مفهوم التدين ومقوماته ومظاهره

مفهوم التدين الحقيقي

التدين في لغة كلمة مشتقة من الدين، والدين يعني الطاعة والتسليم والخضوع والتذلل والعبودية، والتدين اصطلاحا يعني يعني التسليم لله عز وجل والتذلل لله والخضوع لكل تعاليمه وأوامره، وعرف

الإسلام

بهذا الاسم لأنه استسلام لله عز وجل وعبادته وطاعته.

يشترط في التدين استسلام

القلب

والجوارح وخضوعها لله عز وجل، فالتدين الواقعي والحقيقي يعني الالتزام للأوامر الشرعية كل كل أمور حياته، سواء كانت كبيرة أو صغيرة، فأصغر مرتبة من مراتب التدين هو التجمل ببعض من مظاهر التدين الخارجي فقط، إذ أن كثير من الناس يمارس التدين الشكلي أو ظاهري وهو مسك السبحة والتسبيح، الذهاب للصلاة في جماعة، والكثير من الأمور الدينية التي يمكن ملاحظتها الناس والتحدث عنها، ومعرفة أن هذا الشخص متدين أو ملتزم بتعاليم الدين الإسلامي[1].

مقومات التدين

هناك مجموعة من المقومات التي يرتكز عليها التدين، لكي يكون تدين المرء حقيقي، وتتمثل ركائز التدين في[2]:


  • النية الصادقة والخالصة لله عز وجل

يجب أن يكون كل عمل المؤمن من أجل

الله

عز وجل، فلا يجوز التدين الزائف أ الذي يشوبه الرياء وحب المدح من الناس، حيث إن التدين الباطني هو الحقيقي الذي يقوم به العبد بعيد عن أعين الناس من أجل الله عز وجل، أما التدين بهدف أعجاب الناس لا يؤجر عليه العبد سوى بالذنوب والمعاصي؟


  • العلم والحكمة

التدين الحقيقي هو التدين المرتكز على علم وحكمة، لكي يستطيع المسلم التميز بين الحق والباطل وبين المحرمات ويكون لديه قدرة كبيرة على أن يفطن ويميز بين التدين والتشدد، لاسيما أن كثيرا من الناس بات يخلط بين هذه المعاني الجميلة، فالتدين لا علاقة له بالتشدد، التدين كلما زاد في قلب المرء أصلحه، أما التشدد إذا دخل قلب مؤمن أفسده.


  • المواظبة والتدرج

يجب أن ينتقل الإنسان من مرحلة لأخرى تدريجياً، لكي تكون خطواته ثابته ورزينة، والمسلم دوماً واجب عليه التقرب لله عز وجل، لذلك يجب أن يكون هذا التقرب تدريجي، وعلى مراحل مختلفة، بمعنى عند إرادة التدين، يجب تطبيق كافة التعليمات المطلوبة في البداية، فيبدأ العبد بأركان الإسلام ثم يتدرج لأركان الإيمان والتعمق في الدين والتعرف على جوانبه العظيمة وأركانه السليمة، ويسير على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون قلب العبد كالطير مليء بالخير رقيق وحليم.


  • طلب التوفيق من الله

ما عمل لعبد في هذا الكون يتم إلا بتوفيق من الله عز وجل، وعون كريم منه، فالتوسل لله والاستعانة به من سلوك المؤمن، ووسيلة للتغلب على الصعاب، والمعاصي وشهوات القلب.

من حسن إسلام المرء وتدينه، أنه لا ييأس أبداً من رحمة الله عز وجل، مهما مر به من ظروف قاسية أو مشكلات كبيرة هو على يقين بأن الله سينجيه وسيخلصه من كل شر وكل مشكلة قد يتعرض لها، فالمؤمن المتدين لديه سكينة في قلبه تجاه أي أمر يمر به، يجعله دائما آمن مطمأن.


  • عدم الجهر بالمعاصي

المؤمن الحق لا يمكن أبداً أن يجاهر بالمعاصي، بل يكون خجل مما فعل، كما إنه يعلم أوامر الله في الستر على المعاصي وعدم المجاهرة بها، حيث من شأن المجاهرة بالمعاصي جعل الآخرين يجاهروا أيضا بها.

