أشهر شعراء النقائض في العصر الأموي


من أشهر شعراء النقائض في العصر الأموي



جرير والفرزدق والأخطل .


إن من أِشهر شعراء النقائض في العصر الأموي وهم جرير والفرزدق والأخطل، وشعر النقائض هو عبارة عن قصائد هجاء تدور بين شاعران يقوم فيها كل واحد بذم الآخر ومدح نفسه على حساب ذمه من الآخر، وعادةً تحدث هذه النوعية من الشعر بين القبائل المتنازعة والتي بينهم عداوة لكن كان الأمر مختلف بين جرير والفرزدق فنجد أن كلاهما من قبيلة تميم، ولقد كان يعمد جرير إلى القضاء على جميع شعراء عصره من خلاله ذمه في أشعاره، لكن لم يستطع أحد أن يستمر في ذمه ومعاداته من شعراء عصره غير اثنين فقط وهما الفرزدق والأخطل وذلك كما حدث في العصر الأموي، وهو أحد أهم العصور التي برز فيها الشعر وكانت له مكانة عظيمة بين النبلاء والقبائل الكبيرة وحتى الخلفاء، وكان كل خليفة يمتلك شاعرًا يقوم بمدحه بين الحين والآخر، حتى أن حب عامة الناس كان يتوقف على شعر مدح هذا الخليفة ومدى قوة تأثيره عليهم. [1]


شعر النقائض هو




نوع من الشعر العربي والمقصود به المخالفة .



فكلمة نقيض تعني هدم، والمناقضة في القول المقصود به التحدث بكلام يناقض معناه، أما النقائض في الشعر فتعني نقض الشاعر لما قاله الشاعر الآخر في شعره، وقد يحتمل شعر النقائض على أكثر من غرض، لكن أشهر شعر النقائض كان بين الذم والمدح، ولا يجب أن تقتصر النقائض على شاعرين فقط كما حدث بين جرير والفرزدق بل يمكن أن تضم ثلاث شعراء، ويأتي معنى فن المناقضة بين الشعراء في معناه الاصطلاحي بأنه:


ما جاء به الشُعراء منذ الجاهلية حين يقوم شاعر بتوجيه قصيدة إلى شاعر آخَر هاجِيًا أو مُفتخِرًا، فيردّ عليه الآخَر هاجيًا أو مفتخرًا، مع الالتزام بذات البحر، والقافية، والروي الذي تبعها الشاعر الأوّل، فيكون هناك وِحدة بين هذه العناصر الثلاثة. [2]


نقائض جرير والفرزدق


كان من المعروف عن

جرير والفرزدق

أنهما يقومان بمدح نفسهما في أشعارهم على حساب الشعراء الآخرين، ولقد كان جرير يحب فعل هذا مع جميع الشعراء في عصره، وبسببه أعتزل الكثير من الشعراء، لكن الفرزدق وقف أمامه وظلت معاركهم الشعرية لسنوات، والتي كان يقوم فيها الشخص بمدح نفسه والذم من الآخر والسخرية منه، ولقد وردت عنهم أشعار كثيرة في هذا الأمر، والفرزدق هو همام بن غالب


بن صعصعة الدارمي التميمي، يكنى بأبي فراس، وهو من نبلاء قومه ولقد اشتهر باسم الفرزدق بسبب ضخامة وجهه، حيث أن كلمة الفرزدق تعني رغيف الخبز المنتفخ، وكان الفرزدق معروف بكتابته لأشعار الفخر والمديح والهجاء، ولقد كان محببًا بين الأمراء والنبلاء حيث كان يقوم بالتنقل بينهم لمدحهم، وجرير هو واحد من أشهر شعراء عصره في الدولة الأموية وما بعدها، وهو أبو حرزة جرير بن عطية بن حذيفة التميمي، وكان من بني تميم وولد في اليمامة، وكان يشتهر بشعر الغزل أيضًا وبرع فيه، وكان عفيفًا في غزله، وأشهر شعر غزل قوله الشهير: (إن العيون التي في طرفها حور، قتلننا ثم لم يحيين قتلانا، يصرعن ذا اللب حتى لا حراك له، وهنّ أضعف خلق الله أركانا) ونذكر من نقائض الشاعرين

