مقتطفات عن خلق الأمانة
مقتطفات عن خلق الأمانة
-نُقل عن ابن القيم رحمه الله أنه قال في كتابه (الروح، ص50): (فامتناع السموات والأرض والجبال من حمل الأمانة لأجل خلوها من العقل الذي يكون به الفهم والإفهام، وحُمِّلَ الإنسانُ إياها لمكان العقل فيه)، وقال أيضًا في كتابه (زد المهاجر، ص 32): ولا يستحق اسم الأمانة إلا من قام فيها العدل المحض: نصيحة لله، ولكتابه، ولرسوله، ولعباده).
-روى النبي صلَّ الله عليه وسلم لنا عن ثلاثة أشخاص انطبقت عليهم الصخرة داخل غار، فقال: (اللهم استأَجَرْتُ أُجَرَاءَ، وأعطيتُهم أجرَهم، غير رَجُل واحد، تَركَ الذي له وذهب، فَثَمَّرتُ أَجْرَهُ حتى كَثُرَتْ منه الأموال، فجاءني بعد حين، فقال: يا عبد الله، أَدِّ إِليَّ أجري، فقلت: كلُّ ما ترى من أَجْرِكَ، من الإِبل والبقر، والغنم، والرقيق، فقال: يا عبد الله! لا تستهزئُ بي، فقلتُ: إِني لا أستهزئُ بك، فأخذه كلَّه فاسْتاقه، فلم يتركْ منه شيئا، اللهم فإن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاءَ وجهك فافْرُج عنا ما نحن فيه، فانفرجتِ الصخرة، فخرجوا يمشون).
-عن حديفة بني اليمان عن النبي صلَّ الله عليه وسلم: (ينامُ الرجُلُ النومَةَ، فتُقْبَضُ الأمانةُ من قلبه، فيظَلُّ أثَرّها مِثْلُ أثَرِ الْوَكْتِ، ثمَّ ينامُ النَّومةَ، فَتُقْبَض الأمانةُ من قبله، فيظلُّ أثَرهُا مثْلُ أثَرِ الْمجْلِ، كَجَمْرِ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ، فَتراه مُنْتبِرًا، وليس فيه شيءٌ -ثم أخَذَ حصى فدحْرَجَهُ على رجْلِهِ، فيُصْبِحُ النَّاسُ يتبايَعون، فلا يكاد أحدٌ يُؤدِّيَ الأمانةَ، حتَّى يُقالُ:
إنَّ في بني فلانٍ رَجُلاً أمينَاً، حتى يقال للرجل: ما أجْلَدَهُ! ما أظْرَفَهُ! ما أعْقَلَهُ! وما في قلبه مِثْقَالُ حبَّةٍ من خَردلٍ من إيمانٍ! ولقد أتى عليَّ زمانٌ وما أبالي أيّكُم بايعْتُ، لئِن كان مُسلمًا ليَرُدَّنَّه عليَّ دينُهُ، وإنْ كان نَصْرانيًا أو يَهوديًا ليَرْدَّنه عليَّ ساعيه، وأما اليوم فما كنتُ أبايع منكم إلا فلانًا وفلانًا).[1]
عن خلق الأمانة
-يقول ابن كثير في كتاب (فتح القدير، للشوكاني) في تفسيره لهذه الآية: ( وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ): (إنَّ المؤمنين إذا اؤتمنوا لم يخونوا، بل يؤدُّونها إلى أهلها، وإذا عاهَدُوا أو عاقَدُوا أَوْفوا بذلك، وجمَع الله الأمانات باعتبار تَعدُّد أنواعها وتعدُّدِ القائمين بحِفظها، وذلك تنصيصٌ على العُموم، والحِكمة في جمْع الله تعالى الأمانةَ دُون العهد أنَّ الأمانة أعمُّ من العهد، ولذا فكُلُّ عهدٍ أمانة).
قصة عن خلق الأمانة
كان هناك عبدًا يشتغل أجيرًا في بستان اسمه: (المبارك)، ذات يوم ذهب صاحب البستان إلى البستان وبرفقته أصحابه، وطلب من المبارك أن يأتيهم برمان حلو، فقطف المبارك بضع ثمرات وقدمها إليهم، ولكنها كانت حامضة لم تكن حلوة كما أرادوها، فقال له صاحب البستان: قلت لك أن تحضر رمان حلو، اذهب فأحضر غيره، فذهب ليحضر غيره مرتين، ولكن في كل مرة كان الثمرات طعمها حامضًا، فاستعجب صاحب البستان وقاله له: إنك تحرس هذا البستان سنة كاملة ولا تعرف أين الرمان الحلو؟!
