السمات القيادية للخليفة معاوية رضي الله عنه
من السمات القيادية للخليفة معاوية رضي الله عنه
الدهاء والحيلة .
كان معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه داهية صاحب حيلة، يروي المؤرخ الليبي علي الصلابي عن دهاء الخليفة معاوية بن أبي سفيان فيقول : (
أن المسلمين غُزوا في أيامه فأُسر جماعة منهم، فوقفوا بين يدي ملك
الروم
بقسطنطينية فتكلم بعض أسارى المسلمين، فدنا منه بعض البطارقة ممن كان واقفاً بين يدي الملك فلطم حرّ وجهه وكان رجلاً من قريش فصاحلا: وا إسلاماه! أين أنت عنا يا معاوية إذ أهملتنا وأضعت ثغورنا وحكَّمت العدو في دمائنا وأعراضنا؟! فنمى ذلك الخبر إلى معاوية، فآلمه وامتنع من لذيذ الطعام والشراب ، فخلا بنفسه ، وامتنع عن الناس ولم يظهر ذلك لأحد من المخلوقين ، ثم أعمل الحيلة في إقامة الفداء بين المسلمين والروم إلى أن فدى ذلك الرجل ومن أسر معه من المسلمين، فلما صار الرجل إلى دار الإسلام دعاه معاوية فبره وأحسن إليه، ثم قال له : لم نهملك، ولم نضيعك، ولا أبحنا دمك وعرضك).
فقد كان شهمًا لا يقبل الظلم، ولا يتخلى عمن استجار به واستخدم الحيلة والدهاء لإخراج المسلمين من كربهم وأسرهم، ولم يُظلم أسيرًا في عهده، وقد قال عنه ملك الروم بعدما حرر الأسرى : (هذا أدهى العرب وأمكر الملوك، ولهذا قدمته العرب عليها، فأساس أمورها، ولو هَمَّ بأخذي لتمت له الحيلة عليَّ)، وقد
قال عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “يذكرون كِسرى وقيصر ودَهاءَهما، وعندكم معاوية!).
معاوية بن أبي سفيان فقيهًا
كان معاوية عالمًا فقيهًا .
اشتهر معاوية بن أبي سفيان بعلمه وفقهه، فقد لازم رسول الله صلَّ الله عليه وسلم وروى عنه الكثير من الأحاديث وقد روى عنه البخاري ومسلم ولا يرويان إلا عن ثقة ضابط صدوق،
وقد شهد له ابن عباس بالفقه، فعن ابن أبي مليكة قال : (قيل لابن عباس رضي الله عنهما : هل لك في أمير المؤمنين معاوية؛ فإنّه ما أوتر إلا بواحدة؟ قال : أصاب، إنه فقيه)، وقد ذكر مفتي الحرمين الشريفين (أحمد بن عبد الله بن محمد الطبري) في خلاصة السير : (أن كتَّابه صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر: الخلفاء الأربعة، وعامر بن فهيرة، وعبد الله بن أرقم، وأبي بن كعب، وثابت بن قيس بن شماس، وخالد بن سعيد بن العاص، وحنظلة بن الربيع الأسلمي، وزيد بن ثابت، ومعاوية بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة ، وكان معاوية وزيد ألزمهم لذلك وأخصهم به)، فقد كان كاتبًا لرسول الله صلَّ الله عليه وسلم.
اعتمد الفقهاء على اجتهاداته في الفقه، كان يعلم أهميتة الفقه ويسعى لنشره، فعن الزهري قال : أخبرني حميد قال : سمعت معاوية بن أبي سفيان يخطب، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم، ويعطي الله، ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيماً حتى تقوم الساعة أو حتى يأتي أمر الله)، وإليك بعض ما أُثر عن عن معاوية رضي الله عنه من مسائل فقهية :
-
أوتر رضي الله عنه وأرضاه بركعة واحدة.
-
أثر عنه أنه يجزئ إخراج نصف صاع من البر في زكاة الفطر.
-
كان يقول باستحباب تطييب البدن لمن أراد الإحرام.
-
جوَّز بيع وشراء دور مكة.
-
أجاز التفريق بين الزوجين بسبب العُنَّة.
-
قال بوقوع طلاق السكران.
-
رفض قتل المسلم بالكافر.
-
أُثر عنه حبس القاتل حتى يبلغ ابن القتيل.
من صفات معاوية بن أبي سفيان
كان كريمًا قويًا شديدً حليمًا عالمًا فقيهًا .
