الإسراف في المعيشة سلوك اجتماعي سلبي
الإسراف في المعيشة سلوك اجتماعي سلبي
عبارة صحيحة.
في العصر الحديث لا بدّ من امتلاك الأموال بشكلٍ وفير لعيش الحياة الكريمة التي يحلم بها كلّ شخصٍ في هذا العالم، فالأموال هي كلّ شيءٍ في هذا الوقت وصارت تُقاس قيمة الإنسان بقيمة الأموال التي يملكها، وذلك من سوء التقدير والتقييم، فالمال نعمة ٌورزقٌ يمنّ به الله تعالى على من يشاء من عباده، وليس مقياسًا تُقدر به قيمة الناس وتحدد به مكانتهم الاجتماعية، لأنّ الله تعالى جعل الميزان هو التقوى.
المال ما هو إلا من متاع الدنيا الفانية، يهبه الله تعالى لعباده في الأرض، ولقد أمر الله سبحانه وتعالى الإنسان باجتناب الإسراف وخاصةً الإسراف في إنفاق المال على المعيشة، لأنّ الإسراف في هذا الأمر له الآثار الخطيرة على حياة الإنسان، وهو من أسليب الحياة الخاطئة التي تعود بالكثير من السلبيات سواءً على حياة الفرد أو المجتمع كاملًا.
الإسراف في المعيشة يعد من أخطر السلوكيات السلبية، ويتمثل هذا الإسراف بإنفاق الأموال على الأشياء والأمور التي لا معنى لها ولا فائدة، كذلك يتمثل الإسراف بإنفاق الأموال الكثير بلا مبالاةٍ ولا حرصٍ ولا تقدير، ومن واجب الإنسان الحفاظ على هذا الرزق وإنفاقه على الوجه الذي يرضي الله تعالى، لأنّه سيُسأل يوم القيامة عن ماله فيما أنفقه.[1]
حكم الإسلام في الإسراف المعيشي
هو سلوكٌ خاطئٌ يرفضه الإسلام وينهى عنه.
فقد نهى الله تعالى المسلمين عن الإسراف في الطعام والشراب والملبس والمسكن، وأمرهم بالتوسط والاعتدال في كلّ شيءٍ، أي حلّل لهم الاستمتاع في المباحات فقط ولكن باعتدالٍ، لأنّ الإسراف هو الزيادة في الإنفاق والعمل دون داعٍ ودون حاجةٍ أو ضرورة، قال الله تعالى في محكم تنزيله: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}.[الأعراف: 31] فالإنفاق للمعيشة تكون في النطاق الذي أباحه الله تعالى فقط.
وإنّ الإسراف قد يجرّ المسلم إلى التبذير المحرم، فالمبذرون هم إخوانٌ للشياطين، قال الله تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا* إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا}.[الإسراء: 26-27] وهو مناقضٌ لشكر الله تعالى على نعمه، فمن يسرف فقد ضيّع نعم الله تعالى عوضًا عن شكره عليها من خلال إنفاقها على الوجه الذي يرضيه سبحانه.
فعلى الإنسان أن يكون حريصًا على حفظ النعم وأن يسعى ليشكر الله تعالى بالدعاء والذكر والطاعات وأعمال الخير، كذلك يشكره من خلال استعمال النعم كما أمر الله تعالى وأن يعطي مما أعطاه الله تعالى فالله يرزق ويأمر بالإنفاق في سبيله والبعد عن الإنفاق في سبيل الملذات والمتعة، فمن يشكر الله تعالى على نعمه يزيده منها. [2]
آثار الإسراف المعيشي على الفرد والمجتمع
- الإفلاس وانتهاء الأموال في وقتٍ مبكر.
- تراكم الديون وعدم المقدرة على سدادها.
- التعرض للضغوط النفسية والجسدية.
- إفلاس صندوق الطوارئ.
- عدم العثور على الراحة والسعادة وقت الشيخوخة.
- التعرض للإجهاد من أجل توفير الأموال.
- الشعور بالنقص.
الإفلاس: فالإسراف وإنفاق الأموال وأسلوب الحياة الباهظ قد يؤدي إلى انتهاء أموال هذا الشخص وتعرضه للإفلاس مبكرًا دون أن يدرك، فتنهار حياته المستقرة ويضطر إلى جمع الأموال التي خسرها على الحاجيات الغير ضرورية، فلا بدّ من وضع خطةٍ مالية مسبقة من أجل الحد من هذا الإسراف والتبذير.
تراكم الديون: بعد الإفلاس يمكن أن تتراكم الديون على هذا الشخص من أجل تلبية احتياجاته واحتياجات عائلته إن وجدت، إلى جانب عدم مقدرته على سداد هذه الديون كالقروض وغيرها بسبب تعرضه للإفلاس وانتهاء كلّ أمواله بسبب الإسراف في إنفاقها، كما تتراكم الفواتير غير المدفوعة أيضًا.
