قصة أية أَلَا تُحِبُّونَ أَن یَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَكُمۡ
سبب نزول الآية ألا تحبون أن يفعر الله لكم
إن
قصة
الآية التي نزلت في سورة النور آية 22 وهي قوله تعالى: “ولا يَأْتَلِ أُولُو الفَضْلِ مِنكم والسَّعَةِ أنْ يُؤْتُوا أُولِي القُرْبى والمَساكِينَ والمُهاجِرِينَ في سَبِيلِ اللَّهِ ولْيَعْفُوا ولْيَصْفَحُوا ألا تُحِبُّونَ أنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكم واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ”، وهنا في هذه الآية نجد أن
الله
تعالى قد قام بتأديب أهل الإفك، وفي
الوقت
ذاته إن الله سبحانه وتعالى قد أدَّب سيدنا أبا بكر
الصديق
وقد نزلت الآية بسببه، وإن قصة آية “ألا تحبون أن يغفر الله لكم” هي كالتالي:
-
لقد نزلت هذه الآية الكريمة في سيدنا أبا بكر بعد أن حلف على مِسطح ابن أثاثة بنافعة بسبب قوله في
حادثة الإفك
على السيدة عائشة. -
فبعد أن نزلت براءة من الله لأم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، وقد تاب الله سبحانه وتعالى على كل من شارك في التكلم بسوء عن السيدة عائشة، بالإضافة إلى الحد الذي أُقيم على من يستحقه، فقد نزلت آية تقوم بتليين قلب سيدنا أبا بكر لمسامحة قريبه ونسيبه مِسطح بن أثاثة حيث أنه كان ابن خالة الصديق، وقد كان يتيمًا فقيرًا لا يستطيع أن ينفق على نفسه، ولهذا فقد كان سيدنا أبا بكر هو الذي ينفق عليه، حيث أنه كان معروفًا بتقديم المعروف على
الأقارب
والأجانب. - فقد نزلت آية في سورة النور وهي قوله تعالى: “أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ”، ويتجلى معناها في أن الجزاء من جنس العمل، فإذا أردت أن تحصل على مغفرة من الله جل وعلا عليك أن تغفر عن المذنب، فكما تصفح يصفح عنك الله سبحانه وتعالى.
- فتأثر سيدنا أبا بكر بهذه الآية الكريمة وقال: “بلى، والله إنا نحب-ياربنا- أن تغفر لنا”، وبعدها ذهب إلى مسطح وأرجع ما كان يصله من النفقة[1]
-
وقد
ورد
في تفسير الميسر أن أهل الفضل في الدين لا يحلفون على ترك صلة القرابة بينهم وبين أقربائهم وخاصة الفقراء منهم والمحتاجين، ولا يجوز أن يتم ترك النفقة بسبب ذنب تم اقترافه، فيجب أن يتم التجاوز عن هذه الإساءة والعفو عنهم، حتى يغفر الله لعباده، حيث أن في هذا الأمر حث على الصفح والعفو حتى لو تم مقابلته بالإساءة.
فاعفوا واصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم
إن العفو باب رفيع يؤدي إلى الفوز بالجنة بالإضافة إلى أن المسلم ينال رضا الله سبحانه وتعالى، وبعد أن تعرفنا على سبب نزول هذه الآية الكريمة وقصتها فهنا نجد أن العفو صفة هامة جدًا وقد حثنا الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز، بالإضافة إلى أن رسولنا الكريم أيضًا حثنا على التحلي بها، ومن الشواهد التي وردت في
القرآن الكريم
والسنة النبوية الشريفة هي :
- قال سبحانه وتعالى في كتابه العزيز في سورة آل عمران: “سَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ♦ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ”.
-
وقد قال رسولنا الكريم عليه
الصلاة
والسلام: “”مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ، دَعَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُؤوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ حَتَّى يُخَيِّرَهُ اللَّهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ مَا شَاءَ”. - وقال الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة: “وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى”.
