قصيدة وإذا العُيونُ تَحدّثتْ بلُغاتِـها .. من القائل ؟ .. وشرحها

قصيدة وإذا العيون تحدثت بلغاتها

لقد خلق الله عز وجل البشر، وقام بتعليمهم البيان والكلام والمنطق، هذا كما جاء في قوله تعالى بسورة الرحمن

{الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)}

، وجعلهم الله تعالى يتحدثون بلغات مختلفة ليتواصلوا معًا من خلالها، إذ أن اللغة من أهم وسائل التفاهم والتواصل بين الشعوب، ولكن أحيانًا ما تأتي لحظات تقف معها الكلمات، ويتعذر فيها الحديث، ويصعب على الإنسان أن يفصح عما به أو عما يدور في خاطره لسبب ما، فجاءت العيون وتحدثت بلغة خاصة بها هي فقط وأصبحت قادرة على إيصال كل ما لم يستطع اللسان التحدث به، وكأن هناك حديث وحوار كامل يدور عن طريق لغة العيون، فمنها قد نعرف من يحبنا ومن يكرهنا، ومن خلالها نستطيع معرفة الكثير من المشاعر الدفينة في النفوس، فعندما تتحدث العيون تكون أصدق وأبلغ من أي كلام يُقال، ولذا كتب العديد من الشعراء عن لغة العيون، ومنها قصيدة وإذا العيون تحدثت بلغاتها:

وإذا العُيونُ تَحدّثتْ بلُغاتِـها

قالتْ مَقالًا لم يَقُلْهُ خَطيـبُ

في ساعةِ اللُّقْيا تَذُوبُ هُمُومُنا

ويَضُوعُ مِن زَهْرِ السعادةِ طِيبُ

النّاسُ أحْبابٌ بِفطرةِ ربّهمْ

فَمتَى تَعودُ إلى الوِئامِ قُلوبُ؟!

هيْهاتَ تألفُ مَن قَلاكَ فؤادُهُ

إلاَّ إذا أَلِـفَ الشُويْهةَ ذيبُ

قائل قصيدة وإذا العيون تحدثت بلغاتها

إن قائل قصيدة وإذا العيون تحدثت بلغاتها هو

عبدالله المقحم

، وهو شاعر سعودي، إذ كان للمملكة العربية السعودية الحظ الوافر في شعرائها، ومنها هذا الشاعر البارع، الذي كتب أفضل القصائد المعبرة، كما كتب في الكثير من الاتجاهات، كالرثاء، الوطنية والحماسة، وغيرها.

شرح قصيدة وإذا العيون تحدثت بلغاتها

قد برع الشعراء من العرب في وصفهم لجمال العيون وما لها من قدرات، والبعض منهم تغزل بها، ومنها قصيدة وإذا العيون تحدثت بلغاتها للشاعر عبدالله المقحم، وفي التالي شرح قصيدته:


وإذا العُيونُ تَحدّثتْ بلُغاتِـها


قالتْ مَقالًا لم يَقُلْهُ خَطيـبُ

إن العيون مرآة لما في القلب، فهي تُخبئ كل المشاعر من فرح، حزن، سعادة، أمل، خوف، كره، حب، وغيرها الكثير، كما أن نظرات العيون لها جمال ساحر فريد من نوعه، وهنا يقول الشاعر أنه عندما تتحدث العيون باللغة الخاصة بها تستطيع قول الكلام بأبلغ وأصدق الطرق، فقد يعجز الخطيب عن قول ما تقوله وتتحدث به العيون.


في ساعةِ اللُّقْيا تَذُوبُ هُمُومُنا


ويَضُوعُ مِن زَهْرِ السعادةِ طِيبُ

وبالطبع إن العيون لا تستطيع التحدث إلا وجهًا لوجه، ولذا يقول الشاعر أنه عند أوقات وساعات اللقاء تذهب كل الأحزان والهموم والأوجاع، وكل ما يبقى هو السعادة والفرح.


النّاسُ أحْبابٌ بِفطرةِ ربّهمْ

ثم ذكر الشاعر الفطرة التي خلق الله البشر عليها، وهي الحب، فالناس بفطرة خالقهم أحباب.


فَمتَى تَعودُ إلى الوِئامِ قُلوبُ؟!

ثم يتساءل الشاعر عن الوقت الذي سوف تعود فيه القلوب إلى التوافق فيما بينها، فقد اختلفت قلوب الناس وأصبحت بعيدة عن بعضها البعض.


هيْهاتَ تألفُ مَن قَلاكَ فؤادُهُ


إلاَّ إذا أَلِـفَ الشُويْهةَ ذيبُ

ويقول الشاعر أنه من الصعب والبعيد أن ينسجم الشخص مع الإنسان الذي نساه قلبه وبعد عنه، إلا في حال ألف الذيب الشويهة.