قول جرير

:


زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا


فابشر بطول سلامةٍ يا مربعُ


إنَّ الفرزدقَ قدْ تبينَ لؤمهُ


حيثُ التقتْ حششاؤهُ والأخدعُ



قال الفرزدق مناقضاً جريراً ومفاخراً:


إنّ الــذي سَـمَـكَ السّـمـاءَ بَـنـى لَـنَـا


بَـيْـتــاً، دَعَـائِـمُــهُ أعَــــزُّ وَأطْـــــوَلُ


بَيْـتـاً بَـنَـاهُ لَـنَـا المَلِـيـكُ، ومَــا بَـنـى


حَــكَــمُ الـسّـمَــاءِ، فــإنّــهُ لا يُـنْـقَــلُ [3]


ي

قول الفرزدق متفاخرًا بقبيلته:


إِنَّ الَّذي سَمَكَ السَماءَ بَنى لَنا بَيتاً دَعائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطوَلُ


بَيتاً بَناهُ لَنا المَليكُ وَما بَنى حَكَمُ السَماءُ فَإِنَّهُ لا يُنقَلُ


بَيتاً زُرارَةُ مُحتَبٍ بِفِنائِهِ وَمُجاشِعٌ وَأَبو الفَوارِسِ نَهشَلُ


يَلِجونَ بَيتَ مُجاشِعٍ وَإِذا اِحتَبوا بَرَزوا كَأَنَّهُمُ الجِبالُ المُثَّلُ


لا يَحتَبي بِفِناءِ بَيتِكَ مِثلُهُم أَبَداً إِذا عُدَّ الفَعالُ الأَفضَلُ


مِن عِزِّهِم جَحَرَت كُلَيبٌ بَيتَها زَرباً كَأَنَّهُمُ لَدَيهِ القُمَّلُ


ضَرَبَت عَلَيكَ العَنكَبوتَ بِنَسجِها وَقَضى عَلَيكَ بِهِ الكِتابُ المُنزَلُ


فيردّ عليه جرير قائلًا:


أخزى الذي سمك السماء مجاشعاً وبنى بناءك في الحضيض الأسفَل


بيتـــــاً يحمحم قينكـــــم بفنائـــــهِ دنســاً مقاعــده خبيــــث المدخَـــل


قُتل الزبير وأنت عاقـدُ حبوةٍ تبـاً لحـبـوتـك التـي لـم تحــلـلِ


وافاكَ غدرُكَ بالزبير على منى ومجر جعثـنـكم بذات الحرملِ


بات الفرزدق يستجيـر لنـفـسه وعجان جعثن كالطريقِ ِالمُعمِلِ [2]


نقائض جرير والأخطل


كان جرير والأخطل من أشهر شعراء النقائض حتى أنه أطلق عليهم أعلام النقائض وذلك بسبب براعتهم في الوصف، ولقب الأخطل بذلك بسبب أنه كان مضطربًا في كلامه، وقيل بسبب طول لسانه وسوء ألفاظه، واسمه


غياث بن غوث بن طارقة بن عمرو بن تغلب بن وائل بن قاسط، لقبه الأساسيّ الأخطل، ولم يكن مسلمًا بل كان على الديانة المسيحية، ومن ألقابه أيضًا  دوبل، وذو الصليبظ، وذو العباية، وعلى الرغم من أنه لم يكن من أسرة نبيلة يستطيع المفاخرة بها ومدح نفسه، إلا أنه كان بارعًا في مدح نفسه وهجاء جرير، وكان أحد أبرز منافسيه


، ومن هجاء الأخطل لجرير ما يأتي:


يقول الأخطل في هجاء جرير وقومه، وفي مدح عبد الملك بن مروان وبني أميّة:


