذِّنٌ
فما هو إلا للنجومِ سميرُ
فصارت بيوتُ الله آخرَ عمرها
قصورٌ خلتْ من سادة ٍ وخدورُ
ذَكَرْنا لَدَيْها قُبَّة َ النَّسْرِ مَرَّة ً
فما كادَ نسرٌ للحياءِ يطيرُ
فإنْ نسبتْ للنسرِفالطائرالذي
له في البروجِ الثابتات وكورُ
وإلاّ فكَمْ في الأرضِ قد مَال دونَها
إلى الأرضِ عِقْبانٌ هَوَتْ وَنُسُورُ
تبينتُ في محرابها وهي كالدُّمى
قدُودَ غَوانٍ كُلُّهُنَّ خُصُورُ
وقد حُلِّيتْ منها صدورٌ بعسجدٍ
وَلُفَّتْ لَها تَحْتَ الحُلِيِّ شُعُورُ
بها عُمُدٌ كاثَرْنَ أيَّامَ عامِها
ومن عامها لم يمضِ بعدُ شهورُ
مَبانٍ أبانَتْ عَنْ كمالِ بِنائِها
وأعربَ عن وضعِ الأساسِ هتورُ
سماوية ٌ أرجاؤها فكأنها
عليها من الوَشْي البَديعِ سُتُورُ
تَوَهَّمَ طرْفِي أنَّ تَجْزِيعَ بُسْطِها
رُقومٌ وتلوينَ الرُّخامِ حريرُ
وكم جَاوَزَ الإبْدَاعُ في الحُسْنِ حَدَّهُ
فأَوْهَمَنا أنَّ الحقيقة َ زُورُ
فللَّه يَومٌ ضَمّ فيه أئمة ً
تَدَفَّقَ منهم لِلعلومِ بُحورُ
وشمسُ المَعالي مِنْ كِتابٍ وسُنَّة ٍ
على الناسِ من لفظِ الكلامِ تُديرُ
وقد أعْرَبَتْ للناسِ عَنْ خَيْرِ مَوْلِدِ
عَرُبٌ به والفضبُ فيه كثيرُ
فأكرمْ بيومٍ فيهِ أكرمُ مولدٍ
لأكْرَمِ مَوْلُودٍ نَمَتْهُ حُجورُ
يطالعهُ للمسلمينَ مسرة ٌ
ولكِنْ به للكافرِينَ ثبورُ
قَرَأْنا بها القرآنَ غيرَ مُبَدَّلٍ
فغارتْ أناجيلٌ وغارَ زبورُ
وَثَنَّتْ بأخْبارِ النبيِّ رُواتُها
وكلٌّ بأَخْبارِ النبيِّ خَبِيرُ
وثَلَّثَ يدعو الله فيها موَحِّـ
ـدٌ ذكورٌ لنعماءِ الإلهِ شكورُ
وما تلكَ للسلطانِ إلاَّ سعادة ٌ
يَدُومُ لهُ ذِكْرٌ بها وأُجُورُ
دَعاها إليه وافرُ الرَّأْي والحجَا
يزينُ الحجى والرَّأيُ منه وقورُ
فهل في ملوكِ الأرضِ أو خلفائها
له في الذي شادتْ يداه نظيرُ
على أنهم في جنبِ ما شاد من عُلاً
ولو كان كالسبعِ الطباقِ حصيرُ