مفهوم التطرف الفكري وأسبابه .. وأمثلة عليه

قال تعالى: وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ

سورة البقرة

مفهوم التطرف الفكري

التطرف في المفهوم اللغوي يعني الوقوف في الطرف بعيدًا عن الوسط، وهو عكس التوسط والاعتدال، والتطرف يعني الخروج عن التوسط والاعتدال، وهو الغلو والزيادة دون ضرورة، والابتعاد عن الاعتدال

التطرف الفكري هو افكار تتصف بالغلو، وتتضمن الخروج عن القواعد الفكرية او الثقافية التي يقبلها المجتمع، وفي القرآن الكريم، لم يرد

الله

بنا التطرف، ولم ترد كلمة التطرف بشكل صريح، لكن

ورد

كلمات مشابهة لها مثل الغلو، والتنطع، والتعسير، قال تعالى: يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العسر.

وفي السنة النبوية الشريفة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلك المتنطعون، والمعنى يراد به الاشخاص المتجاوزون الحدود في اقوالهم وافعالهم، إما في الدين او في الامور العادية، وقد نهى الله عز وجل عن التطرف والغلو وجعله سبب من اسباب الضلال، قال تعالى: قُلْ يَٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ لَا تَغْلُواْ فِى دِينِكُمْ غَيْرَ ٱلْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوٓاْ أَهْوَآءَ قَوْمٍۢ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ

اسباب ظاهرة التطرف الفكري

كل مشكلة إذا اردنا علاجها لا بد للرجوع إلى الاسباب، ويمكن العلاج من خلال معرفة الاسباب، ومن ابرز اسباب ظاهرة التطرف الفكري


التدين عبر التثقيف الذاتي


هذا الامر يحدث عندما يريد الاشخاص التزود من العلوم الشرعية، فيقومون بمراجعة الكتب الدينية دون ان يكون لديهم مرجع علمي يتعلمون منه، فلا يمكن للعلم ان يتم تعلمه دون معلم، وإذا اكتفى المتعلم بالكتاب فإن ذلك يؤدي لمصائب كبرى، والامام الغزالي رأى ان الشخص العامي يفرح بالخوض في العلم، فيتكلم به دون ان يدري فيرتكب ما هو كفر، ولا سيما فيما يخص الله تعالى وصفاته.


تلقي العلم عن غير اهله


العلم يؤخذ من اهل العلم الثقات والشيوخ المختصين وليس اي شخص يدعي العلم، ولا يجب على طالب العلم ان يغتر بالمظاهر، والصلاح لا يكفي لتلقي العلم من المعلم، إذا لا بد لوجود سعة في الاطلاع العلمي، فكل مجال فيه اشخاص مختصين يمكن التعلم منه والحصول على المعرفة.


ربط القول السديد بالشخص لا بالفكرة


من اسباب التطرف الفكري الشائعة ان يقبل الحق من اشخاص معينين، دون

النظر

إلى القول، فيقبل الشخص من احد ما على سبيل المثال كل ما يقول، بصرف النظر إن كان ما يقوله صواب او يخالف الصواب، وهذا الامر يبتعد كل الابتعاد عن الحق.

فالحق يجب ان يكون مع الفكر الصائب، والراي السديد، وليس مرتبطًا بشخص معين او وصف، فالحق لا يرتبط قيمته بالقائل، وإنما من كونه الحق.


الاخطاء الفكرية لدى المعلم


اسهم في ظاهرة التطرف الفكري وتعزيزها وجود معلمين متشددين، ومتطرفين، واتخذوا من يسر

الاسلام

ذريعة للتحلل من الشرع، كما قاموا بخداع الناس وبث اقوال غير صحيحة في نفوسهم، ورأوا ان التنطع والغلو وسيلة لحماية الدين الاسلامي وحفظ الشريعة، وهذا الامر يناقض الاسلام بمبادئه، وهو إفراط وتفريط، ولا يرتبط بالحق على الاطلاق، وهؤلاء المعلمين والمرجعيات العلمية كانوا من ابرز عوامل ظهور التطرف الفكري، بما غرسوه في اذهان تلاميذهم والناس الذين يستمعون إليهم من افكار مغالطة للحق باسم الدين وباسم الشريعة.


اختلاط المفاهيم لدى المتطرفين


من ابرز عوامل وصول الحق كما هو هو العمل على تحرير المصطلحات من اللبس ومن الخلط، والتخلص من البدع التي تؤدي لصرف النظر عن المشاكل الحقيقية، وخلق مشاكل اخرى لا ينبغي لها ان تظهر.