من هو الشاعر عبدالله المقحم

هو الشاعر عبدالله بن محمد بن مقحم المقحم، شاعر سعودي إقليمي، قام بالتعبير عما بداخله من مشاعر من خلال لغته الشعبية، ومن أهم ما تميزت به أشعاره هو تحليقها بالخيال والبساطة المتواجدة فيها، وقد كان له العديد من الجولات والصولات في مجال الأدب والشعر وبحوره، إذ دار بين عبدالله المقحم وبين عدد كبيرة من الشعراء وبالأخص الشعراء من أبناء جيله الكثير من المحاورات الشعرية.

ومن الممكن تلخيص صفاته بأنه شاعر ذو طباع هادئة إلى جانب فحولة الموهبة الشعرية التي يمتلكها، فهو واحدًا ممن حفظوا ذلك الينبوع بأصله وحافظوا على ذاتهم، إذ أن الأمانة الشعرية التاريخية لدى كل شاعر يأخذ بها ويؤخذ عليها، وهو من الشعراء اللبقين المعروفين بحسن التعامل مع المشاعر، ومن أبرز صفاته (الشجاعة، النخوة، الحفاوة، الكرم ومكارم الأخلاق).

وقد قضى الشاعر عبدالله المقحم أغلب سنوات حياته وهو في ريعان شبابه بجانب والده رحمة الله عليه يعمل في حرفة الزراعة في (الحريّق) وهي مسقط رأسه، وواحدة من المراكز التابعة لمحافظة شقراء والتي تقع ما بين جبال طويق، ثم واصل العمل بتلك المهنة في واحدة من المزارع القريبة من محافظة شقراء، ثم عمل بعدها في العمل الحكومي، وهذا الذي دفعه ليترك الزراعة ويستقر في شقراء إلى أن أحيل للتقاعد.

قصائد للشاعر عبدالله المقحم

لقد كتب الشاعر عبدالله المقحم العديد من القصائد، ومنها كانت قصائد حزينة، فمن الجدير بالذكر أن زوجة المقحم كانت نعم الزوجة له، فقد كانت تخدمه وكانت مثالًا للزوجة الصالحة البارة بزوجها، وبعد وفاتها كتب الشاعر عبدالله المقحم قصيدة لرثائها قام فيها بتوضيح ما يشعر به من حزن شديد، كما ارتكز فيها على حبه لزوجته الفقيدة ذاكرًا مدى وفائه لها، وكم أنه وجد نفسه وحيدًا بعد فراقها، فقد كانت قصيدته تقول: [1]

فزيت أنا من مرقدي ما تونيت

يوم ان بقعا بأمر ربي وطتني

شالت عني جادلٍ ريس البيت

خلتني وحيد وأنا وحدتني

قدام عيني كل ما أصبحت وأمسيت

ولا أعلم في حاجة كلفتني

وعز الله اني لها ما ترديت

لو كان دنيايه هي ما أسعفتني


كما أن أرشيف الشاعر عبدالله المقحم يحتوي على قصائد تتحدث عن الوطنية والحماسة، ومنها تلك القصيدة الوطنية التي يقول فيها:

ياهبوب الرياحي ذعذعي اذا ظهرنا

بيني لي شباب هذا الوطن للشجاعة

دون الوطن والوطن وقف شعرنا

كيف ناكل ونشرب والخبر في الاذاعة

وترى الفخر للملك ماهوب فخرنا

أبو متعب مشبع دول المجاعة

ياسيدي أومرونا ما ورى ما صبرنا

العدو عدو الدين ما به براعة

وأبو خالد قايدنا وبأمره حربنا

بالسلاح المنوع للعدو كل ساعة


ويحتوي أرشيف قصائد الشاعر عبدالله المقحم على قصائد شعبية، ومنها تلك القصيدة التي يقول فيها:

عقب العصر صار للعذارى مسايير

والعود الأزرق بينهن واتعبنه

معروضهن سبعين صنف ومشاكيل

وماهو حسن بقلوبهن حصلنه

صرنا لهن مثل الخدم يامناعير

ولد الردي بأيمانهن طوعنه

ياخذ على وجبه علوم ومشاوير

واللي الكلبشه في يده وأثقلنه

الى بغى اللازم رقينا المعايير

مع ربعنا ما نخلف الظن ظنه

مهيب هي خمة ولجة عصافير

مفعولها درب الردى وأعدمنه


ومن قصائد الشاعر عبدالله المقحم الدينية:

انظُر إلى إحسانِ رَبِّكَ مالئاً

دنياكَ بالنِّعَمِ الكبارِ الوافرَة

واشكُرهُ يَمنَحكَ المزيدَ فَطَالمَا

نالت مباهجَها القلوبُ الشَّاكرَة

سُبحانَهُ من خالقٍ مُتفرِّدٍ

آياتُهُ في كُلِّ شيءٍ ظَاهرَة

باللهِ لا تَعصِ الذي أعطاكَ ما

ترجوهُ واستحضِر حسابَ الآخرَة