أزمة الأخلاق في زمن التكنولوجيا
ما المقصود بأزمة الأخلاق
بات المجتمع يعاني من أزمة أخلاقية كبرى، حيث إن
العادات
العربية والإسلامية باتت تختفي شيء فشيء، فقل
التسامح
والعفو وصلة
الرحم
وبات الناس لا يهتموا بمشاكل الآخر، كما أن العنف بات من سمات العصر الحديث، لذا يجب الوقوع على الأزمة والتعرف على أسبابها، والتي تعتبر
التكنولوجيا
واحدة من أهمها أو السبب الرئيسي فيها، ولاسيما أن الجهل بمنزلة الأخلاق من دين
الله
تعالى وتصور البعض أن التحلي بالأخلاق فضل وعدم الشعور بالذنب وعدم الاهتمام بالفروض كالصلاة والزكاة والصوم بات يفقد الناس أخلاقهم شيء فشيء، كما أن الله تعالى يقول سورة الحشر آية 18 “
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
“[6].
تأثير التكنولوجيا على القيم الأخلاقية
تصنف التكنولوجيا إلى نوعين لكل نوع تأثير مختلف على
البيئة
والفرد، فالتكنولوجيا المتوافقة مع البيئة هي التي تتجانس مع البيئة الطبيعية وما تحويه من مواد وعناصر وما يسود فيها من ظروف مناخية كما يعود إلى التوافق مع الثقاف والعادات والتقاليد الاجتماعية والفنية والمهارات والظروف الاقتصادية والبيئية، بينما التكنولوجيا المتناقضة مع البيئة هي التكنولوجيا ذات المردود السلبي على البيئة التي ينتج عنها أضرار جسيمة وضارة جداً يمكن أن تكون هذه الأضرار مباشرة أو غير مباشرة من الناحية الصحية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، كما ينتج عنها تشويه للطابع العام المحلي والتراث وقد تسبب استنزاف للمصادر الطبيعية الموجودة بالبيئة المحيطة[2].
-
تفكك الروابط الاجتماعية والأسرية
باتت العلاقات الاجتماعية والأسرية هشة للغاية، نتيجة افتقاد الحوار المجتمعي والأسري، وانشغال أفراد المجتمع بالعالم الافتراضي، فلم يصبح الإنسان اجتماعي بطبعه كما كان يقال سابقاً، فالكل يعيش في معزل عن المجتمع، فأصبح الاتصال عبارة عن كلمات بسيطة والمقابلات العائلية تستبدل بمحادثة فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كما أن الأسرة باتت تعاني من ضعف العلاقات العائلية فبات هناك فجوة كبيرة بين الآباء والأبناء[1].
فمن الملاحظ جداً في المجتمعات العربية قطع العلاقات التي كانت جزء أساسي من حياة الفرد فلم يعد الجيران يعرف كل منهم الآخر، كما أن
الأقارب
باتوا يكتفوا بمكالمة هاتفية واحدة كل مناسبة، فالسعي الدائم من قبل الأفراد لتوفير الرفاهية لنفسه جعلهم ينسوا جزء أساسي من حياتهم القديمة وهو جزء التواصل والترابط[3].
-
تغيير سلوكيات الأطفال
منذ زمن قريب كان
الطفل
يعيش طفولته بحيوية ونشاط ويذهب للنادي مع أسرته وجماعة الرفاق لكي يقوم بعمل نشاطات مختلفة تعينه على تشغيل العقل وإعماله، كما أن
الرياضة
كانت تساهم بشكل كبير في تعزيز العلاقات الاجتماعية والأخلاقية فالعقل السليم في
الجسم
السليم، ولكن من المؤسف أن تم استبدال العادات الرياضية بالجلوس على الأنترنت واستخدام
العالم
الافتراضي ومشاهدة الفيديوهات التي تحتوي على كثيراً من العادات المخالفة لعادات المجتمع وسماع كلمات لا تليق بالمجتمع العربي مما يؤثر بشكل كبير على شخصيته وأخلاقياته، فمن أسوأ ما فعلت التكنولوجيا في العالم العربي تغير سلوكيات النشأ.
-
تشيئ الإنسان
المقصود بذلك جعل الإنسان شيء لا إنسان والتجريد من الإنسانية، فالتكنولوجيا لغت جزء كبير من الإنسانية حيث التكنولوجيا هي التي تذكر الإنسان بالمناسبات وأعياد الميلاد والواجبات التي يجب القيام بها، فالحواسيب لغت التفكير الإنساني، وبرغم أن هذا يعتبر أمر جيد، إلا أنه أفقد الإنسان جزء كبير من واجباته ومسؤولياته واهتماماته[4].
-
انتشار العنف في المجتمع
من الملاحظ بشكل واضح أن العنف بات أحد السمات المجتمعية الحديثة، حيث ظهر العنف بين الأطفال والكبار، والتكنولوجيا ليست بريئة من ذلك، فمشاهدة الأحداث العنيفة في التلفاز وفي الأنترنت، وانتشار الألعاب الإلكترونية القتالية والتي تحتوي على عنف وضرب وحرب أدت إلى تغيير سلوكيات الأشخاص، كما أن الأطفال لديهم
حب
التقليد والعيش في مغامرات وصراعات، مما يدفعهم لحب تجربة ما يروه على مواقع الأنترنت وفي الأفلام الكرتونية من عنف، كما ظهر ملياً في الآونة الأخيرة عدم الاهتمام بالمحتوى من الجانب الأخلاقي وعدم دراسة مدى تأثيره على النشأ، وهذه أحد الأمور السلبية شديدة الخطورة على المجتمعات.