- وقال سبحانه وتعالى في سورة المائدة: “فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ”.
وهنا نجد أن في يومنا الحالي يتم اعتبار العفو بأنه هو من الذل والمهانة، ولكن هو في الحقيقة عكس هذا تمامًا فهو يدل على السعي والتقرب من الله سبحانه وتعالى، بالإضافة إلى أن العفو يحتاج إلى
الصبر
وهو من شيم العزة ، وقد جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزا”، حيث أن العفو لا يزيد صاحبه إلى سموًا وعزةً ورفعة، وكيف لا نتسم بسمة العفو والعزيز الكريم قد قال: “وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ”، فبصفة العفو نطلب الصفح والعفو من الله ونأمل المغفرة منه جل وعلا، فهذه دنيا فانية فلنعمل ونتسابق للحياة الباقية ولنسعى إلى
الجنة
بمرضاة الله والتقرب إليه.
معنى كلمة يأتل
إن كلمة يأتل قد وردت في القرآن الكريم في الآية الكريمة في سورة النور آية 22، فقد قال سبحانه وتعالى: “وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ”، وإن
معنى
يأتل أي يحلف، وهنا توضح الآية الكريمة أنه لا يحلف أولو الفضل منكم أن يقطع النفقة أو يعاقب أولي القربى والمساكين ويجب أن يعفوا ويصفحوا.
وهنا كانت هذه الآية الكريمة موجهة لأبي بكر الذي قطع النفقة عن ابن خالته وقريبه ونسيبه مسطح بن أثاثة بسبب خوضه في حادثة الإفك، ولكن الله سبحانه وتعالى قد نهى الحلف الذي يتضمن قطع النفقة عن الفقراء وحث سيدنا أبا بكر على الصفح والعفو عن قريبه، وقد أوضحت الآية الكريمة أنه معاملة عباد الله مع بعضهم البعض بالصفح والعفو يكسبهم العفو والمغفرة من الله سبحانه وتعالى، وإن النفقة والإحسان لا يتم قطعهما بمعصية الإنسان.[2][3]
فضائل العفو
إن العفو من الأخلاق الحسنة التي حث عليها القرآن الكريم وسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وقد قال الكفوي: “العفو كف الضرر مع القدرة عليه”، فكلما غفر الإنسان ذنب لمن أذنب غفر الله له من ذنوبه، وإن النبي عليه الصلاة والسلام قد كان من أكثر الناس اتصافًا بالعفو والصفح، ففي حديث عن جابر رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: “إِنَّ رَجُلًا أَتَانِي وَأَنَا نَائِمٌ فَأَخَذَ السَّيْفَ فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي فَلَمْ أَشْعُرْ إِلَّا وَالسَّيْفُ صَلْتًا فِي يَدِهِ، فَقَالَ لِي: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّانِيَةِ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ، قَالَ: فَشَامَ السَّيْفَ فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ ثُمَّ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم”.
وقد قَالَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم لِزُعَمَاءِ قُرَيشٍ الَّذِينَ آذَوْهُ، وَالذين قاموا بقتل أصحابه، وإخراجه من دياره: “اذهَبُوا فَأَنتُمُ الطُّلَقَاءُ”، فنجد أن صفة العفو هي من صفات الأنبياء، فقد قال الله سبحانه وتعالى عن يوسف وهو يخاطب إخوته: “قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين”، وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما مِن حَدِيثِ ابنِ مَسعُودٍ رضي اللهُ عنه قَالَ: “كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ، وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ”، ومن فضائل العفو:
- إن العفو ينشر المحبة ويقوي أواصر المودة بين المسلمين.
- إنه الطريق الذي يؤدي إلى دخول الجنة.
- إن للمسلم الذي يتصف بسمة العفو الأجر العظيم من الله سبحانه وتعالى.
- يزيل العفو الأحقاد والبغضاء من القلوب.
- هو أمر فيه امتثال لأوامر الله سبحانه وتعالى.
- فيه راحة للنفس.[4]