أثر القراءات القرآنية في المحافظة على اللغة العربية


أثر القراءات القرآنية في اللغة


القرآن الكريم كلام

الله

الذي أنزله سبحانه وتعالى على عبده محمد صلى الله عليه وسلم، وقد نزل القرآن كما هو دون تغيير أو تحريف من يوم ما نزل ولكن القراءات للعرب اختلفت بحسب ألسنتهم التي تأثرت بنطقهم، ولكن هل أثر اختلاف القراءات القرآنية في اللغة.


أثر اختلاف القراءات القرآنية في اللغة العربية حيث أثرى الكلمات والمعاني بشكل كبير وواضح يتبين في التالي:


أثر القراءات القرآنية في اللغة العربية من ناحية الضوابط


فقد ذكر علماء القراءات ضوابط تعرف بها القراءات المقبولة وتميز بها عن غيرها من القراءات الشاذة المردودة وهي “قراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت أحد المصاحف

العثمانية ولو احتمالا، وصح سندها فهي القراءة المتواترة الصحيحة ومتى اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة أطلق عليها ضعيفة أو شاذة أو باطلة”.


فكل قراءة اجتمعت فيها الأركان الثلاثة هي القراءة التي يجب قبولها ولايحل جحدها وإنكارها وهي من جملة الأحرف السبعة، التي نزل بها

القرآن الكريم

ومتى لم تتحقق هذه الأركان كلها أو بعضها في قراءة فهي قراءة شاذة مردودة. وقد نظمها ابن الجزري في طيبته.


وبتطبيق هذه الضوابط على الأمثلة:


1 ) مثال ما اجتمعت فيه الشروط قال تعالى: ﴿ملك يوم الدين﴾


2) مثال ما صح نقله عن الآحاد، وصح وجهه في العربية وخالف لفظه خط المصحف قراءة ابن مسعود وأبي الدرداء: “وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثى”  في موضع في موضع ﴿وما خلق الذكر والأنثى).


3) مثال مانقله غير ثقة قرأ بعضهم: “نُنَحِّيْكَ”.


4) ومثال ما لم يصح وجهه في العربية: ما ذكره ابن الجزري في وقف حمزة، على نحو “أسمايهم ” بياء خالصة ونحو “شركاوكم”” بواو خالصة ونحو “بداكم” بألف خالصة قال


ابن الجزري: “ولايجوز في وجه من الوجوه العربية، فإنه إما أن يكون منقولا عن ثقة ولا سبيل إلى ذلك، فهو مما لايقبل، إذ لا وجه له، وإما أن يكون منقولا عن غير ثقة ولاسبيل إلى ذلك، فمنعه أحرى، ورده أولى.


أثر القراءات القرآنية في اللغة العربية من حيث أنواع التغاير والاختلاف


فتعدد هذه الأحرف يدور حول الأنواع التي يقع بها التغاير والاختلاف في الكلمات القرآنية وبالتالي في الكلمات العربية ولا يخرج عنها، وهذا رأي ابن قتيبة وأبو الفضل الرازي المقرئ وابن الجزري.


وقد اتفقوا على أن أنواع التغاير والاختلاف سبعة ثم اختلفوا في تعيينها وحصرها فقال ابن قتيبة: فقد تدبرت وجوه الخلاف في القراءات فوجدتها سبعة أوجه:


1_  الاختلاف في إعراب الكلمة أو حرآة بنائها بما لا يزول عن صورتها في الكتاب ولا يغير معناها، نحو قوله تعالى: ﴿هؤلاء بناتي هن أطهر لكم) بضم الراء، وقرئ أيضا أطهرْ لكم” بسكون الراء.


2_  (الاختلاف في إعراب الكلمة وحركات بنائها بما يغير معناها ولايزيلها عن صورتها في الكتاب، نحو قوله تعالى: ﴿ربنا باعد بين أسفارنا﴾ فعل أمر، وقرئ: “ربنا باعد بين أسفارنا” فعلا ماضيا مضعفا.


3_ الاختلاف في حروف الكلمة دون إعرابها بما يغير معناها ولايزيل صورتها، نحو قوله تعالى: ﴿وانظر إلى

العظام

كيف ننشزها) بالزاى، وقرئ “ننشرها” بالراء.


4_ (الاختلاف في الكلمة بما يغير صورتها في الكتاب ولا يغير معناها، نحو قوله تعالى: ﴿إن كانت إلا صيحة واحدة﴾، وقرئ (إلا زقية واحدة).


5_ (الاختلاف في الكلمة بما يزيل صورتها ومعناها ، نحو قوله تعالى:﴿وطلح منضود﴾ بالعين.


6_ أن يكون الاختلاف بالتقديم والتأخير نحو قوله تعالى: ﴿وجاءت سكرة الموت بالحق) وفي قراءة أخرى: وجاءت سكرة الحق بالموت.


