هل جاء الاسلام بحفظ عرض المسلم وماله ودمه
جاء الاسلام بحفظ عرض المسلم وماله ودمه
نعم
جاء الاسلام بحفظ عرض المسلم وماله ودمه فلم يخلق الله تعالى هذا الكون عبثا ولم يتركه عبثا، بل خلق الإنسان ليعبده وحده بلا شريك.
كما أخضع هذا الكون لأداء هذه المهمة فقط وتسهيلها، فقال تعالى: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ”، وقال: “وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”، وهذا من مظاهر كرم الله تعالى للإنسان، كما قال تعالى: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا”.
وضع الله قوانين تستهدف مصالحة الإنسان الدنيوية وفي الآخرة، ويسهل عليه أداء المهمة التي خُلق من أجلها وهي العبادة، فشرع الله الشريعة الإسلامية التي تحافظ على عرض المسلم وماله ودمه؛ فيقول الإمام الشاطبي في شرح الموافقات: “إن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معًا، والمحافظة على الضروريات والحاجيات والتحسينيات”.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: “إن الشريعة الإسلامية جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، وترجيح خير الخيرين إذا لم يمكن أن يجتمعا، ودفع شر الشرين إذا لم يمكن أن يندفعا، ومن مقاصد الشريعة الإسلامية المحافظة على الكليات الخمس التي تواترت رسل الله تعالى على وجوب المحافظة عليها، وهي الدين، والنفس، والعقل، والنسب، والمال، والعرض، ومنها اليسر ورفع الحرج والمشقة”.[1]
فاتفق أهل الديانات السماوية وحكماء بني آدم على أن أهم ما يصحح به الإنسان هو الحفاظ على الأمور الكونية الخمس التي تسمى “الكليات الخمس”؛ وهم (الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال)، وجاءت شريعة الإسلام بأحكام كافية للحفاظ على هذه الضروريات الخمس، أو شرعت لهم بما يحقق وجودهم في المجتمع، أو من حيث بقائهم واستمرار نموهم وحمايتهم من أسباب الفساد.[2]
حرمة دم المسلم
أكد الإسلام على الحفاظ على النفس البشرية وحرمة سفك الدماء في الإسلام، والتشريع في هذا الصدد بشكل عام جاء ليشمل كل إنسان، لمجرد أن الله كرم الإنسان، وفضله على سائر المخلوقات، وعند التأمل في نصوص الكتاب والسنة تجد أن إراقة الدماء محرمة، ونتائج ذلك في الدنيا والآخرة، ولهذا إتجاهات عديدة؛ وهي كالآتي:
- حرمة دم الإنسان بشكل عام.
- حرمة دم أهل الذمة.
- حرمة دم المسلم.
- يحرم القتل على يد صاحبه.[3]
وتم تسليط الضوء على هذه العناصر كما يدعمها القرآن والسنة في الآيات والأحاديث التالية:
قال الله تعالى: “وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا”؛ وفي تفسير الإمام ابن كثير -رحمه الله- قال: “هذا تهديدٌ شديدٌ، ووعيدٌ أكيدٌ لمن تعاطى هذا الذنب العظيم، الذي هو مقرونٌ بالشرك بالله في غير ما آية في كتاب الله”.
وقال سبحانه: “مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا”؛ وفسره عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما-: “من قتل نبيًّا، أو إمام عدل؛ فكأنما قتل الناس جميعًا، ومن شد عضد أحد فكأنما أحيا الناس جميعًا” (تفسير الطبري جـ10صـ233)، وقال مجاهدٌ -رحمه الله-: “من قتل نفسًا محرَّمةً يَصلَى النَّار بقتلها، كما يصلاها لو قتل الناسَ جميعًا، ومن أحياها؛ أي: من سلم مِن قتلِها، فكأنما سلم من قتل الناس جميعًا”.
قال الإمام ابن كثير -رحمه الله-: “قوله تعالى: ﴿ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾؛ أي: هذا ما وصاكم به لعلكم تعقلون عنه أمره ونهيه”.
وقال سبحانه: “وَإِذَا الْمَوْؤودَةُ سُئِلَتْ *بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ”؛ وقال الإمام ابن كثير -رحمه الله-: “الموؤودة: هي التي كان أهل الجاهلية يدسونها في التراب كراهية البنات، فيوم القيامة تسأل الموؤودة على أي ذنب قتلت؟ ليكون ذلك تهديدًا لقاتلها، فإذا سئل المظلوم، فما ظن الظالم إذًا؟!”.[4]
حفظ المال في الإسلام
- الحث على السعي لكسب الرزق والعيش به.
- إتاحة المعاملات المادية السليمة.
- الحث على كسب المال الحلال واجتناب الحرام.
- تحريم تبذير المال.
- تحريم السرقة.
- تحريم أكل مال الناس بالباطل.
بجانب وضع الإسلام المال من ضمن المقاصد الهامة للشريعة الإسلامية التي لا تؤسس للحياة ولا تستقيم بدونها، بل وضع الإسلام تشريعات تضبط وسائل إيجاد الأموال وتحصيلها، وما يحفظ بقاءه والحفاظ عليه من التعدي والضياع، ووضع الإسلام التشريعات للحفاظ على مال المسلم وتتمثل في ما يلي:
الحث على السعي لكسب الرزق والعيش به:
فقال تعالى: “هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ”، قال ابن كثير في تفسيره: “أي: فسافروا حيث شئتم من أقطارها، وترددوا في أقاليمها وأرجائها في أنواع المكاسب والتجارات، واعلموا أن سعيكم لا يجدي عليكم شيئاً إلا أن ييسره الله لكم “.
كما رفع الإسلام مكانة العمل ومجده، وجعله المصدر الرئيسي لكسب المال وتحصيله في الإسلام؛ ففي الحديث عن المقدام -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ”.
إتاحة المعاملات المادية السليمة:
حيث أجاز الإسلام المعاملات التي يحتاجها الناس في معيشتهم دون أن يكون هناك ظلم أو اعتداء على حقوق الآخرين، فشرع الإسلام وأباح عدة أنواع من المعاملات؛ مثل البيع، والتأجير، والرهن، والشركات، والزراعة، وغيرها.
والدليل على مرونة الإسلام في مجال المعاملات أنه فتح الباب أمام ما تكشفه التجارب الاجتماعية من عقود، بشرط ألا تنطوي على ظلم لأحد الأطراف، ومن هنا يُفهم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: “المسلمون عند شروطهم فيما أحل”
الحث على كسب المال الحلال واجتناب الحرام:
وفي ذلك يقول الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ”.
وفي الحديث عن أَبِى هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- “أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) وَقَالَ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِىَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ”.
تحريم تبذير المال:
فقال تعالى: “وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ”، وقال تعالى: “وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا”، كما قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ وَوَأْدَ الْبَنَاتِ وَمَنَعَ وَهَاتِ وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ”.
تحريم السرقة:
حيث قال تعالى: “وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيم”، وتم تحريم السرقة في الشريعة الإسلامية ووضعها تحت كبائر الذنوب، وحتى وجوب قطع يد السارق.
تحريم أكل مال الناس بالباطل:
قال الله تعالى: “وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ”، كما قال ابن كثير: “قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس -رضي الله-: هذا في الرجل يكون عليه مال، وليس عليه فيه بَيِّنة، فيجحد المال ويخاصم إلى الحكام، وهو يعرف أن الحق عليه، وهو يعلم أنه آثم آكل حرامٍ”.[5]