من الشعراء الذين عنوا بالشعر الذاتي في شعرهم


التجربة الذاتية في الشعر


يطلق على التجربة الفنية التي يمر بها الشاعر في العادة التجربة الشعرية، ولكن حين نتحدث عن الشعر الذاتي فتسمى التجربة الشعورية نظرًا لما يمر به الشاعر، فالتجربة الذاتية في الشعر تكون بمثابة تجسيد حي للمشاعر يتأثر بعنف اللحظة ومرارة الحس، فالتجربة الذاتية في الشعر تعبر عن صدق الانفعال والمعايشة الحقيقية بين المشاعر والفكر حين يقع الشاعر  تحت مؤثر ما يجعله يندمج بوجدانه وفكره متأملًا ليخرج لنا الإبداع في أبهى صورة شعرية، فإذا  أرادنا أن نلخص التجربة الذاتية في الشعر لا يسعنا إلا أن نلخصها في أربع كلمات، رؤية ومعايشة ثم انفعال صادق نتج عنه تعبير، وتتناول التجربة الذاتية للشعر بعض الموضوعات والتي في الواقع لا يمكن تحديدها، فهي تتنوع وتتشكل لتضم كل ما يخص حياة الشاعر من كبيرة أو صغيرة وكل ما يؤثر في نفسه وخاطره سواء اجتماعيًا أو نفسيًا أو حتى كونيًا، فلا يهم إن كان الموضوع جديًا أم بسيط فالأساس دائمًا هو صدق الانفعال الذي شعر به الشاعر، ويمكن تلخيص عناصر التجربة الشعرية الذاتية فيما يأتي: [1]


  • الوجدان:


    فالوجدان هو المشاعر والأحاسيس الانفعالية والعاطفة الجياشة ومنبعها القلب.

  • الفكر:


    والفكر هو المشاعر المختلطة بالأحاسيس وتأتي من العقل.

  • التعبير:


    أما الصورة التعبيرية فهي كل ما يخص الألفاظ والصور والعبارات الموسيقية وتسمى الصياغة الشعرية.


الشعراء الذين عانوا من الشعر الذاتي في شعرهم


هناك العديد من الشعراء الذين عانوا من الشعر الذاتي خلا شعرهم وقصائدهم، ولقد ظهر ذلك جليًا في أعمالهم ،وكان ذلك بسبب صدق الانفعال في التجربة التي دفعته للتعبير عن ما يشعر به معبرًا بذلك عن ذاته غير مقلدًا لغيره، وإليك بعض الأمثلة على هؤلاء الشعراء كما يأتي:


الشاعر إيليا أبو ماضي


اسمه إيليا بن ضاهر أبي ماضي، من مواليد 1889، ولد إيليا في قرية تسمى المحيدثة بلبنان، ولكنه أتى إلى الإسكندرية وسكن بها في عام 1900، أعجب بالشعر والأدب، هاجر إلى أميركا ومكث بها ثم بعد ذلك انتقل إلى نيويورك وعمل هناك في جريدة مرآة الغرب، انضم إيليا إلى مجموعة الرابطة القلمية وأصبح من أعضائها، عرف إيليا بكتاباته عن الشعر الذاتي والعام، وله العديد من الدواوين مثل ديوان أبي ماضي، والجداول والخمائل وغيرهما. [3]


جبران خليل جبران


ولد جبران خليل جبران في السادس من يناير عام 1883 في شمال لبنان وهاجر إلى أميركا مع عائلته عام1895بدأ في دراسة الفن والأدب فعرف بالشاعر والفيلسوف والكاتب والرسام، اشتهر عند الغرب بكتابه كتاب النبي ويعد جبران الشاعر  الأكثر مبيعًا بعد شكسبير، عاش جبران حياته في أمريكا حتى توفي في نيويورك بداء السل عام 1931.


