شرح قصيدة بهاء الدين زهير .. ” نهاك عن الغواية ” وتحليلها
قصيدة بهاء الدين زهير نهاك عن الغواية
نعنبر قصيد نهاك عن الغواية من روائع
قصائد بهاء الدين زهير
، فهذه القصيدة هي تحفة أدبية في عالم الشعر، وخاصةً في العصر الأيوبي، وقد جاءت قصيدة نهاك عن الغواية للشاعر بهاء الدين زهير بسبب وفاة ابنه العزيز، فيقال أنه كان له ابنًا عزيزًا عليه وفي في ريعان شبابه، كان له بمثابة الابن والأخ والأب، وعندما علم زهير بوفاته سقط فاقدًا للوعي، وبعدها قام بتنظيم قصيدة الرثاء نهاك عن الغواية من أجل ابنه العزيز المتوفي، ولقد قال فيه:
نَهاكَ عَنِ الغَوايَةَ ما نَهاكا وَذُقتَ مِنَ الصَبابَةِ ما كَفاكا
وَطالَ سُراكَ في لَيلِ التَصابي وَقَد أَصبَحتَ لَم تَحمَد سُراكا
فَلا تَجزَع لِحادِثَةِ اللَيالي وَقُل لي إِن جَزِعتَ فَما عَساكا
وَكَيفَ تَلومُ حادِثَةً وَفيها تَبَيَّنَ مَن أَحَبَّكَ أَو قَلاكا
بِروحي مَن تَذوبُ عَلَيهِ روحي وَذُق ياقَلبُ ما صَنَعَت يَداكا
لَعَمري كُنتَ عَن هَذا غَنِيّاً وَلَم تَعرِف ضَلالَكَ مِن هُداكا
ضَنيتُ مِنَ الهَوى وَشَقيتُ مِنهُ وَأَنتَ تُجيبُ كُلَّ هَوىً دَعاكا
فَدَع يا قَلبُ ما قَد كُنتَ فيهِ أَلَستَ تَرى حَبيبَكَ قَد جَفاكا
لَقَد بَلَغَت بِهِ روحي التَراقي وَقَد نَظَرَت بِهِ عَيني الهَلاكا
فَيا مَن غابَ عَنّي وَهوَ روحي وَكَيفَ أُطيقُ مِن روحي اِنفِكاكا
حَبيبي كَيفَ حَتّى غِبتَ عَنّي أَتَعلَمُ أَنَّ لي أَحَداً سِواكا
أَراكَ هَجَرتَني هَجراً طَويلاً وَما عَوَّدتَني مِن قَبلُ ذاكا
عَهِدتُكَ لا تُطيقُ الصَبرَ عَنّي وَتَعصي في وَدادي مَن نَهاكا
فَكَيفَ تَغَيَّرَت تِلكَ السَجايا وَمَن هَذا الَّذي عَنّي ثَناكا
فَلا وَاللَهِ ماحاوَلتَ عُذراً فَكُلُّ الناسِ يُعذَرُ ما خَلاكا
وَما فارَقتَني طَوعاً وَلَكِن دَهاكَ مِنَ المَنِيَّةِ ما دَهاكا
لَقَد حَكَمَت بِفُرقَتِنا اللَيالي وَلَم يَكُ عَن رِضايَ وَلا رِضاكا
فَلَيتَكَ لَو بَقيتَ لِضُعفِ حالي وَكانَ الناسُ كُلُّهُمُ فِداكا
يَعِزُّ عَلَيَّ حينَ أُديرُ عَيني أُفَتِّشُ في مَكانِكَ لا أَراكا
وَلَم أَرَ في سِواكَ وَلا أَراهُ شَمائِلَكَ المَليحَةَ أَو حِلاكا
خَتَمتُ عَلى وِدادِكَ في ضَميري وَلَيسَ يَزالُ مَختوماً هُناكا
لَقَد عَجِلَت عَلَيكَ يَدُ المَنايا وَما اِستَوفَيتَ حَظَّكَ مِن صِباكا
فَلَو أَسَفي لِجِسمِكَ كَيفَ يَبلى وَيَذهَبُ بَعدَ بَهجَتِهِ سَناكا
وَما لي أَدَّعي أَنّي وَفِيٌّ وَلَستُ مُشارِكاً لَكَ في بَلاكا
تَموتُ وَما أَموتُ عَلَيكَ حُزناً وَحَقَّ هَواكَ خُنتُكَ في هَواكا
وَيا خَجَلي إِذا قالوا مُحِبٌّ وَلَم أَنفَعكَ في خَطبٍ أَتاكا