الضفط النفسي والجسدي: بعد الإفلاس وتراكم الديون يتعرض الشخص إلى الكثير من الضغوطات بسبب كثرة التفكير وعدم القدرة على التركيز في العمل أو البيت، فتسوء الحالة النفسية والصحية أيضًا ويصبح من الصعب العودة للحالة الطبيعية كما يصبح من الصعب عليه الاعتياد على أسلوب الحياة الجديد الغير باهظ.
إفلاس صندوق الطوارئ: لا بدّ من لكلّ إنسانٍ من ادّخار الأموال من أجل الحالات الطارئة والعاجلة، فإذا ما أسرف الإنسان واعتمد أسلوب الحياة الباهظ، فإنّه سيتخلى عن الادّخار والتوفير، وبالتالي لن يكون لديه المال للحالات الطارئة والمستعجلة على الإطلاق.
الشيخوخة المهددة: قد يقوم الإنسان بالإسراف والتبذير على ملذاته الشخصية طوال حياته، ويأتي في النهاية ليعيش شيخوته في الفقر والحاجة، فيضطر للعمل رغم كبر سنه من أجل توفير احتياجاته وعائلته، وإن لم يعمل سيعيش كالمتشردين والمتسولين.
الإجهاد: يؤدي الإسراف في المعيشة إلى تراكم الديون والفواتير على المدى الطويل، والذي بدوره يؤدي إلى الشعور بالتوتر والتفكير بكثرة، كذلك يتعرض الإنسان للإجهاد في العمل من أجل توفير المال الكافي لتلبية الاحتياجات وسداد الديون، يكون الإجهاد نفسيًا وجسديًا.
الشعور بالنقص: يأتي الشعور بالنقص في هذه الحالة من قلة الأموال والحاجة إليها ورؤية الأشخاص الذين يمتلكون الأموال الوفيرة، لذا إذا أراد الإنسان تجنب هذا الشعور لا بد له من إدارة أمواله بحكمة ليكون لتتوفر لديه جميع الإمكانيات بأقل التكاليف ويتجنب الإسراف وآثاره السلبية والخطيرة.[3]
أمثلة عن الإسراف في المعيشة
هنالك العديد من الأمثلة التي نراها كلّ يومٍ في حياتنا تمثل الإسراف المعيشي السلبي، حيث يقوم الكثير من الناس بإنفاق الكثير من الأموال من أجل ما يأتي:
- السفر في كلّ عام لقضاء أيام في منطقة سياحية أو في منتجعٍ سياحي لأيام قليلة.
- إنفاق الآلاف من أجل تناول وجبة طعامٍ أو قطعة لحمٍ في مطعمٍ فخم.
- من أمثلة الإسراف والتبذير في المعيشة بعض مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي الذين يصنعون كمياتٍ كبيرة من الطعام ومن ثمّ يرمونها في النفايات فقط من أجل الحصول على المشاهدات، أو نراهم يشترون الأحذية والحقائب والملابس الفاخرة أو ذات القطعة الواحدة من أجل أن تكون زينةً للغرفة.
وهذا من أكبر الأساليب الخاطئة في الحياة، لذا لا بدّ من اجتناب اتباع مثل هذا الأسلوب ليكون أسلوب حياة فالمال لا يدوم أبدًا ولا بدّ من الاعتدال والتوسط.[1]
علاج الإسراف في المعيشة
يكون بوضع خطة مالية والاعتياد على التوسط في كل شيء.
إنّ العلاج من الإسراف في المعيشة ليس من الأمور البسيطة التي يمكن للإنسان القيام بها، بل هو يحتاج إلى الإصرار والعزيمة والإرادة القوية، لأنّ الاعتياد على أسلوب الحياة الباهظ يؤدي إلى صعوبة الاعتياد على الأوضاع المعيشية البسيطة والخالية من معظم وسائل الترفيه، لذا أولًا لا بدّ من الاعتياد على أسلوب الحياة متوسط التكلفة، والذي لا بدّ فيه من التوفير والاقتصاد.
أما عن ثانيًا فهو الاعتياد على الادخار وتوفير الأموال من أجل تعويض الحاجيات الأساسية الناقصة، كذلك توفير الأموال للحالات العاجلة والطارئة، وثالثًا يجب التوفير والاقتصاد في وقت التسوق، فيشتري الشخص الحاجيات الأساسية فقط، ويبتعد عن كلّ ما هو ليس بضروري، وذلك لتوفير المزيد من المال لأوقات التسوق القادمة.
رابعًا لا بدّ من تقليل مرات التسوق والخروج إلى المطاعم والمنتزهات والحفلات وغيرها، فيمكن الخروج مرةً خلال الشهر أو مرتين فقط لا أكثر، كما يجب الاعتياد على صنع الطعام المنزلي وتتبع التخفيضات والحسومات على طعام المطاعم إذا أراد الإنسان طلب الطعام الخارجي، وأخيرًا لا بدّ من توفير الأموال من أجل الاستثمار وتحقيق الأرباح التي يمكن من خلالها قضاء حياةٍ كريمة وسعيدة وتحقيق الاستقرار المادي والاجتماعي.[3]