الشاعر عباس محمود العقاد


ولد عباس محمود العقاد في محافظة أسوان، ولقد توقفت دراسته عند المرحلة الإبتدائية فقط، وذلك بسبب عدم تواجد مدارس إعدادية أو ثانوية وقتها في بلدته، كما كان لفقر عائلته سبب، والتي لم تتمكن من إرساله إلى محافظة القاهرة ليكمل تعليمه هناك كما كانت تفعل العائلات الغنية، ولقد عرف العقاد بذكائه الذي مكنه من التعلم والمعرفة ليلم بكل العلوم العربية والغربية أيضًا، حيث استطاع أن يتقن اللغة الإنجليزية من خلال مخالطته بالسياح المتوافدين إلى الأقصر وأسوان، ولقد أسس العقاد مدرسة الديوان والتي كانت تهدف للتجديد في الشعر والخروج من القالب التقليدي له مع التعاون مع إبراهيم المازني وعبدالرحمن شكري. [2]


الشاعر إبراهيم ناجي


الشاعر إبراهيم ناجي هو طبيب وشاعر مصري ولد عام 1889 وتخرج من كلية الطب عام 1923، وقد مارس مهنة الطب مع الأدب، فله العديد من الدواوين مثل ليالي القاهرة ووراء الغمام والعديد من القصائد والقصص والمحاضرات الأدبية، تم جمع دواوينه من قبل لجنة نظمتها الحكومة بعد وفاته لتجمع جميعها في ديوان سمي باسم ديوان ناجي. [4]


مطران خليل مطران


شاعر القطرين، لقب مطران بشاعر القطرين لجمعه بين الثقافة العربية والأجنبية، ونسبة إلى مصر ولبنان، فمطران شاعر لبناني عاش معظم حياته في مصر وكان من كبار الكتاب عمل بالتاريخ والترجمة، عرف برقة طبعه ومسالمته وهذا الذي انعكس على أشعاره، دعا مطران إلى التجديد في الأدب والشعر العربي فكان أحد الرواد الذين اخرجوا الشعر العربي من أغراضه التقليدية ودعا  إلى أغراض حديثة تتناسب مع العصر، وكان ذلك أيضًا من خصائص مدرسة الديوان على الرغم من ان مطران كان ينتمي إلى الرابطة القلمية ومع كل هذا التجديد كان حريص على الحفاظ على أصول اللغة والتعبير، كما أنه  ادخل الشعر القصصي والتصويري للأدب العربي. [5]


الشاعر أحمد الكاشف


الشاعر أحمد ذو الفقار عمر الكاشف، هو شاعر مصري من محافظة الغربية وأثنى عليه الشاعر خليل مطران قائلًا: (الكاشف ناصح ملوك، وفارس هيجاء ومقرع أمم وكذبت الظنون)  ولقد عاش أحمد الكاشف ومات في قريته بمحافظة الغربية وله ديوان شعر واحد. [6]


أمثلة على الشعر الذاتي


إليك بعض الأمثلة على الشعر الذاتي كما يأتي:


جزء من قصيدة صخرة الملتقى لإبراهيم ناج


سألتُك يا صخرةَ الملتقى متى يجمع الدهرُ ما فرَّقا


فيا كعبةً شهدت هائمَين أفاءا إلى حسنها المنتقَى


إذا الدهرُ لَجَّ بأقداره أخذنا على ظهرِهَا الموثقَا


أرقّ الهوى عندها مجهداً وأنَّ النسيمُ بها مرهقَا [4]


جزء من قصيدة كم تشتكي إنك معدم لإيليا أبو ماضي


كَم تَشتَكي وَتَقولُ إِنَّكَ مُعدِمُ وَالأَرضُ مِلكُكَ وَالسَما وَالأَنجُمُ


وَلَكَ الحُقولُ وَزَهرُها وَأَريجُها وَنَسيمُها وَالبُلبُلُ المُتَرَنِّمُ


وَالماءُ حَولَكَ فَضَّةٌ رَقراقَةٌ وَالشَمسُ فَوقَكَ عَسجَدٌ يَتَضَرَّمُ


وَالنورُ يَبني حَولَكَ في السُفوحِ وَفي الذُرى دوراً مُزَخرَفَةً وَحيناً يَهدِمُ


[3]


