شعر النابغة الذبياني في الاعتذار .. ” تحليلها وشرحها “
قصيدة اعتذار للنابغة الذبياني للنعمان
جاءت قصيدة النابغة الذبياني الشهيرة في الاعتذار للخليفة النعمان، أرسلها الذبياني عليه يبتغي وصله ورضاه عنه، ولقد نظم فيه الشعر قائلًا:
أَتاني -أَبَيتَ اللَعنَ- أَنَّكَ لُمتَني وَتِلكَ الَّتي تَستَكُّ مِنها المَسامِع
مَقالَةُ أَن قَد قُلتَ سَوفَ أَنالُهُ وَذَلِكَ مِن تِلقاءِ مِثلِكَ رائِعُ
لَعَمري وَما عُمري عَلَيَّ بِهَيِّنٍ لَقَد نَطَقَت بُطلًا عَلَيَّ الأَقارِعُ
أَتاكَ اِمرُؤٌ مُستَبطِنٌ لِيَ بِغضَةً لَهُ مِن عَدوٍّ مِثلَ ذَلِكَ شافِعُ
حَلَفتُ فَلَم أَترُك لِنَفسِكَ ريبَةً وَهَل يَأثَمَن ذو إمَّةٍ وَهوَ طائِعُ
وَلا أَنا مَأمونٌ بِشَيءٍ أَقولُهُ وَأَنتَ بِأَمرٍ لا مَحالَةَ واقِعُ
فَإِنَّكَ كَاللَيلِ الَّذي هُوَ مُدرِكي وَإِن خِلتُ أَنَّ المُنتَأى عَنكَ واسِعُ
أَتوعِدُ عَبدًا لَم يَخُنكَ أَمانَةً وَتَترُكُ عَبدًا ظالِمًا وَهوَ ضالِعُ
وَأَنتَ رَبيعٌ يُنعِشُ الناسَ سَيبُهُ وَسَيفٌ أُعيرَتهُ المَنِيَّةُ قاطِعُ
أَبى اللَهُ إِلّا عَدلَهُ وَوَفاءَهُ فَلا النُكرُ مَعروفٌ وَلا العُرفُ ضائِعُ
تحليل قصيدة النابغة الذبياني
قام النابغة الذبياني بتأليف هذه القصيدة من أجل طلب ود ورضا الخليفة النعمان، حيث قال فيه:
-
أَتاني -أَبَيتَ اللَعنَ- أَنَّكَ لُمتَني وَتِلكَ الَّتي تَستَكُّ مِنها المَسامِعُ
يقوم الشاعر بالتعبير عن غضبه في هذا البيت، ومدى حزنه الشديد من لوم الخليفة النعمان له، ولقد استخدم هنا الكثير من الأفعال مما يدل على مدى كثرة تداول لوم الخليفة له بين الناس، وأن النابغة ما زال حزينًا من فعل النعمان الذي مضى بالفعل.
-
مَقالَةُ أَن قَد قُلتَ سَوفَ أَنالُهُ وَذَلِكَ مِن تِلقاءِ مِثلِكَ رائِعُ
يستخدم النابغة في هذا البيت أسلوب لطيف يحاول التودد فيه للخليفة، وذلك بعدم ذكر لوم الخليفة له والتحدث فقط عما يشعر به اتجاهه، وأن هذا الأمر قد أثر فيه لأنه من الخليفة النعمان، وأنه إن كان من شخصٍ آخر لم يكن ليهتم.
-
لَعَمري وَما عُمري عَلَيَّ بِهَيِّنٍ لَقَد نَطَقَت بُطلًا عَلَيَّ الأَقارِعُ
استخدم الذبياني أسلوب التوكيد في هذا البيت كثيرًا، وذلك من أجل أن يوضح أن جميع الاتهامات التي نسبت إليه باطلة، وأنه يعلم أن من وشوا به هم بنو قريع.