أَرى الباكينَ فيكَ مَعي كَثيراً وَلَيسَ كَمَن بَكى مَن قَد تَباكى
فَيا مَن قَد نَوى سَفَراً بَعيداً مَتى قُل لي رُجوعُكَ مَن نَواكا
جَزاكَ اللَهُ عَنّي كُلَّ خَيرٍ وَأَعلَمُ أَنَّهُ عَنّي جَزاكا
فَيا قَبرَ الحَبيبِ وَدِدتُ أَنّي حَمَلتُ وَلَو عَلى عَيني ثَراكا
سَقاكَ الغَيثُ هَتّاناً وَإِلّا فَحَسبُكَ مِن دُموعي ما سَقاكا
وَلا زالَ السَلامُ عَلَيكَ مِنّييَرُفُ مَعَ النَسيمِ عَلى ذُراكا [1]
شرح قصيدة بهاء الدين زهير نهاك عن الغواية وتحليلها
جاءت قصيدة بهاء الدين نهاك عن الغواية في رثائه لابنه الذي توفى في ريعان شبابه، ولقد نزل هذا
الخبر
على والده بهاء الدين كالصاعقة جعله يغشى عليه، وذلك لعظم مكانة ابنه عنده، فلما أفاق بدأ في إلقاء هذه القصيدة البديعة التي تتميز في صدق شعورها وتجمع بين اللغة العربية الفصحى والعامية، وهذا ما يميز أشعار بهاء الدين زهير في معظم قصائده، وإليك شرح قصيدة بهاء الدين زهير نهاك عن الغواية مقسمة إلى أفكار كما يأتي:
-
شرح الأبيات من
نهاك عن الغواية ما نهاكا
إلى قوله و
ذق يا قلب ما صنعت يداكا:
يبدأ الشاعر قصيدته متحدثًا إلى قلبه المحسور على وفاة ابنه العزيز، هذا
القلب
الذي أصابته الابتلاءات والمصائب تباعًا وذاق
الشوق
والحسرة والعذاب، لكنه على الرغم من ذلك لم يبتعد عن الصبر، بل ظل قلبه يتصرف وكأنه قلب صبي صغير لم يعرف
معنى
الشوق والحسرة والفقدان قط، مما جعله صبورًا قويًا، لكن يتسائل الشاعر ما الذي سيحدث له إن فقد صبره.
ثم يتحدث الشاعر بعدها عن أن المصائب هي التي تكشف معادن الرجال، فلقد عرفت من يحبك حقًا ممن يبغضك ويفرح لحزنك، ثم بعدها يوجه
رسالة
لوم إلى قلبه المجروح ويلومه بسبب المشاعر التي وهبها قلبه وروحه لحب ولده، والتي كان يجني ثمارها بفقدانه، فيقول لقلبه:
ذق يا قلب ما صنعت يداكا
، أي أنك يا قلبي تستحق ما يحدث لك بسبب صنيعك وتعلقك به الشديد.
-
شرح الأبيات من
عمري كنتَ عن هذا غنيًّا ولم تعرف ضلالك من هداكا
إلى قول الشاعر فيا
من غاب عنّي وهو روحي وكيف أطيق من روحي انفكاكا:
يقول الشاعر لقلبه في هذه الأبيات أنه بسبب أنك لم تستطيع التفريق بين الحق والباطل أصابنا ما أصابنا، وهذا ما كنا في غنى عنه يا قلبي، فما جنيت سوى التعب والمرض من
حب
الناس، لكنك على الرغم من ذلك لم تتعظ بل ما زلت تستجيب لكلّ حبّ يطرق بابك، لهذا سوف تحصد نتيجة أفعالك في النهاية، فإما أن يتركك هذا
الحب
ويرحل أو ترحل أنت عنه، ثم يبدأ الشاعر بمخاطبة ابنه ويشبهه بروحه التي غابت عنه مما يعني نهاية حياته في عدم وجود ابنه، لكنه ما زال حيًا بدون روحه فكيف من المفترض به أن يعيش منفصلًا عن روحه!