كان شديدًا إذا استدعاه الأمر لذلك فقد كان ملكًا وخليفةً، ورغم ذلك فقد كان يغلب عليه الحلم، قال قبيصةُ بن جابر : (صحبتُ معاويةَ، فما رأيتُ رجلاً أثقل حِلمًا، ولا أبطأ جهلاً، ولا أبعد أناةً منه، شهد له الصحابة بالصُّحبة والفِقه)، و سُئل عنه عبدالله بن المبارك : (أيهما أفضل معاويةُ بن أبي سفيان، أم عمرُ بن عبدالعزيز؟ فقال : والله إنَّ الغُبار الذي دَخَل في أنف معاويةَ مع رسول الله صلَّ الله عليه وسلَّم أفضل مِن عُمرَ بألف مرَّة، صلَّى معاوية رضي الله عنه خَلفَ رسول الله صلَّ الله عليه وسلَّم فقال : سمع الله لمن حمده، فقال معاوية : ربَّنا ولك الحمد، فما بعد هذا؟!).
يظهر لنا فضله حيث أن النبي صلَّ الله عليه وسلم قد دعا له أكثر من مرة، فقد أخرج أحمد في مسنده عن العرباض ابن سارية أن الرسول صلَّ الله عليه وسلم دعا لابن أبي سفيان قائلًا :
(اللهم عَلِّم معاويةَ الكتاب والحساب، وقِهِ العَذاب)، وروى الترمذي دعاء آخر قد دعاه النبي صلَّ الله عليه وسلم له رضي الله عنه قال : (اللهمَّ اجعلْه هاديًا مهديًّا)، ومما أُثر عن حلمه وأناته أنه كتب إلى نائب زياد يقول : (إنه لا ينبغي أن يُساسَ الناس سياسة واحدة باللين فيمرحوا، ولا بالشدة فيُحْمَلَ الناس على المهالك، ولكن كن أنت للشدة والفظاظة والغلظة، وأنا للين والألفة والرحمة، حتى إذا خاف خائف وجد باباً يدخل منه)، فقد كان حكيمًا حليمًا ناجحًا في حكمه.
وفاة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه
مات رضي الله عنه
في دمشق سنة 60 هـ .
قرب أجله رضي الله عنه وشعر بذلك فقال آخر خطبة له قبل وفاته، إليك ما قاله معاوية : (
أيها الناس، إنَّ مَن زَرَعَ استحصد، وإني قد وليتكم ولن يليكم أحد بعدي خير مني، وإنما يليكم من هو شر مني، كما كان من وليكم قبلي خيرًا مني، ويا يزيد إذا دنا أجلي فَوَلِّ غسلي رجلاً لبيبًا، فإن اللبيب من الله بمكان فلينعم الغسل، وليجهر بالتكبير ثم اعمد إلى منديل في الخزانة فيه ثوب من ثياب رسول الله صلَّ الله عليه وسلم وقراضة من شعره وأظفاره، فاستودع القارضة أنفي وفمي وأذني وعيني، واجعل هذا الثوب مما يلي جلدي دون أكفاني، ويا يزيد احفظ وصية الله في الوالدين، فإذا أدرجتموني في جريدتي ووضعتموني في حفرتي، فَخَلُّوا معاوية وأرحمَ الراحمين).
أوصى قبل وفاته رضي الله عنه أن يُرد نصف ماله إلى بيت مال المسلمين، ويقول ابن سيرين أنه لما حضره الموت وفي لحظاته الأخيرة أصبح يقلب وجهه ويلامس خده الأرض ويقول : (اللهم إنك قلت في كتابك (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)، اللهم فاجعلني فيمن تشاء أن تغفر له، ثم تمثَّل بهذا البيت من الشعر: هو الموت لا منجى من الموت، والذي نحاذر بعد الموت أدهى وأقطع، ثم قال : (اللهم أَقِلِ العثرة، واعفُ عن الزَّلَّة، وتجاوز بحلمك عن جهل من لم يرجُ غيرك، فإنك واسع المغفرة، ليس لذي خطيئة مهرب إلا إليك)، ثم فقد وعيه وأفاق فقال لأهله : (اتقوا الله، فإن الله تعالى يقي من اتقاه، ولا يقي من لا يتقي)، ثم توفاه الله، رحم الله صاحب رسول الله وخليفة المسلمين، الحاكم العادل الزاهد الكريم القوي والذكي الحليم، الذي لم يُظلم في عهده أسير، وهو مما نُسب إليه من خيانة لدين الله براء.[1][2][3]