اعتبار التدين سبيل للافتاء دون علم


من اسباب التطرف هي اعتبار ان التدين يعطي صاحبه الحق في الافتاء والكلام في امور الدين، ومع ان جميع المسلمين مفروض عليهم

الصلاة

والزكاة والحج والاخلاق الوقمية، وعمارة الارض، لكن من غير المطلوب من احد ان يجرؤ على الفتوى، حتى لو كان يصوم ويصلي، فالقضية لا تتعلق بالتدين، وإنما تتعلق بالعلم والمناهج التي يجب معرفتها قبل القدرة على اطلاق اي حكم اسلامي.

امثلة عن التطرف الفكري

التطرف ظاهرة مرضية بكل ما توحيه الكلمة من معنى، ومن الامثلة غير القابلة للحصر عن التطرف الفكري ما يلي:


  • التعصب للرأي

    : التعصب للرأي يجعل كل شخص يعتقد انه يملك الرأي الصواب وانه رأيه لا يحتمل الخطأ، فيعتقد الشخص ان رايه لا يجب ان يخالف مع أن اصحاب العلم كانوا يقولون: كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب المقام صلى الله عليه وسلم

  • عدم الرغبة في الحوار والنقاش:

    المتطرفين فكريًا لا يمكنهم النقاش مع اي شخص من اجل التوصل للحق ودفع الباطل، إنما يتمسكون برأيهم، ولا يسمعوا إلا قولهم، ولا يأمنوا إلا بانفسهم، لذلك لا جدوى من الحوار معهم، ونقاشهم، كما انهم لا يمكنهم ان يعيدوا النظر بأمر يؤمنوا فيه او يناقشوا مواضيع يمكن ان يكونوا مخطئين في تقديرها.

  • التشدد والغلو في الراي:

    التطرف الفكري يدفع الشخص لاعتناق رايه بشكل كبير، فيرفع نفسه إلى منزلة غير منزلته ويفضح الشخص المخطئ في الدنيا، كما انه يمنح نفسه حق محاسبته، ويجاهر بمعصية الناس، وينسى ان الله تعالى عفو كريم.

  • الخشونة والفظاظة في الاسلوب، والغلظة في التعامل، واختفاء الحسنى من الحوار واللطف من المعاملة:

    يبدو ان الشخص المتطرف فكريًا نسي ان الله

    مدح

    نبيه بأنه على خلق حميد، ونسي ايضًا كل التوجيهات والتعاليم القرآنية التي تدفع المؤمن للتحلي بمكارم الاخلاق، واستخدم بدل منها الغلاظة واسلوب الشدة في محاورة الناس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه.

  • سوء النظر بالاخرين، وعدم القدرة على النظر إليهم نظرة حسنة او معرفة نواياهم الحسنة:

    الاشخاص المتطرفين فكريًا عادةً ما يقوموا بإدانة غيرهم، مما يؤدي للشخص المتطرف إلى ازدراء غيره.

  • العجلة في اصدار الاحكام على الناس:

    ديننا الحنيف نهانا عن الحكم عن الاشخاص بسرعة او وصف احدهم بالكفر او الجهل او الفسوق، لان الله وحده هو من يحكم على الناس، وهو الذي يدخل الناس

    الجنة

    او يدخلهم النار.

كيفية مواجهة التطرف الفكري

يجب ان يتم مواجهة الفكر المتطرف على جميع مستويات المجتمع، فعلى الافراد ان يدركوا المشكلة، ويقدروا مضاعفاتها الخطيرة، ولا بد من استنفار الطاقات للقضاء على هذه المشكلة.

يمكن القضاء على التطرف الفكري من خلال الرأي والفكر، والحوار الهادئ والنقاش الفاعل من اجل اقناع العقول التي لا يزال هناك متسع من الامل فيها، وإخراجها من الانحراف الفكري، فالقرآن الكريم استعمال الحوار بكل صوره من اجل مخاطبة المشركين ومقارنة حجتهم بحجج اقوى واكثر برهانًا.

كما يجب ان ينهض المجتمع بكامله من اجل تطبيق الحلول الفعالة والدراسات العلمية لمواجهة التطرف بكل اشكاله ووسائله، والقضاء على التطرف لا يمكن ان يحدث بين عشية وضحاها لانه ثمرة سنوات وتجمعات كبيرة من الفساد الفكري. [1]