الدروس المستفادة من وثيقة المدينة المنورة
ما هي وثيقة المدينة المنورة
إن وثيقة المدينة هي صحيفة أو كتابًا قد تم وضعه من قبل رسولنا الكريم عليه
الصلاة
والسلام بصفته ممثلًا لمسلمي المدينة، فإن هذه الوثيقة قد تضمنت مبادئ دستورية هامة تساهم في تأسيس حياة مدنية كاملة، وتستند هذه الأسس على بنود تتجلى في إعطاء حقوق متساوية لكل ساكني المدينة من دون تمييز، فالحقوق تطال جميع السكان بعيدًا عن أعراقهم أو ديانتهم، وقد نظمت هذه الوثيقة
الحياة
ما بين المهاجرين والأنصار في
المدينة المنورة
، وقديمًا كان يُطلق عليها الكتاب أو الصحيفة، أما في وقتنا الحالي فتسمى
الدستور
أو الوثيقة، وإن لهذه الوظيفة أهمية تاريخية عريقة وأهمية دستورية.
ما الدروس المستفادة من وثيقة المدينة
إن وثيقة المدينة قد وقع عليها سكان المدينة جميعهم وقد قبلوا بها كمرجعية ودستور يتم الحكم من خلالها، لأنها تتخلل العدل والمساواة، وإن الدروس المستفادة من وثيقة المدينة تتجلى في:
- السعي في العيش بأمان وسلام.
- حرية ممارسة العبادات وحرية الاعتقاد.
- تعلم مبدأ التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع.
- وجوب الدفاع المشترك عن المدينة.
- بأن جميع المواطنين هم شركاء في نظام سياسي واحد.
-
فمن أهم الدروس المستفادة من وثيقة المدينة المنورة هو كيفية التعايش العادل والبنَّاء ما بين أبناء
الوطن
الواحد.[1]
بنود وثيقة المدينة التي وصفها الرسول
إن وثيقة المدينة هي بمثابة وثيقة دستورية قد تضمنت قضايا المواطنة بالإضافة إلى أنها تطرقت إلى حقوق المواطنين وواجباتهم، وقد تم فيها الاتفاق لتشكيل تحالف عسكري يضم جميع الطوائف الموجودة في المدينة، وأن يحارب الأعداء ويمنع أي تعاون من الممكن أن يتم مع المشركين ويهدف إلى إيذاء المسلمين، وإن بنود وثيقة المدينة التي وضعها الرسول صلى
الله
عليه وسلم هي كالتالي:
-
البند الأول يتجلى في إقرار مبدأ
الوحدة
الوطنية بين المواطنين، فالطوائف الموجودة في المدينة هي شعب الدولة ورعاياها. - البند الثاني يتجلى في أنه يمنع أهل المدينة أن ينشئوا أي تعاون مع مشركي قريش في مكة سواء كان بهدف حماية النفوس أو بهدف الاقتصاد العام.
- البند الثالث يوضح أنه من الضروري أن يتم مناصرة اليهود وأن لهم حقوق على المؤمنين ضد من حاربهم وعاداهم.
- البند الرابع يتجلى في نشر الوحدة الوطنية ما بين اليهود والمؤمنين، وتكمن هذه الوحدة في إطار العدل حيث أنها تكون بعيدة كل البعد عن الظلم والاعتداء.
- البند الخامس وهو البند الذي يقرر مبدأ المساواة بين المسلمين واليهود، وإن هذه المساواة تتجلى في الجانب الاقتصادي ومؤازرة الدولة في حال محاربتها مع الأعداء، ويجب أن يتم الموالاة للدولة ونصرتها في الحرب.
- البند السادس يتم فيه توزيع الأعباء الاقتصادية على الجميع سواء كانوا من اليهود أو من المسلمين.
- إن البنود من البند السابع حتى البند الخامس عشر توضح مبدأ المساواة بين المسلمين وقبائل اليهود والتي عددها تسع قبائل، وإن هذه المساواة تتجلى في الحقوق والواجبات، ومتضامنة مع يهود بني عوف.
