لماذا نقول في التشهد كما صليت على إبراهيم

لماذا نقول في التشهد كما صليت على إبراهيم




نقول في التشهد كما صليت على إبراهيم،

لأن خليل الله عليه السلام عندما انتهى من بناء الكعبة دعا، وأهله لأمة محمد جميعًا، فأُمرنا بالدعاء له ولآله في الصلاة لحسن صنيعهم .

أمر إبراهيم نبينا محمدًا صلَّ الله عليه وسلم باتباع ملته قال تعالى : (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا)، وإبراهيم عليه السلام هو خليل الله، وأبو الأنبياء، وأبو العرب جميعًا، فنحن أولى الناس بتباعيته قال تعالى : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا)، وكما كان إبراهيم عليه السلام مسلمًا حنيفًا فإن جميع الأنبياء والرسل أُرسلوا على ملة الإسلام، ولكن لماذا اختص الله تعالى إبراهيم بذكره في التشهد في كل صلاة؟ إليك الآراء في ذلك :


يقول العلامة بدرالدين العيني الحنفي رحمه الله

: ( لأن النبي عليه السلام رأى ليلة المعراج جميع الأنبياء والمرسلين وسلم على كل نبي ولم يسلم أحد منهم على أمته غير

إبراهيم عليه السلام

، فأمرنا النبي عليه السلام أن نصلي عليه في آخر كل صلاة إلى يوم القيامة، مجازاة على إحسانه)، ويقال : (إن إبراهيم عليه السلام لما فرغ من بناء الكعبة دعا لأمة محمد عليه السلام وقال : اللهم من حج هذا البيت من أمة محمد فهَبْه مني السلام وكذلك دعا أهله وأولاده بهذه الدعوة، فأُمرنا بذكرهم في الصلاة مُجازاة على حُسْن صنيعهم).[1]

ماذا طلب سيدنا إبراهيم من الله




طلب سيدنا إبراهيم من الله تعالى

أن يريه كيف يحيي الموتى ليطمئن قلبه ويزداد يقينًا على يقينه.

طلب سيدنا إبراهيم من الله أن يريه كيف يحيي الموتى قال تعالى : (رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي)، وقد يدعي البعض أنه عليه السلام قد شك في قدرة الله تعالى ولكنه لم ينظر لما قد قاله قبل طلبه حينما رد على النمرود قائلًا : (ربي الذي يحيي ويميت)، وقد دخل إبراهيم النار راضيًا مطمئنًا فكيف يظن البعض ارتيابه من قدرته تعالى، وبالنظر لطلبه تجده قد سأل عن كيفية الإحياء ولم يسأل عن الإحياء ذاته، فهو يملك ما يكفي من اليقين في قدرة الله تعالى على الإحياء، وطلب أن يرى هيئة الإحياء ليقع بقلبه المزيد من اليقين وهذا ليس محرمًا في حق الأنبياء الذين يحملون الرسالة ويبلغونها، فقد أجاز لهم الله أن يتثبتوا للدعوة.

حدث مع الطفيل بن عمرو مثال على ذلك الأمر حيث أنه عندما أسلم قال للنبي صلَّ الله عليه وسلم : (إني امرؤ مطاع في قومي وأنا راجع إليهم وداعيهم إلى الإسلام، فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عوناً فيما أدعوهم إليه، فقال : اللهم اجعل له آية، قال:  فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت بثنية تطلعني على الحاضر وقع نور بين عيني مثل المصباح، قال : فقلت اللهم في غير وجهي فإني أخشى أن يظنوا أنها مثلة لفراقي دينهم، فتحولت في رأس سوطي)، وقد حدث الأمر ذاته في قصة غلام الأخدود الواردة في صحيح مسلم : (فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس، فقال:  اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل؟ فأخذ حجراً فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس، فرماها فقتلها فمضى الناس).[2]

الصلاة على إبراهيم في القرآن



لم يرد أمر الصلاة على إبراهيم في القرآن الكريم، بل ورد الأمر بالصلاة على النبي صلَّ الله عليه وسلم فقط.

جاء الأمر في القرآن الكريم بالصلاة على النبي صلَّ الله عليه وسلم دون ذكر سيدنا إبراهيم عليه السلام حيث قال تعالى في كتابه العزيز : (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلموا تسليماً)، فقد يتسائل البعض لماذا إذًا نضيف الصلاة على إبراهيم وآله في كل تشهد رغم أنه لم يرد أمرًا بذلك في القرآن الكريم الذي هو الدستور والفرقان المبين؟ ولكن على كل مسلم أن يعلم أن السنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع، وهي تشرح وتوضح كيفية الصلاة وغيرها، قال تعالى : (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، وقال رسول الله صلَّ الله عليه وسلم : (أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السَّبُعِ، وَلَا لُقَطَةُ مُعَاهِدٍ إِلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا صَاحِبُهَا، وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُ فَإِنْ لَمْ يَقْرُوهُ فَلَهُ أَنْ يُعْقِبَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُ).

أمرنا رسول الله صلَّ الله عليه وسلم بصيغة التشهد التي نحن نصلي بها اليوم في كل صلاة من الصلوات الخمسة من اليوم، وما علينا إلا أن نطيعه فيما أمر، فقد ورد عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ : (أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ : فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّ اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّ اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَالسَّلامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ).

هل إبراهيم أفضل من محمد



إبراهيم عليه السلام ليس أفضل من محمد صلَّ الله عليم وسلم،

حيث أن ليس بشرط أن يفيد التشبيه قوة المشبه به وتفوقه على المشبه.


يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله في كتابه فتح الباري : (أن الكاف في قوله (كما صليتَ) للتشبيه لكن ليس من شرط التشبيه أن يكون المشبَّه به أقوى حيث قال قوله : ( كما صليت على آل إبراهيم ) أي : تقدمت منك الصلاة على إبراهيم وعلى آل إبراهيم فنسأل منك الصلاة على محمد وعلى آل محمد بطريق الأولى لأن الذي يثبت للفاضل يثبت للأفضل بطريق الأولى وبهذا يحصل الانفصال عن الإيراد المشهور من أن شرط التشبيه أن يكون المشبه به أقوى، ومحصل الجواب : أن التشبيه ليس من باب إلحاق الكامل بالأكمل، بل من باب التهييج ونحوه أو من بيان حال ما لا يعرف بما يعرف لأنه فيما يستقبل والذي يحصل لمحمد صلَّ الله عليه و سلم من ذلك أقوى وأكمل).

يقول بعض العلماء أن الكاف في قوله : (كما صليت على آل إبراهيم) قد وردت من باب التعليل وليس التشبيه كما وردت في بعض آيات القرآن الكريم في قوله تعالى : (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ)، و قوله تعالى : (وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ)، والمحصلة أن النبي صلَّ الله عليه وسلم ليس بالأدنى منزلة من إبراهيم عليه السلام، وإنما هو من باب إثبات الصلاة للأولى.[3]