-
أَتاكَ اِمرُؤٌ مُستَبطِنٌ لِيَ بِغضَةً لَهُ مِن عَدوٍّ مِثلَ ذَلِكَ شافِعُ
استخدم الذبياني في هذا البيت الجمل الاسمية فقط، وذلك من أجل توضيح صفات هؤلاء الواشين، وأنهم يضمرون له الكره والحقد والضغينة حتى يبرئ نفسه من اتهاماتهم الباطلة.
-
أَتاكَ بِقَولٍ لَم أَكُن لِأَقولَهُ وَلَو كُبِلَت في ساعِدَيَّ الجَوامِعُ
استخدم النابغة الذبياني في هذه الأبيات أسلوب لغوي قوي، حيث أنه لم يذكر صفاته الحميدة منذ البداية بل بدأ بدفع التهم ثم بدأ بإحصاء صفاته الحسنة، وأنه لم يكن ليقول عليهم مثلما قالوا لأن أخلاقه لا تسمح بذلك.
-
حَلَفتُ فَلَم أَترُك لِنَفسِكَ ريبَةً وَهَل يَأثَمَن ذو إمَّةٍ وَهوَ طائِعُ
استخدم النابغة في هذا البيت أسلوب القسم حتى يبعد كل الشكوك عنه، ثم استخدم أسلوب التوكيد من أجل أن يؤكد هذا القسم، ويقول أنه إنسان صادق ومتدين وورع وملتزم، مستخدمًا أسلوب التعليل والحجج ليزيد من قوة موقفه من أجل أن يُبريء نفسه من هذه التهم الباطلة.
-
فَإِن كُنتُ لا ذو الضِغنِ عَنّي مُكَذَّبٌ وَلا حَلفي عَلى البَراءَةِ نافِعُ
استخدم النابغة في هذا البيت أسلوب الخطاب وذلك في حالة أن الأساليب السابقة التي استخدمها لم تجدي نفعًا من قسم وتوكيد، حتى يوحي للخليفة بمدى ثقته في نفسه وصفاته الحميدة، لكنه مع ذلك مستعد لإثبات هذا للخليفة إن تطلب الأمر.
-
وَلا أَنا مَأمونٌ بِشَيءٍ أَقولُهُ وَأَنتَ بِأَمرٍ لا مَحالَةَ واقِعُ
استخدم النابغة في البيت السابق أسلوب الشرط وجاء هذا البيت بعده لتأكيد على ما سبق ذكره حتى يُذكر الخليفة النعمان بصفاته وأخلاقه وأمانة حديثه وصدقه، ولذلك استخدم في البيت السابق “إن” الشرطية التي تدل على الحديث المشكوك به بطريقة غير مباشرة حتى يتراجع عن قراره.
-
فَإِنَّكَ كَاللَيلِ الَّذي هُوَ مُدرِكي وَإِن خِلتُ أَنَّ المُنتَأى عَنكَ واسِعُ
يستخدم النابغة في هذا البيت أسلوب تشبيه بليغ، حيث شبه الخليفة بالليل في أنه آتٍ لا محالة مهما حاول
الهروب
منه لن يستطيع الابتعاد، وأن الخليفة هو رمز للهدوء والطمأنينة، كل هذا ليبين مدى ارتباطه بالخليفة النعمان.
-
أَتوعِدُ عَبدًا لَم يَخُنكَ أَمانَةً وَتَترُكُ عَبدًا ظالِمًا وَهوَ ضالِعُ
استخدم النابغة في هذا البيت أسلوب استفهام في صيغة استنكارية، حيث يستنكر مستفهمًا سبب معاقبة الخليفة له، وهو شخص لا يخون الأمانة، بينما الحاقدين يُتركون دون عقاب، وأراد بهذا أن يذكر الخليفة بعدله وإنصافه للرعية بصورة غير مباشرة.