-
اللامبالاة
بات المجتمع يعاني من اللامبالاة وعدم الاكتراث، فالكل منشغل في مصالحه وحياته، وبات هناك عزوف كبير من الأشخاص عن
الحياة
الاجتماعية وعن مشكلات الآخر، فكان قديماً الناس تحزن وتتأثر وتشارك في أزمات بعضها، ولكن الآن بات الجميع منشغل في الهواتف الجوالة في عالم افتراضي، وأقصى ما يمكن المشاركة به هو تصوير الأزمة لأخذ السبق ونشرها عبر المواقع الإلكترونية، وبعد دقائق ينسى الأمر وهكذا، فالوتيرة السريعة للحياة، وكثرة الأحداث والتطلع الدائم على الحوادث والجرائم جعل الناس تشعر باللامبالاة تجاه الأحداث الجارية.
-
الخيانة الزوجية
أتيحت التكنولوجيا الحديثة سهولة التواصل بين الأشخاص، كما أن هناك الكثير من العلاقات الغير مشروعة التي باتت تنشأ عبر مواقع التواصل الاجتماعي مما أدى لانهيار الأسرة والقيم والمبادئ، فمواقع التواصل الاجتماعي يسرت كثيراً من الأمور المحرمة التي يمكن أن تتسبب في أنهيار المجتمع وتفككه، وبرغم ذلك فلا تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي هي السبب أو التكنولوجيا ولكن غياب الوازع الديني وعدم التفكير في الجانب الأخلاقي هو السبب في الخيانة الزوجية.
-
عدم تحمل
الشباب
للمسؤولية
من أشكال الأزمة الأخلاقية في المجتمع عدم اهتمام الشباب بمسؤولياته، فالشباب أصبح أتكالي لا يكترث للمستقبل ولا يهتم بالحاضر، يترك كل الأعباء على أسرته ووالديه، ويقضي وقته كله في التواصل مع أشخاص جدد أو في أمور لا فائدة منها على مواقع التواصل الاجتماعي.
-
عدم احترام خصوصية الآخر
بات الأشخاص يسمحوا لنفسهم التدخل في حياة الآخرين بشكل غير مقبول، كما أن مواقع التواصل الاجتماعي جزء تكنولوجي هام أفسد الحياة الخاصة للأفراد، فالكل مطلع على حياة الآخر وانهارت مبادئ الخصوصية والحرية، فالناس تسير الآن بجهاز تسجيل وكاميرا هاتف تسمح لهم بتصوير أي شي وكل شيء، فلا عجب أن ترى صورة لك أو لأحد أفراد أسرتك وأنت تتصفح
موقع
من مواقع التواصل الاجتماعي، كما إن كان الإنسان مشهوراً فعليه أن يرى أخباره الشخصية وأفراد أسرته مشاع، ويرى أراء الناس السلبية فيه بكل عنف، حيث سهل الحديث من وراء الشاشات والناس جالسون في منازلهم كتابة وقول أي شيء، دون مراعاة مشاعر الشخص ولا خصوصيته، مما جعل الناس تخاف من كل شيئ، نتيجة لأن الخصوصية من
القيم الغائبة في المجتمعات العربية المعاصرة
.
-
أنعدام
التعاون
كان قديماً حين يجد الشخص أن لديه وقت فراغ يقوم بالاتفاق مع زملائه ورفاق الحي في تنظيف البيئة أو العمل على
مساعدة الفقراء
أو اللعب في الفناء معاً، أما الآن فالجميع يفضل العزلة ولا مجال للتعاون الذي هو أساس الحياة فالله جعل الناس شعوب للتعاف وتتآلف وتساعد بعضها البعض، فالتكافل الاجتماعي ومساعدة الغير والبحث عن كيفية تطوير المجتمع، باتت أمور نادرة لا يقوم بها الكثير، وبرغم أن بعض الشباب استطاعوا أن يستخدموا مواقع التواصل الاجتماعي للتكاتف وعمل الثورات وإنشاء
الجمعيات الخيرية
إلا أن الأغلبية لا تقوم إلا بالبحث عن الأمور التافهة والسلبية فقط.
-
التأثير على الهوية العربية
من سمات الشخصية العربية الحفاظ على الهوية والفخر بالأصول بينما انهارت هذه المبادئ كتأثير
طبيعي
للعولمة والتدخلات الغربية وانفتاح العالم، حيث وجد الأشخاص متعة جديدة في البحث عن عادات وتقاليد جديدة، كما أن التواصل مع الشخصيات الغربية نتيجة لسهولة ذلك والتعرف على ثقافات جديدة مخالفة للثقافة العربية أدى إلى الانهيار الأخلاقي وتغير العادات والتقاليد في المجتمع[5].