حقيقة شكر الله على الجوارح أن نستعملها في ؟
حقيقة شكر الله على الجوارح أن نستعملها في :
طاعة الله.
إن شكر النعمة ليس فقط بحمدالله قولاً، ولكن يجب ذكر النعمة واستحضارها بالقلب، تستشعر فضل الله عليك، وتذكر نعمه عليك بلسانك، كما أنك تشكر نعمة الله عليك بجوارحك أيضاً، ويكون ذلك بأن تستخدمها فيما يرضي الله تعالى، وأن تبعدها عما يغضبه، يصدق كل نوع من الشكر على الآخر، فلا يكون الشكر صادقاً إلا إذا كانت من القلب، واللسان، والجوارح، جميعهم دون أن ينقصوا واحداً، ويقول الشاعر في ذلك: (أفادتكم النعماء مني ثلاثة، يدي ولساني والضمير المحجبا).
فسَّر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله قوله تعالى: (واذكروا نعمة الله عليكم)، فقال: (والذكر يكون بالقلب، واللسان، والجوارح؛ فذكرها باللسان أن تقول: أنعم الله علي بكذا، كما قال تعالى: (وأما بنعمة ربك فحدث)، فتثني على الله عز وجل بها تقول: اللهم لك الحمد على ما أنعمت علي به من المال، أو الزوجة، أو الأولاد، أو ما أشبه ذلك، وذكرها بالقلب : أن تستحضرها بقلبك ، معترفا بأنها نعمة من الله، وذكرها بالجوارح : أن تعمل بطاعة الله، وأن يرى أثر نعمته عليك).
استخدام النعم فيما يرضي الله يدل على الشكر
لا يتم شكر النعم إلا باستخدامها في مرضاة الله تعالى، فإن شكرت الله ليلاً ونهاراً على منحك لساناً تتكلم به، وتعبر به عن نفسك بينما أنت تستخدمه في الغيبة، والنميمة، ورمي الناس بالباطل، فلم تكن شاكراً لنعمة الله.
وإن اعترفت في نفسك بفضل الله عليك أن أعطاك قلباً نابضاً بغير ألم، وقدماً قويةً بغير اعوجاج، ومشيت إلى المعصية راكضاً، لم تكن شاكراً لنعمته، لأنك استخدمتها فيما نهاك عنه، قال ابن القيم رحمه الله عن الشكر: (وهو مبني على ثلاثة أركان: الاعتراف بها باطناً، والتحدث بها ظاهراً، وتصريفها في مرضاة وليها ومسديها ومعطيها)، كما قال تعالى: (اعملوا آل داود شكرا).
الجوارح من أعظم النعم
منح الله العباد الجوارح، وهي أعظم منحه سبحانه وتعالى، يقول تعالى: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)، أعطاك البصر، والسمع، والإحساس، والقدرة على المشي والتنقل، وغير ذلك من الأعضاء، والجوارح باختلاف وظائفها، ومنافعها، فإن نعمة الله عليك لا تعد ولا تحصى، يقول تعالى: (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها)، وواجب النعمة شكرها، إذا يقول سبحانه وتعالى: (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد)، فرغم تمام نعمته على عباده، إلا أنه جل وعلى يعد الشاكرين بالمزيد.
يقول أحد السلف: (إذا أردت أن تعرف نعمة الله عليك فأغمض عينيك)، وهي عبارة ذات معنى بليغ، فلا يعرف العبد نعمة الله عليه، وتتعاظم في نظره إلا إن رأى من يفقدها، فكم يجد الكفيف من مشقة في الوصول لأشيائه، وكم يعاني الأبكم ليخبر عن مراده، ويعاني من فقد قدميه ليصل إلى غرفته، وأنت تتكلم، وتبصر، وتخطو فوق الأرض دون عناء، وتهرع لعلاج ما أصابك من آلام، ولاتهتم لقلبك وما حوى، رغم أنه أولى، يقول سيد الخلق صلَّ الله عليه وسلم: (إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم).
تهذيب الجوارح من شكر الله
نعمة الجوارح رغم عظمتها قد تكون سبباً في هلاكك إن أهملت شكرها بإهمالك راعيتها، وحفظها عن الوقوع في المعاصي، فإن فسد القلب ولم يزجر جوارحك عن المعاصي فسدت جوارحك، يقول صلَّ الله عليه وسم: (ألا في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب).
لم يترك الله سبحانه وتعالى مجالاً للعبد حتى يفكر في طريقة حفظ الجوارح، فقد حدد الطريق للعبد كي يخطو فوقه ماشياً نحو رضا الله، فتراه يقول سبحانه وتعالى في تهذيب اللسان: (وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون)، ويقول: (ما يلفظ من قولٍ إلا لديه رقيب عتيد)، (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلالٌ وهذا حرام)، فيحذر سبحانه وتعالى من نطق أي كلمة يمكن أن يحاسب المرء على قولها، وخاصةً أن يحلل حراماً، أو يحرم حلالاً.
أما في تهذيب العين يقول سبحانه وتعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم)، (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن)، فأمر أن يغض الرجال والنساء أبصارهن عما حرِّم النظر إليه، وفي تهذيب السمع يقول جل وعلا:
(وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين)، يأمر الله تعالى المؤمنين، ويصفهم بأنهم يعرضون وينأون عن مجالس اللغو، والغيبة، والنميمة، والكفر، ويقول تعالى أيضاً: (والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما)، وهو تهذيب للسان والسمع، أي أن المؤمن لا ينطق زوراً، ولا يسمع زوراً.[1][2][3]
شكر الله على نعمه يكون ب
- ظهور أثر نعمته على عبده، على لسانه فيتكلم بها، وعلى قلبه فيشهد بها.
- انقياد جوارح العبد، وعملها في طاعة الله، وبعدها عن معصيته سبحانه وتعالى.
- أداء الفرائض.
- ذكر الله، والنوافل.
يتم شكر الله تعالى باللسان، والقلب، وعمل الجوارح، يقول ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين موضحاً حقيقة شكر الله: (وكذلك حقيقته في العبودية وهو ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده: ثناء واعترافا وعلى قلبه: شهودا ومحبة وعلى جوارحه:
انقيادا وطاعة، والشكر مبني على خمس قواعد: خضوع الشاكر للمشكور، وحبه له، واعترافه بنعمته، وثناؤه عليه بها، وأن لا يستعملها فيما يكره. فهذه الخمس هي أساس الشكر وبناؤه عليها، فمتى عدم منها واحدة اختل من قواعد الشكر قاعدة، وكل من تكلم في الشكر وحده فكلامه إليها يرجع وعليها يدور).
ليس هناك طريقة أعظم، وأحب إلى الله لشكره من أداء فرائضه، فقد روى أبو هريرة في صحيح البخاري عن النبي صلَّ الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله قال من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلى عبدي بشئٍ أحب إلي مما افترضته عليه، ومايزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيته، ولئن استعاذني لأعذته).
وإذا كنت تريد التقرب إلى الله أكثر فأكثر شاكراً له على نعمه، فتشبث بالنوافل، والذكر، كما قال النبي صلَّ الله عليه وسلم للرجل الذي سأله عن شيء يتشبث به بعدما كثرت عليه الشرائع، فقال له: (لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله)، وإن ذكر الله تعالى أسهل النوافل التي يمكنك التشبث بها، فاذكر الله بما شئن من أذكار، واقرأ ما تيسر من كتابه، وأقم ما استطعت من الصلوات النوافل، وكن من الشاكرين.[4]