خَفَّ القَطينُ فَراحوا مِنكَ أَو بَكَروا وَأَزعَجَتهُم نَوىً في صَرفِها غِيَرُ


كَأَنَّني شارِبٌ يَومَ اِستُبِدَّ بِهِم مِن قَرقَفٍ ضُمِّنَتها حِمصُ أَو جَدَرُ


جادَت بِها مِن ذَواتِ القارِ مُترَعَةٌ كَلفاءُ يَنحَتُّ عَن خُرطومِها المَدَرُ


لَذٌّ أَصابَت حُمَيّاها مُقاتِلَهُ فَلَم تَكَد تَنجَلي عَن قَلبِهِ الخُمَرُ


كَأَنَّني ذاكَ أَو ذو لَوعَةٍ خَبَلَت أَوصالَهُ أَو أَصابَت قَلبَهُ النُشَرُ


شَوقاً إِلَيهِم وَوَجداً يَومَ أُتبِعُهُم طَرفي وَمِنهُم بِجَنبَي كَوكَبٍ زُمَرُ


حَثّوا المَطِيَّ فَوَلَّتنا مَناكِبُها وَفي الخُدورِ إِذا باغَمتَها الصُوَرُ


يُبرِقنَ لِلقَومِ حَتّى يَختَبِلنَهُمُ وَرَأيُهُنَّ ضَعيفٌ حينَ يُختَبَرُ. [2]


وله قصيدة أخرى يهجو فيها جرير قائلًا:


أَجَريرُ إِنَّكَ وَالَّذي تَسمو لَهُ


كَأَسيفَةٍ فَخَرَت بِحِدجِ حَصانِ


حَمَلَت لِرَبَّتِها فَلَمّا عولِيَت


نَسَلَت تُعارِضُها مَعَ الأَظعانِ


أَتَعُدُّ مَأثُرَةً لِغَيرِكَ ذِكرُها


وَسَناؤُها في سالِفِ الأَزمانِ


تاجُ المُلوكِ وَصِهرُها في دارِمٍ


أَيّامَ يَربوعٌ مَعَ الرُعيانِ


مُتَلَفَّفٌ في بُردَةٍ حَبَقِيَّةٍ


بِفَناءِ بَيتِ مَذَلَّةٍ وَهَوانِ


يَغذو بَنيهِ بِثَلَّةٍ مَذمومَةٍ


وَيَكونُ أَكبَرَ هَمِّهِ رِبقانِ


سَبَقوا أَباكَ بِكُلِّ مَدفَعِ تَلعَةٍ


بِالمَجدِ عِندَ مَواقِفِ الرُكبانِ


فَإِذا رَأَيتَ مُجاشِعاً قَد أَقبَلَت


فَاِهرُب إِلَيكَ مَخافَةَ الظِرّانِ


وَإِذا وَرَدتَ الماءَ كانَ لِدارِمٍ


عَفَواتُهُ وَسُهولَةُ الأَعطانِ


فَاِخسَأ كُلَيبُ إِلَيكَ إِنَّ مُجاشِعاً


وَأَبا الفَوارِسِ نَهشَلاً أَخَوانِ


قَومٌ إِذا خَطَرَت عَلَيكَ فُحولُهُم


جَعَلَتكَ بَينَ كَلاكِلٍ وَجِرانِ


وَإِذا وَضَعتَ أَباكَ في ميزانِهِم


رَجَحوا وَشالَ أَبوكَ في الميزانِ


فَلَقَد تَجارَيتُم إِلى أَحسابِكُم


وَبَعَثتُمُ حَكَماً مِنَ السُلطانِ


وَقَضَيتُ بَينَكُما قَضاءً فَيصَلاً


في الناسِ مِثلَ تَبَيُّنِ الفُرقانِ


فَإِذا كُلَيبٌ لا تُوازِنُ دارِماً


حَتّى يُوازَنَ حَرزَمٌ بِأَبانِ [4]