7_ أن يكون الاختلاف في الزيادة والنقصان نحو قوله تعالى: ﴿وما عملت أيديهم﴾ ﴿وما عملته أيديهم ) ونحو قوله تعالى: ﴿إن الله هو الغني الحميد﴾ و ﴿إن الله الغني الحميد﴾. [1]


أثر القراءات في اللغة العربية من ناحية اللهجات العربية


قال الزرقاني: إن التيسير والتخفيف على الأمة – وهي الحكمة البارزة في نزول القرآن على سبعة أحرف- لا يتحقق على الوجه الأكمل إلا بحسبان وجه اختلاف اللهجات لأنه قد يسهل على المرء أن ينطق بكلمة من غير لغته في جوهرها، ولا يسهل عليه أن ينطق بكلمة من غير لغته نفسها بلهجة غير لهجته وطريقة في الأداء غير طريقته، وذلك لأن الترقيق والتفخيم، والهمز والتسهيل، والإظهار والإدغام، والإمالة والفتح ونحوها، ما هي إلا أمور دقيقة، وكيفيات مكتنفة بشيء من الغموض والعسر في النطق على من لم يتعودها ولم ينشأ عليها.


واختلاف القبائل العربية كان يدور على اللهجات في كثير من الحالات، وكذلك اختلاف الشعوب الإسلامية وأقاليم الشعب الواحد منها الآن يدور في كثير من الحالات أيضا على اختلاف اللهجات.


وأن الحكمة في نزول القرآن على الأحرف السبعة هي التيسير على الأمة الإسلامية كلها، خصوصا الأمة العربية التي شوفهت بالقرآن، فإنها كانت قبائل كثيرة، وكان بينها اختلاف في اللهجات ونبرات الأصوات، وطريقة الأداء وشعرة بعض الألفاظ في بعض المدلولات على رغم


أنها كانت تجمعها العروبة، ويوحد بينها اللسان العربي العام، فلو أخذت كلها بقراءة القرآن على حرف واحد، لشق ذلك عليها آما يشق على القاهري أن يتكلم بلهجة الأسيوطي مثلا، وإن جمع بينهم اللسان المصري العام، وألفت بينهم الوطنية المصرية في القطر الواحد.


إذن فتخفيف الله على الأمة بنزول القرآن على سبعة أحرف، لا يتحقق إلا بملاحظة الاختلاف في هذه اللهجات، حتى إن بعض العلماء جعل الوجوه السبعة منحصرة في اللهجات لاغير.


أثر القراءات القرآنية في اللغة العربية من حيث تنوع المعاني وزيادتها


وتترتب على تعدد هذه الأحرف والأوجه فائدة عظمى وهي تنوع في المعاني وزياتها، إذ أنها، تشتمل على أضرب منها متغايرة متنوعة، فكلما أجرينا الآية على وجه تبين لنا ضرب من المعنى مغاير مما يحتويه الوجه الآخر منها، وفي ذلك جانب عجيب مدهش من جوانب إعجاز هذا


القرآن، ولذلك فإنا سنتوسع في أمثلته، حتى تتجلى أسرار هذا الجانب فنكون منها على بصيرة، مع أن استيعابه يدخل بنا في علم عظيم لا ساحل لبحره يسمى: علم توجيه القراءات وتعليلها وبيان وجوهها ومعانيها.


أثرها في اللغة العربية من حيث إعجاز القرآن للفطرة اللغوية عند العرب


تعدد مناحي التأليف الصوتي للقرآن تعددا يكافئ الفروع اللسانية التي عليها فطرة اللغة في العرب حتى يستطيع العربي أن يوقع بأحرفه وكلماته على لحنه الفطري ولهجة قومه مع بقاء الإعجاز الذي تحدى به الرسول صلى الله عليه وسلم العرب مع

اليأس

من معارضته لا يكون إعجازا للسان دون آخر وإنما يكون للفطرة اللغوية نفسها عند العرب.


وأيضا للقراءات أثر في اللغة العربية من حيث إعجاز القرآن في معانيه وأحكامه – فإن تقلب

الصور

اللفظية في بعض الأحرف والكلمات يتهيأ معه استنباط الأحكام التي تجعل القرآن ملائما لكل عصر.


فإن القراءات القرآنية حفظت لغة العرب من الضياع والاندثار، وذلك أن تعدد أحرف القرآن تعتبر من خصائص هذه الأمة، ومن المناقب التي تفضل الباري عز وجل بها عليها، إذا كانت

الكتب السماوية

السابقة تنزل على وجه واحد، فتلتزم الأمم التي أنزلت عليهم بقراءتها وتعلمها على ذلك الوجه، آما أن من أعظم الخصائص وأجل النعم أن يتكفل االله عز وجل بحفظ القرآن، وقد كان هذا الأمر متروكا بالنسبة للكتب السابقة للأمم أنفسها فضيعت كتبها وحرفت شرائعها .


ويلزم من هذا أن الله عز وجل تكفل بحفظ سائر الأحرف القرآنية التي أنزلها لأن آل حرف منها


بمنزلة الآية فضياع شيء منها واندثاره يعني أن أبعاضا من القرآن ضاعت واندثرت، وهذا يتنافى مع مقتضى الحفظ الإلهي الموعود به. [2]