-
وَأَنتَ رَبيعٌ يُنعِشُ الناسَ سَيبُهُ وَسَيفٌ أُعيرَتهُ المَنِيَّةُ قاطِعُ
يلجأ النابغة في هذا البيت إلى استخدام أسلوب المدح، حيث يمدح الخليفة النعمان ببعض الصفات الحميدة وهي الجود والشجاعة، واستخدم في هذا بعض التشبيهات الإبداعية التي تعبّر عن وصول الخليفة بكرمه وشجاعته إلى المكانة العالية التي هو عليها.
-
أَبى اللَهُ إِلّا عَدلَهُ وَوَفاءَهُ فَلا النُكرُ مَعروفٌ وَلا العُرفُ ضائِعُ
يستخدم النابغة الذبياني في الختام النابغة أسلوب المدح أيضًا، حيث يقوم بتوقير الخليفة وذكر فضائله، مع تذكيره بطريقة غير مباشر بأعمال الذبياني الجيدة التي قدّمها النابغة له، ويؤكد أيضًا على صفات العدل والوفاء الموجودة عند الخليفة، والوفاء المذكور في هذا البيت المراد به أعمال النابغة الجيدة في حق الخليفة.
شرح قصيدة النابغة الذبياني في الاعتذار
يبدأ النابغة الذبياني قصيدته بالتحدث عما وصله من كلام ولوم الخليفة النعماني للذبياني، وأن هذا الأمر جعله في غاية
الحزن
والقلق، ثم أقسم الذبياني في البيت الثاني على أنه بريئ من هذه الاتهامات وأنه لا يصح أن يخرج منه ما قاله لنو قريع، ويقول أيضًا أنه إن كان هؤلاء الواشون قد أرادوا بالفساد وبين الخليفة، فالواشي هو الفاسق الكذاب، ثم لجأ الذبياني إلى الدفاع عن نفسه، وأن هؤلاء الواشون يضمرون له الكره والحقد والضغينة حتى يبرئ نفسه من اتهاماتهم الباطلة.
ثم طلب الذبياني من الخليفة النعمان ألا يتركه بعد أن قام بتبرئة نفسه وأن وعيد النعمان له سبب له الأذى فيقول: كالجمل الذي طُلي بالقار فنفرت من منظره الجِمال وذلك لأن الناس كانوا يغضبون على من يغضب عليه الخليفة آنذاك، خوفًا من سلطانه ومكانته، ثم بدأ بالتحدث عن مدى عظمة مكانة النعمان قائلًا: ألم تر أن
الله
أعطاك ومنحك منزلة ومكانة تضطرب عندها مكانة كل ملك غيرك، ويقصد هنا أن المكانة التي وصل إليها النعمان لم يبلغها أي أحد من قبله، ثم قام بتوضيح تلك المكانة في عبارة تشبيهية مركبة حيث قال: مثلك بين
الملوك
كالشمس بين الكواكب فإذا ظهرت الشمس توارت الكواكب وكذلك منزلتك تطغى على الملوك فتتلاشى ولا تظهر، وفي ختام قصيدته طلب الذبياني العفو والمغفرة من الخليفة النعمان، وأنه قد ظلمه في حكمه، وأنه يجب معاقبة المخطئين الحقيقين ويقصد بهم بنو قريع. [1][2]
اعتذاريات النابغة الذبياني
من أبيات الذبياني في الاعتذار ما يأتي: [3]
لكاظمُ الغيظِ ينسابُ الضَّميرُ لهُ
لولا الأناةُ سقاهُ مِنْ دمٍ هَدَرِ
ذو الشِّيمةِ الرَّسْلِ، إنْ هيجَتْ حفيظتُهُ
والجانبِ السَّهْلِ والمستعتَبِ اليَسَرِ
مَنْ فيهِ للمجتلي والمبتلي
نَسَقَا جمالِ مرأى عليهِ سَرْوُ مُختَبَرِ
هبْني جَهِلْتُ فكانَ العِلْقُ سيئةً
لا عُذرَ منها سوى أنِّي مِنَ البشرِ
إنَّ السِّيادةَ بالإغضاءِ لابسةٌ بهاءَها
وبهاءُ الحُسْنِ فيالخفَرِ