ماذا يستفيد الإنسان من تعاقب الليل والنهار
ظاهرة تعاقب الليل والنهار
قال تعالى (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) سورة الانبياء، وقال تعالى (لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) سورة يس
بما ان الارض تتحرك حركتين، إحدى الحركات هي دوران الارض حول نفسها وحركة إلى الامام والثانية هي دوران الارض حول الشمس، وحركة إلى الامام، وهذا يعني ان هنالك حركتين سابحتين لليل والنهار.
وفي الحركة اليومية تكون الارض مواجهة للشمس، ويكون في النصف من الارض المواجه للشمس نهارًا، اما الجهة التي لا تواجه الشمس فيسود عليها الليل، وعندما تبدأ الارض بالدوران حول محورها وتظل حول الشمس، فإن اي نقطة في الارض تتحرك بحركة سابحة، وهذا ما يفسر قوله تعالى ( وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) والتفسير العلمي وراء ذلك ان اي نقطة تتحرك في محيط دائرة، بحيث يتحرك مركز هذه الدارة، فإن النقطة ترسم مسار سابح.
والليل على الرغم من سباحته، إلا انه يسبح فقط في المناطق التي لا تواجه الشمس، اما النهار فيسبح في المناطق من الكرة الارضية التي تواجه الشمس، وبذلك لا يتقدم الليل على النهار، فالليل يتعاقب مع النهار على الارض، ولا يستطيع ان يسبقه.
اسباب انتظام تعاقب الليل والنهار
على الرغم من ان الليل هو لباس الكون، وهو الذي يحيط بالغلاف الجوي بالكامل، وعلى الرغم من ان يغشي بظلاله على سطح الارض خلال الغلاف الجوي، إلا انه لا يستطيع ان يملأ الدنيا ظلامًا بوجود الشمس، وعلى الرغم من كل الحركات التي يقوم بها خلف النهار، وامامه وفوقه وعلى اطرافه، فإنه لا يسبق النهار، بل يدرك النهار، ويبدو للمراقب ان الليل في سباق مع النهار يحاول ان يسيطر عليه او ان يصبح جزءًا منه على الاقل، وبالرغم من ضخامة الكون، إلا ان الليل لم يستطع ان يحصل ما يطلبه منه النهار، رغم كل سباقه وحركاته وسعيه الحثيث الذي لا ينتهي، قال تعالى (وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ). [1]
ماذا يستفيد الانسان من وجود الليل والنهار
-
التفكير بوجود الله
عندما يفكر الانسان بعقله، ويتأمل بخلق الله عز وجل، وقدرته التي لا تضاهيها قدرة، وحركة الكواكب، وارتفاع السماء بغير عمد، وتعاقب الليل والنهار دون ان يسبق احدهما الاخر، يهتدي في النهاية إلى ضرورة وجود مبدع وخالق لهذا الكون، ولكن الله عز وجل يوضح لنا في العديد من الآيات القرآنية بان الانسان مهما بلغ من علم وتفكر، فإنه لن يهتدي إن لم يؤمن قلبه وينشرح صدره للإيمان، فالإيمان هو الاساسي والعقل هو التابع، قال تعالى (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ)، وقال تعالى: (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) ق37. [2]
-
الحث على شكر الله عز وجل
لو اراد الله عز وجل الا يكون هناك تعاقب في الليل والنهار لما كان، لكنه بحكمته البالغة اراد ان يظهر لنا
فوائد تعاقب الليل والنهار
من حيث شدة النظام في خلق الكون، وهذا دليل قاطع على وجود الله، الذي يستدل عليه الانسان بقدرته وإرادته وعلمه وحكمته ورحمته بالمخلوقات، والانسان، وهذا الخلق العظيم يجب ان يكون مؤهبًا حتى يشكر الانسان عليه الله عز وجل الذي خلق فابدع، والذي من علينا بجلائل النعم ودقائقها والتي لا تعد ولا تحصى بدءًا من الاختلاف والتعاقب بين هذين الوقتين، الذي لولاهما لما انتظم حال الانسان، ولما انتظمت حياته.
-
تعاقب الليل والنهار للتفكير والعمل
قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا. سورة الفرقان، ذكر القرآن الكريم بروج السماء والشمس والقمر ثم ذكر لنا تعاقب الليل والنهار، وخلفة هي هيئة من الخلوف اي يتبع بعضها بعضًا، وبين لنا الله عز وجل ان المستفيدين من تعاقب الليل والنهار هم المتذاكرون والشاكرون، وهذه الآية دالة على رحمة الله ووجوده، والغفلة عن ايات الله وعظمته هي مسؤولية يحاسب عنها الانسان يوم القيامة.
-
تنظيم الوقت والعمل صباحًا والراحة مساءً
الله عز وجل رحيم بمخلوقاته وعباده، وخلق الانسان فأحسن خلقه، كما انه خلق الكون فأبدع في تكوينه، ومن ابرز المظاهر على ذلك تعاقب الليل والنهار، الذي يؤدي لاستقامة حياة الانسان، الذي يعمل في فترة الصباح ويستيقظ باكرًا ثم ينام باكرًا بعد ان يكون قد انجز اعماله واتم مهامه، فبتعاقب الليل والنهار دليل على سعة رحمة الله الذي اراد ان تستقيم حياتنا وجدول اعمالنا ويستقيم عمراننا وبناءنا في الدنيا. [3]
قال تعالى {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} غافر 61، وقال: {فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} الأنعام 96، وقال الله تعالى ايضًا {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا} الفرقان 47، وقال عز وجل: {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} النبأ9 – 11.
الاستفادة من تعاقب الليل والنهار من هدي النبي
كان النبي عليه الصلاة والسلام يحب ان ينام بعد العشاء كي يستيقظ بشكل مبكر لصلاة الفجر، حدث أبو برزة الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ العشاء وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا»، وكان النبي عليه الصلاة والسلام اذا اراد القيام بشيء يقوم به في فترة الصباح ولا يتركه لليل، وقد دعا للأمة بالبركة في بكورها، فعن صخر بن وداعة قال: قال صلى الله عليه وسلم : «اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا»
اذا اردنا الاقتداء بسنة النبي عليه الصلاة والسلام كما فعل الصحابة الكرام، يجب علينا ان نطيع امواره ونمتثل لها، ونحاول ان نقلد افعاله، فالاستيقاظ مبكرًا يجلب البركة والخير السرور في الدنيا والآخرة، والسهر يجلب التعب والشقاء، وإذا اردنا ان نتساءل عن سبب ضياع البركة في ايامنا، فلنبحث عن الاسباب، فقد هجرنا سنن النبي عليه الصلاة والسلام.
وكما نعلم السهر من الاسباب الكبيرة للامراض والتوتر، وانتفاخ العينين والتعب والاجهاد ونقص التركيز، ومن الامور الضرورية التي يجب التركيز عليها هي التركيز على قيمة الوقت، حيث قال صلى الله عليه وسلم : «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ»
اتباع اوامر النبي عليه الصلاة والسلام والتوافق مع تعاليم الاسلام يسكن النفس، فيكون النهار للعمل والجهد، والليل للراحة والسكون، لان هذا النظام هو النظام الذي اوجده لنا الله عز وجل بحكمته اللامتناهية. [4]