فقال له المبارك: يا سيدي أنت طلبت مني أن أحرس البستان، لا أن أتذوق الرمان، فكيف لي أن أعرف أيه حلو، وأيه حامض؟! استعجب صاحب البستان، وظن أنه يخدعه بقوله هذا، فسأل الجيران، فأخبروه أن المبارك لم يتذوق ثمرة واحدة طوال السنة التي حرس فيها البستان.
جاء صاحب البستان ليستشير المبارك في أمرٍ ما، وقال له: إنني ليس لدي إلا إبنة واحدة، فلمن أزوجها؟ فقال المبارك: يا سيدي، إن اليهود يزوجون من أجل المال، والنصارى من أجل الجمال، أما العرب فيهتمون للحسب، والمسلمون لا يهمهم سوى التقوى، فأيهم أنت؟ فرد عليه قائلًا: والله لا أزوجها إلا على التقوى، وإني لم أجد أتقى منك، وإن أعتقتك وزوجتك إبنتي، وقد أنجب الزوجين التقيين العفيفين (عبد الله ابن المبارك) العالم الورِع، الذي قال: (لأنْ أردَّ درهمًا من شُبهةٍ خيرٌ لي من أنْ أتصدَّق بمائة ألف دِرهم ومائة ألف درهم، حتى عَدَّ ستمائة ألف درهم).[2]
آيات وأحاديث عن الأمانة
-(وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ).
-(وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).
-(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا).
-(وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ، الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).
-(وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ).
-(لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له).
-(من سَرَّهُ أن يُحِبَّهُ الله ورسوله فليَصْدُق حَدِيثَهُ إذا حدَّث، وليُؤَدِّ أمانَتَه إذا اؤتُمِن).
-(العامِلُ على الصدَقة بالحقِّ كالغازي في سبيل الله حتى يرجعَ إلى بيتهِ).
-(أنا ثالثُ الشريكين ما لم يخنْ أحدهما صاحبَه، فإذا خانَه خرجتُ من بينهما).
-(المسلمُ مَن سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده والمؤمن مَن أَمِنَه على دمائهم وأموالهم).[2][3]
أقوال السلف والعلماء في خلق الأمانة
- قال أبو بكر الصديق: (أصدق الصدق الأمانة، وأكذب الكذب الخيانة).
- عن أبي نجيخ قال: (لما أتى عمر بتاج كسرى وسواريه، جعل يقلبه بعود في يده ويقول: (والله إن الذي أدى إلينا هذا لأمين)، فقال رجل: يا أمير المؤمنين أنت أمين الله يؤدون إليك ما أديت إلى الله فإذا رتعت رتعوا، قال صدقت).
- يقول هشام أن عمر قال: (لا تغرني صلاة امرئ ولا صومه، من شاء صام، ومن شاء صلى، لا دين لمن لا أمانة له).
- وقال عبدالله بن مسعود: (القتل في سبيل كفارة كل ذنب إلا الأمانة، وإن الأمانة الصلاة والزكاة والغسل من الجنابة والكيل والميزان والحديث، وأعظم ذلك الودائع).
- ورد عن أبي هريرة أنه قال: (أول ما يرفع من هذه الأمة الحياء، والأمانة، فسلوها الله).
- وعن خالد الربعي قال كان يقال: (إنَّ مِن أجدر الأعمال أن لا تُؤخَّر عقوبته أو يُعجَّل عقوبته: الأمَانَة تُخَان، والرَّحم تُقْطَع، والإحْسَان يُكْفَر).
- ابن أبي الدُّنْيا يقول: (الدَّاعي إلى الخيانة شيئان: المهانة وقلَّة الأمَانَة، فإذا حسمهما عن نفسه بما وصفت ظهرت مروءته).
- وردنا عن نافع مولى ابن عمر أنه قال: (طاف ابن عمر سبعًا وصلَّى ركعتين، فقال له رجل مِن قريش: ما أسرع ما طفت وصلَّيت يا أبا عبد الرَّحمن. فقال ابن عمر: أنتم أكثر منَّا طوافًا وصيامًا، ونحن خير منكم بصدق الحديث، وأداء الأمَانَة وإنجاز الوعد).
- سفيان بن عيينة قال: (مَن لم يكن له رأس مال فليتخذ الأمَانَة رأس ماله).
- نقل عن الإمام الشَّافعي أنه قال: (آلات الرِّياسة خمس: صِدق اللَّهجة، وكتمان السِّرِّ، والوفاء بالعهد، وابتداء النَّصيحة، وأداء الأمَانَة).[4]