جزء من قصيدة داء أم فخلت فيه شفائي لمطران خليل مطران


دَاءٌ أَلَمَّ فخِلْتُ فيهِ شِفَائي من صَبْوَتي، فتَضَاعَفَتْ بُرَحَائي


يَا لَلضَّعيفَينِ ! اسْتَبَدَّا بي  ومَا في الظُّلْمِ مثلُ تَحَكُّمِ الضُّعَفَاءِ


قَلْبٌ أَذَابَتْهُ الصَّبَابَةُ وَالجَوَى  وَغِلاَلَةٌ رَثَّتْ مِنَ الأَدْوَاءِ


وَالرُّوحُ بَيْنَهُمَا نَسِيمُ تَنَهُّدٍ  في حَالَيِ التَّصْوِيبِ وَالصُّعَدَاءِ


وَالعَقْلُ كَالمِصْبَاحِ يَغْشَى نُورَه  كَدَرِي، وَيُضْعِفُهُ نُضُوبُ دِمَائي [5]


جزء من قصيدة حزنًا على بيجو تفيض الدموع محمود العقاد


حزنًا على بيجو تفيض الدموع حزنًا على بيجو تثور الضلوع


نسيت لا، بل ليتني قد نسيت لو جاءني نسيانه ما رضيت


بيجو معزيٌّ إذ ما أسيت بيجو مناجيَّ الأمين الوديع


بيجو الذي أسمع قبل الصباح بيجو الذي أرقب عند الرواح


بيجو الذي يزعجني بالصياح أو نبحة منه، وأين النباح [2]


جزء من قصيدة أجارتنا إن الخطوب تنوب امرؤ القيس


أجارَتَنا إنَّ الخُطُوبَ تَنوبُ وإني مُقِيمٌ ما أقامَ عَسِيبُ


أجارَتَنا إنّا غَرِيبَانِ هَهُنَا وكُلُّ غَرِيبٍ للغَريبِ نَسيبُ


فإن تَصِلِينَا فَالقَرَابَةُ بَيْنَنَا وإنْ تَصْرِمِينَا فالغَريبُ غريبُ


أجارَتَنا مافاتَ لَيْسَ يَؤوبُ ومَا هُوَ آتٍ في الزَّمانِ قَرِيبُ


ولَيْسَ غريباً مَن تَنائتْ ديارُهُ ولكنَّ مَنْ وارى التُّرابُ غَريبُ [7]


جزء من قصيدة أعزي وزير الأمتين وأشتكي لأحمد الكاشف


أعزّي وزير الأمتين وأشتكي إليه من الأقدار موت أبيهِ


مضى خاتم الجيل الممهد سبله إلى المجد للجيل الذي سيليه


أبوك أبو الأحرار في الأرض كلها فخطبهمُ فيه كخطبك فيه


وإن الذي أعطى بنيه خلاله لباق على الدنيا بقاء بنيه


وإن لم نجد عنه من الأمر شاغلاً ففيك الغنى عنه لمفتقديه


وقد كان أولى أن يعيش إلى المدى ترى فيه ما أمّلته وتريه


[6]


جزء من قصيدة مأساة الشاعر لنازك الملائكة


قد هبطنا في شاطىء الشعر والفن فماذا فيه من الأفراح؟


ها هو الشاعر الكئيب وحيدا تحت سمع الآصال والأصباح


أبدا ساهم يراقب أيّام حياة لا تنقضي بلواها


لا يرى الواهمون غير ضحاها ويعيش الفّنان تحت دجاها


يرقب الأشقياء في ظلمة العيــش ويبكي لهم بكاء غبين


ويصوغ الألحان يرثى لبلوا هم ويبكي على الوجود الحزين [8]