مظاهر التدين الحقيقي

قد يظن البعض أن مظاهر التدين تظهر في الوجه العابسة والسواك وإطلاق اللحية وتقصير الملابس، كما قد يراه البعض في الجهر بالأعمال الخيرية والصلاة في جماعة والسير مع الصالحين، ولكن التدين الحقيقي له مظاهر مختلفة عن التي يرسمها البعض، لأن في الواقع

محل

التدين الحقيقي القلب، ولا يمكن للناس أن ترى

القلوب

، ولكن سبحان الله الحي القيوم يمكن ما في القلب يكون ظاهراً للناس، لذلك تكمن مظاهر التدين الحقيقي في[3]:


  • حسن الخلق

المتدين هو ذو الخلق الحسن الذي لا يلفظ شراً، ولا يسعى بين الناس فساد، ولا يفشي سراً ولا يجهر بمعصية، المتدين الحقيقي هو من يكرم ضيفه، ويحسن قوله ويعدل بين الناس ويؤدي

الأمانة

ويصدق القول ويصل الأرحام، وينفذ مكارم الأخلاق كلها، إذ يقول الله عز وجل”أكْمَلُ المؤمنين إيمانًا أَحسنُهم خُلُقًا”.


  • بشوش الوجه

المتدين لا يعبث، فمن يعرف الله ورسوله، ويفكر في

الجنة

ونعيمها، ويحب كل الناس ويتمنى الخير للجميع لا يمكن أبداً أن يكون عبوس الوجه ولا حاد الطباع ولا يلفظ بكلمة إلا وهو يعلم أن هناك رقيب عتيد.


  • حسن معاملة الآخرين

على العبد المؤمن أن يحسن معاملة الغير، فلا يليق بعبد الله الذي يعرف الدين حق معرفة أن يعامل الناس بطريقة غير لائقة، ففي زمن الحروب والمعارك لم تفتح أندونيسيا بالحروب ولا السيوف، بل فتحها خلق التجار المسلمون الذين اشتهروا هناك بالخلق والأمانة فكانوا سبب في دخول الناس في دين الله أفواجاً.


  • الخشوع في الصلاة

لا خير فيمن يصلي بلسانه وجسده، فالصلاة تبدأ بالقلب وخشوع القلب وسعادة القلب بلقاء الله عز وجل، فالخير كله في القلوب العامرة بالإيمان المسلمة لله عز وجل.


  • حسن التوكل على الله


التشاؤم

والخوف من الغد والمستقبل ليست من صفات المؤمن، فالمؤمن المتدين هو من يخاف من الله عز وجل، ويتقرب من الله من خلال التوكل عليه والثقة في أن الله لا يضيعه أبداً.


  • العمل بوصايا القرآن والسنة

يقول الله عز وجل في كتابه العزيز في سورة المؤمنون”قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ،  وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ”.


  • تقبل الجميع

المتدين الذي يعرف دينه يقبل كل من حوله بكافة الأديان والأعراق والألوان والطبائع، لأنه يعلم أنهم خلق الله عز وجل، وأن الله هو الذي سيحاسبهم، كما أنه لا يعامل المخطئون أو العصاة بالتعالي بل يشفق عليهم ويقدم لهم النصيحة ويكون عون لهم على الإصلاح.

التدين المغشوش

بات الكثير من البشر يخلط بين التدين الخاص بالدين الإسلامي والعنف والتشدد، ببساطة أصبحوا يلخصوا التدين في إنه الإرهاب، في حين أن التدين الحق هو نبذ العنف والدعوة للمحبة والإخلاص والتسامح والحريات واحترام الآخر وتقبله مهما كان، ومن حسن إسلام العبد تركه ما يعنيه.

المسلم على مر العصور صورة طيبة، حاول البعض من الزنادقة والكفار تشويهها، فلم يذكر الإسلام أن الرسول أو صحابته الكرام كانوا متشددين فعن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال”لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متحزقين ولا متماوتين وكانوا يتناشدون الشعر في مجالسهم ويذكرون أمر جاهليتهم فإذا أريد أحد منهم على شيء من أمر الله دارت حماليق عينيه كأنه مجنون”.

جاء التشويه للدين الإسلامي وصورة المتدين، من اجل الزج بالدين الإسلامي وجعله هو المسؤول عن الانحراف الفكري، كما عمد على تشويه المتدين عموما لتخويف الناس منه وكأنه يسير بين الناس بالسيف، مع أن تعاليم الله واضحة، فيقول عز وجل لعباده”الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ” صدق الله العظيم، فالإسلام دين الحرية والعدالة والحب، والتدين هو عين الحرية والميل لله عز وجل ودينه وقرآنه وسنته، فالمتدين الحقيقي هو من يبصر الحق ويبتعد عن الباطل ويقدم النصح والإرشاد ويحب الجميع ويسير بين الناس بالمعروف والحسنى[4][5].