-
شرح الأبيات من
حبيبي كيف حتّى غبت عنّي أتعلم أنّ لي أحدًا سواكا
إلى قول الشاعر
فلا والله ما حاولتَ عذرًا فكل الناس يعذر ما خلاكا:
يستكمل الشاعر حديثه مع ولده الغالي ويسأله كيف حتى قد استطاع أن يغيب عنه على الرغم من أنه يعلم مكانته لدى والده، ثم يخبره أنه غيابه قد طال وهو لا يستطييع تحمل غيابه، كما أنه يعرف أن ولده لا يستطيع أيضًا تحمل غياب والده عنه، وأن لا أحد يستطيع إجبارك على الابتعاد عني يا ولدي، لكن كيف تغيرت تلك الصفات فيك؟ وكيف استطعت أن تغيب عني ويطول غيابك هكذا؟ فأنا لا أستطيع أن أجد لك عذرًا في هذا، وإن استطعت أن أتفهم وأعذر جميع الناس ولكن معك لا أستطيع.
-
شرح الأبيات من قول الشاعر
وما فارقتني طوعًا ولكن دهاك من المنيّة ما دهاكا
حتى قوله
وَلا زالَ السَلامُ عَلَيكَ مِنّي يَرُفُ مَعَ النَسيمِ عَلى ذُراكا:
يستعيد الشاعر وعيه بعد كلامه مع ابنه عن كونه غاب عنه ولا عذر له ويقول يا ولدي أعلم أنّك لم تكن لتبتعد عني باختيارك، ولكن الموت هو الذي فرق بيننا كرهًا بدون موافقتي أو موافقتك، لكني أتمنى أن لو أن الناس جميعها تموت وابني لم يمت لأنّني لا أستطيع تحمّل فرقتك، فإنه من الصعب ألا أراك في أي مكان أذهب إليه وأن الناس ليس فيهم شيء من صفتك الحميدة، ثم يتوجه الشاعر لرثاء ابنه قائلًا أن الموت قد أتى إليه متعجلًا وهو لا يزال في ريعان شبابه، ثم يبدأ الشاعر في لوم نفسه لأنه لا يستطيع أن يشارك ابنه الموت، وأن على الرغم من حزنه لم يمت على ابنه حزنًا، وأنه بهذا قد خان ابنه على الرغم من حبه الشديد له، فكيف لا يستطيع أن يأتي إليه ويظل معه في ابتلائه وهو يحبه، ثم يتوجه الشاعر إلى التحدث عن الناس الذين من حوله ويقول:
أَرى الباكينَ فيكَ مَعي كَثيراً وَلَيسَ كَمَن بَكى مَن قَد تَباكى
يقصد الشاعر هنا أن هناك من كان يحاول إدعاء
البكاء
أمامه على فقدان ابنه، ثم يتجه للتحدث إلى قبر ابنه ويتمنى لو أنه يحمل من عليه التراب، ثم ينهي قصيدته بإبلاغ ابنه
السلام
.
أفكار قصيدة نهاك عن الغواية
يتنقل الشاعر بهاء الدين زهير بين العديد من الأفكار التي طرحها خلال قصيدته وهي كما يأتي:
-
الفكرة الأولى:
لوم الشاعر لقلبه على تعلقه الشديد بالناس.
-
الفكرة الثانية:
لوم الشاعر لابنه على تركه له بدون عذر.
-
الفكرة الثالثة:
تقبل الشاعر للواقع ولما حدث لابنه وأن هذا رغمًا عنه.
-
الفكرة الرابعة:
تمنى الشاعر أن يموت بدل ابنه.
-
الفكرة الخامسة:
تمني السلام لولده في قبره. [2]