الأسباب التي تؤدي إلى قطع المودات وفساد ذات البين


معنى ذات البين


جاء معنى ذات البين في قاموس المعاني كما وردنا أنهم هم الأشخاص الأقرباء بالدم أو النسب، والبين معناه أيضًا الوصل وهو من الأضداد، والبين الوسط، ولقد ورد لفظ ذات البين في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عندما سُئل عن أفضل الأعمال الصالحة قال:


(إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة)


ولقد نهانا رسولنا الكريم عن فساد ذات البين أي القطيعة بين المسلمين، لذلك فإن  الفساد بين الناس والعمل على الإيقاع بينهم هو



خلق ذميم وصفه النبي بالحالقه



التي تفسد دين صاحبها، فلقد عن النبي صلى الله عليه وسلم في روايةٍ أخرى عن هذا الأمر:


(والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تسلموا ولا تسلموا حتى تحابوا، وأفشوا السلام تحابوا، وإياكم والبغضة فهي الحالقة، لا أقول لكم تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين)،


ويقصد بفساد ذات البين وفقاً لتفسير أبو عيسى لهذا الحديث ما يأتي: (البغضاء والعداء، والحالقة هي حلق الدين، وضياعه من النفوس والقلوب وفساد الحياة، حيث إن الدين الإسلامي الحنيف قائم على التكافل الاجتماعي، والمحبة والتسامح، والمبادئ الإنسانية السليمة، كما يدعوا لطهارة القلوب وحب الأخ لأخيه، وحب الجار لجاره، ففساد تلك العلاقات يزعزع الدين، ويغضب الله عز وجل). [1] [2] [3]


أسباب فساد ذات البين


إن فساد ذات البين من الأمور التي تنشر الكره والبغضاء بين الناس، بل من الممكن أن تثار الفتن بسببها وتقام الحروب، فلقد رأينا الكثير من الأحداث على مر التاريخ والتي كان فساد ذات البين سببًا في إشعالها، ولقد نهتنا الشريعة الإسلامية عن الكثير من الأمور التي من شأنها الفساد بين الناس وحتى بين الأقارب والأخوات، وهذه الأمور قد تؤدي لفساد البين، ومن الأسباب التي تؤدي إلى قطع المودات وفساد ذات البين والتي يجب على كلِ مسلمٍ أن يتجنبها من أجل درء المفاسد والشرور هي ما يأتي:


  • الحسد والبغضاء


نهانا رسولنا الكريم عن الحسد ووضح لنا نتائجه على الناس وعلى النفس فلقد حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم أمته ونهاهم في الحديث الشريف، قال صلى الله عليه وسلم:


(دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ)


وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا: (


لاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَنَاجَشُوا وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا.،الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ َلاَ يَحْقِرُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ ولا يُسلمُهُ، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ).


  • النميمة بين الناس


حرمت الشريعة الإسلامية نقل الكلام على ألسنة الآخرين بين الناس حتى وإن كان الناقل صادقًا فيما يقول والنميمة من كبائر الذنوب وعقابها في الآخرة شديد، ولقد قال رسولنا الكريم في حديث شريف:


(لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ نَمَّامٌ)


رواه البخاري ومسلم.


  • نشر الشائعات وعدم التيقن من صحتها.


إن الذين ينشرون الشائعات بدون تيقن من صحتها يوقعون بين الناس ويثيرون الفتن فلقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز:


(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)


وحرمت الشريعة الهمز واللمز والسخرية، والغيبة والنميمة، والقذف والبهتان، والشتم والسباب، والكذب والمراء، والفجور والجدال، وغير ذلك من الأقوال والأفعال التي من شأنها أن تسبب الضغائن والخصومات، وتؤجج نيران الأحقاد والعداوات.


  • سوء الظن


إن سوء الظن بين الناس والمقربين من الممكن أن يوقع العديد من المشكلات ويثير الفتنة، ولذلك نهانا رسولنا الكريم عن سوء الظن ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه: (


إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تباغضوا، وكونوا إخواناً، ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه، حتى ينكح أو يترك


)


  • المشاحنة والحقد والغيرة


إن المشاحنة والعدوانية مع الناس من الأمور التي تولد البغضاء وتقسي القلوب، ويصبح تعامل الناس مع بعضها البعض جافًا، لذلك علينا أن نكون متراحمين فيما بيننا، ولا نقطع رحمًا ولا نفصل ودًا  لأن قطع الرحم مكروه ويولد الكراهية لأن الله سبحانه وتعالى يلا يحب المتشاحنين لقوله تعالى في كتابه الكريم: (


فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ  أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ


). [2] [4] [5]


حكم إفساد ذات البين


إن إفساد ذات البين من الأمور المحرمة التي نهى عنها رسول الله، وذلك لأن تحققها البغضاء والمشاحنة وقطع الرحم وهذه الأمور من الكبائر، وليس هذا فحسب فمن أجل تحقيق فساد ذات البين على الشخص أن يقوم بفعل بعض الأمور الشنعاء التي تحقق له مبتغاه الفاسد، كأن يثير الفتن بين الناس وأن يوغر الصدور ويُشعل الحروب ويقطع الرحم، كما قد يمشي بالنميمة بين الناس ولقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: (


عن إفساد ذات البين إن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول حالقة الشعر ولكن تحلق الدين)


.


معنى حديث إصلاح ذات البين


ورد عن النبي في حديث ذات البين أنه قال:


(ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول حالقة الشعر ولكن تحلق الدين)


رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح، وجاء في تحفة الأحوذي في شرح الحديث المتقدم: (الحالقة الخصلة التي من شأنها أن تحلق أي تهلك الدين، كما يستأصل الموسى الشعر، وقيل هي قطيعة الرحم والمظالم. قال الطيبي: فيه حث وترغيب في إصلاح ذات البين واجتناب عن الإفساد فيها؛ لأن الإصلاح سبب للاعتصام بحبل الله وعدم التفرق بين المسلمين، وفساد ذات البين ثلمة في الدين، فمن تعاطى إصلاحها ورفع فسادها نال درجة فوق ما يناله الصائم القائم المشتغل بخويصة نفسه).


إن إصلاح



فساد ذات البين



من أفضل الأعمال وأجلها، ولقد وصانا بها رسولنا الكريم، أن نسعى على الإصلاح بين الناس من الأمور الجليلة التي وصانا بها الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم في العديد من المواضع لأن الإصلاح من الأمور التي تقود  إلى الاعتصام بحبل الله، وهي التي تقوي أواصر المسلمين وعلاقتهم ولا التفرق بينهم، والأمر بإصلاح ذات البين جاء في قول الله -تعالى-:


(


فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ)


ولقد


روى البخاري أن أم حبيبة بنت أبي سفيان حدثتها عن زينب بنت جحش قالت:


(يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث)


، والمقصود من هذا الحديث أن الشخص الصالح الذي لا يسعى إلى الإصلاح فهو معرض لأن يعاقب، وأما من يصلح بين الناس فهو الناجي وذلك لقوله تعالى في كتابه الكريم: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) وقال تعالى: (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ المُصْلِحِينَ). [6] [7]