-
إن البند ستة عشر وسبعة عشر يساهمان في
تحديد
الأولويات المناصرة التي وُضعت ما بين أهل الصحيفة وبين أعدائهم، وقد تم إيضاح أهمية
التعاون
وإبداء الرأي في المفهوم العسكري الدفاعي، وإن هذا المفهوم هو أساسي في الجانب الاجتماعي للمواطنة. - البند الثامن عشر وهو الذي أوضح تأصيل مبدأ المسؤولية الشخصية، حيث أن كل فرد من أفراد المجتمع مسؤول عن تصرفاته وعن سلوكياته، وقد قال الله تعالى في سورة النجم: “ولا تزر وازرة وزر أخرى”، وقال تعالى في سورة المدثر: “كل نفس بما كسبت رهينة”.
- البند التاسع عشر وهو الذي يوضح أصول التقاضي، بالإضافة إلى توضيح مفاهيم وأحكام القضاء.
- البند العشرون وهو الذي يحدد مفهوم المواطنة من الجانب الجغرافي.
-
البند الواحد والعشرون وهو الذي يوضح المرجعية في أحوال فض النزاعات، وهو
القرآن الكريم
وسنة رسولنا الكريم. - البند الثاني والعشرون وهو الذي أوجب قطع جميع العلاقات وخاصة العلاقات العسكرية مع قريش ولكل من يتحالف معها.
-
البند الثالث والعشرون وهو بيان عام وجب الدفاع عن المدينة، وأوضح هذا البند أن النصر يتم عند انتشار الحق والعدل لا في حال وجود الظلم والإثم، حيث أن المواطنة لا تعطي حق الامتياز أو حق البراءة ويعود السبب إلى أن
الإسلام
هو مناصراً للحق لا للباطل.[2]
وثيقة المدينة في حقوق الإنسان
إن وثيقة المدينة قد
ورد
فيها بأن على كل مواطن واجبات وله حقوق، وإن الحقوق أكثر بكثير من الواجبات التي تم نصها في الوثيقة، ومن هذه الحقوق هي:
- حق الحياة والتملك وهما هدفان من أهداف الشريعة الإسلامية، فقد ورد في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الشريفة آيات وأحاديث تحث على حفظ النفس وحفظ المال.
- حق الكرامة الإنسانية حيث أن الإسلام يكرم الإنسان مهما كانت ديانته أو عرقه.
- الحرية الدينية ففي الدين الإسلامي هناك حق تعدد الديانات فقد قال الله تعالى: “لا إكراه في الدين”، حيث أن الإسلام قد عمم عدة أشكال من الحرية لغير المسلمين مثل حرية النقد أ حرية العمل والتنقل بالإضافة إلى حرية الاعتراض.
-
حق العدل حيث أن الإسلام أوجب إقامة العدل بين الناس بغض
النظر
عن دينهم وأعراقهم، فقد قال الله تعالى في سورة النساء: “إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما”، وقد قال تعالى في سورة المائدة: “فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو اعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط والله يحب المقسطين.” - حق المساواة في كل الأمور ما عدا الأمر الذي يختص برئاسة الدولة وقيادة الجيش.
- حق الرعاية وهذا الأمر يقع على كاهل الدولة ففي الإسلام من واجبات الدولة أن تحفظ مواطنيها ورعاياها وتحميهم من الاعتداءات في الأعراض وتمنع تعرضهم للسب والشتم، بالإضافة إلى احترام خصوصياتهم بشرط ألا تتعارض مع الأمور الدينية أو العبث بقواعد الإسلام ومقدساته.
- حق التعلم والتعليم.
- الضمان والتكافل الاجتماعي.
تاريخ كتابة الوثيقة
إن الدكتور أكرم ضياء العمري يقول: “الراجح أن الوثيقة في الأصل وثيقتان ثم جمع المؤرخون بينهما، إحداهما تتناول موادعة الرسول صلى الله عليه وسلم لليهود، والثانية توضح التزامات المسلمين من مهاجرين وأنصار وحقوقهم وواجباتهم، ويترجح عندي أن وثيقة مواعدة اليهود كتبت قبل موقعة بدر الكبرى، أما الوثيقة بين المهاجرين والأنصار فكتبت بعد بدر، فقد صرحت المصادر بأن موادعة اليهود تمت أول قدوم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة…، أما الوثيقة بين المهاجرين والأنصار فقد كتبت بعد وثيقة موادعة اليهود في السنة الثانية من الهجرة”.