تعريف الفطرة الإنسانية في القرآن الكريم

تعريف الفطرة

إن تعريف الفطرة لغة أي الخِلقة، أما الفطرة اصطلاحًا فمعناها أنها هي الطبع السوي وهي الجبلة السليمة التي خلقها

الله

سبحانه وتعالى في النفس البشرية، وقد قيل بأنها هي سنن الأنبياء.[1]

وإن مفهوم الفكرة كما يقول ابن منظور: “”وفطر الله الخلق يفطرهم: خلقهم وبدأهم، والفطرة: الابتداء والاختراع”، وعلى هذا الأساس اللغوي تم استناد الدكتور فريد الأنصاري في تعريفه للفطرة البشرية، فيقول: “الفطرة هي ذلك السر الكامن في قلب الروح، إنها الجوهر المكنون للخلق الإنساني، والسر المصون للوجود البشري، فهي أم اللطائف، ومرجع الأسرار في المعنى الوجودي لحقيقة الإنسان، بكمالها يكمل مفهوم الإنسان، وبنقصها ينقص معناه، وبانخرامها الكلي يخرج عن طبعه وحده إلى درك المعنى البهيمي لجنس الحيوان”، ويعرفها أيضاً بأنها هي: “الصورة النفسانية الأولى التي خلق الله عليها الإنسان، بما سواها عليه من توازن وكمال، أي قبل تدخل يد البشر العابثة فيها بالخرم والخدش”.[2]

ما هي الفطرة الإنسانية في القرآن الكريم

إن

القرآن الكريم

يؤكد أن الفطرة هي حقيقة متواجدة وتسكن النفس البشرية، حيث أنها هي منبع الدوافع الإنسانية، ونجد في القرآن الكريم كل آية تشير إلى العقيدة تكون في

الوقت

ذاته موجهة للفطرة الإنسانية، وقد أكد قرآننا الكريم أن الإنسان يستطيع إدراك الطيبات والخبائث ويتم ذلك عن طريق فطرته، حيث أن الفطرة ترضى بالطيبات والتي يرضاها

الإسلام

وأحلها الشرع، أما الخبائث فيرفضها الإنسان بفطرته وهي التي يرفضها الإسلام، حيث أن الله سبحانه وتعالى يؤكد أن المحللات تعود إلى الغريزة الفطرية البشرية، فيقول جل وعلا في سورة المائدة في الآية الرابعة: “يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ”، وقد

ورد

في السورة ذاتها في الآية الخامسة: “الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ”.

ونلتمس الروح الفطرية في التشريعات عندما يعترض القرآن الكريم على التحريم الذي يكون متزمتًا لأمور مختلفة، فيقول جل وعلا في كتابه العزيز في سورة الأعراف في آية 31 وآية 33: “يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ”، وقد ركز القرآن الكريم على الفطرة، فقد ورد في هذا الشأن في سورة

الروم

آية 30 قوله تعالى: “فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ”، ونجد في هذه الآية الكريمة أنها أكدت بأن الدين هو أمر فطري، فهي أمر ثابت لا يتغير.

وقد ورد بعد هذه الآية آيات فيها استدلال القرآن الكريم على عقيدة المعاد، وأنه من المستحيل أن يشارك المخلوق خالقه في الخلق أو في التدبير، ويتم الاستدلال به بشكل فطري بحيث يقبله المنطق السليم الفطري والفكر السليم، فقال الله عز وجل في سورة الروم آية 27 و 28: “وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ”، وهنا في هذه الآية الكريمة  نجد أنها تؤكد على أن العقل هو إرجاع للواقع الفطري السليم.

أسباب انحراف الفطرة الإنسانية

إن

أسباب انحراف الفطرة

الإنسانية تكون للأسباب التالية:



  • البيئة

    المنحرفة

    حيث أن الإنسان يتأثر بالبيئة المحيطة به ويؤثر بها، حيث أن هذا المحيط إما أن يساهم في أن يحافظ الإنسان على فطرته السلمية والمستقيمة، أو أن يكون عاملًا وسببًا في انحرافها، مثل

    العادات

    والتقاليد الفاسدة التي تصب في الجانب الاجتماعي والتي تكون منافية وغير مقبولة للشريعة الإسلامية، فقد قال الله تعالى في سورة الزخرف: “

    بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ

    “.

  • وساوس الشيطان

    حيث أن الشيطان يعمل جاهدًا ليسبب في انحراف الإنسان عن طريق وساوسه، ويعمل أيضًا على تزييين المعاصي والشهوات، فقال الله سبحانه وتعالى: “

    فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83

    )”.

  • الغفلة عن الله واتباع الهوى

    حيث أنه عندما ينغمس الإنسان في هذه

    الحياة

    ويجعل جُلّ طاقته في سبيل الدنيا يبتعد عن الله ويقع في الغفلة، وهي التي تكون من أسباب انحراف الفطرة السليمة، فقد قال الله تعالى في سورة الأعراف: “

    وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ

    “.[3]

أركان الفطرة

إن أركان الفطرة حسب التحديدات التي تم تحديدها من قبل الدكتور فريد الأنصار هي كالتالي:


الركن الأول

الإخلاص

مجاهدة

حيث أنه هو منبع الفطرية والأسس التي تستند عليها، بالإضاف ةغلى أنها هي محاولة لإعادة بناء النفس البشرية على فطرتها أي على ما خُلقِت عليه، فأول بناتها كانت مولدة على الفكرة، حيث أنه يجب المثابرة والمصابرة على الإخلاص، بالإضافة إلى مواجهة والابتعاد عن النفس الأمارة بالسوء والهوى.


الركن الثاني الآخرة غاية

حيث أن الآخرة هي بوصلة الإنسان التي تعمل على ضبط أعماله، حيث أن استحضار الآخرة الدائم يعمل على الوقاية من فتن الشهوات التي تعمل على تدمير الأخلاق وتفسد الدعوات.


الركن الثالث القرآن مدرسة

حتى تكون الفطرة البشرية صالحة لا بد من مدرسة متخصصة في هذا الأمر، وتتجلى هذه المدرسة في مدارسة القرآن الكريم، الذي فيه نجد الصلاح والإصلاح للفطرة الإنسانية، فهو الذي يصونها، ومن هذا المنطلق غدت الفطرية مدرسة قرآنية تقلدت المرتبة الأولى.


الركن الرابع الربانية برنامجًا

حيث أن الربانية هي منزلة عظيمة، فقد أمرنا الله بها في قوله العزيز في سورة آل عمران آية 15: “وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ”، والرباني هو الذي يربى بصغار العلم قبل كباره، وإن هدف برنامج الربانية هو إنشاء طبقة من الدعاة المربين وتخريجهم، بالإضافة إلى وجود أشخاص وفئة يحملون

رسالة

القرآن الكريم ويعملون بدعوة الناس أجمعين.


الركن الخامس العلم طريقة

حيث أنه يجب أن يكون هناك علم لتحقيق منهج الفطرية، لأنه يعتبر هو أساس الإصلاح والتطور والنهضة، فلا يوجد مكان للفطرية في اللأهوائية.


الركن السادس الحكمة

صبغة

حيث أن الحكمة في منهج الفطرية تتجلى باتخاذ إجراءات مناسبة وأن تكون في وقتها المناسب، وإن هذا الركن يكون جامعًأ لمقامي الفقه في الدين بالإضافة إلى العمل والتخلق بأخلاقه والسير على سيرورته.