ظاهرة التفاخر في المجتمع السعودي المعاصر
ظاهرة التفاخر والتباهي في المملكة السعودية
إن بعض الشعوب تنتشر فيها ظاهرة التقليد بالإضافة إلى ظاهرة المحاكاة واللذان يعتبران من العوامل التي تؤثر في أنماط الاستهلاك، فالفرد يتأثر بمن حوله لهذا فمن الممكن أن يدفعه هذا التأثر إلى اقتناء سلع وخدمات غالية الثمن، ومن الممكن أن يقتنيها فقط بهدف محاكاة الجيران والأصدقاء والمجتمع الذي يحيط به من منطلق التفاخر والتباهي، وبالتالي أدى هذا الأمر إلى انتشار
ظاهرة الاستهلاك التفاخري
وخاصة في العوائل الغنية، وهذا الأمر زاد من طلب الدخل على
السلع
الكمالية غالية الثمن بهدف التفاخر لا بسبب الحاجة لها.
وإن هذا التفاخر والتباهي منتشر في المجتمعات المتقدمة بالإضافة إلى المجتمعات النامية وفي هذه الحالة يغدو التباهي ظاهرة في المجتمع وسبب هذا الانتشار هو التقليد
الأعمى
الذي يعتبر مرضاً اجتماعياً بحد ذاته، ويجب معالجته والقضاء عليه لأنه يسبب التخلف والفقر للبلاد وبالتالي يعمل على إهدار الموارد، ويعم الجهل في المجتمع وفي هذه الحالة يصعب تنفيذ أي خطط سياسية تنموية ويغدو المجتمع المعتاد على ظاهرة الترف والتباهي عائقاً للسياسات التنموية، لأنه ليس قادراً على أن يشارك ويتفاعل مع هذه الخطط، وقد تم انتشار هذه الظاهرة مؤخراً في المجتمعات الخليجية وقد ساهم في انتشارها هو:
- وجود الثروة النفطية مما أدى إلى الانفتاح الاقتصادي.
- كثرة تواجد المال، والانفتاح الاجتماعي.
- ومن الأمور الهامة التي سببت انتشارها هو غياب السياسات الاقتصادية التي يجب أن يتجلى دورها في تعزيز الانتاج والتحفيز لتطويره.
-
عدم وجود سياسات وخطط تعمل على معالجة والقضاء على هذه الظاهرة التي غدت من
العادات
المجتمعية السيئة التي تؤثر سلباً على المجتمع بأكمله.
فنجد أن هذه الظاهرة متواجدة أيضاً في المجتمع السعودي حيث أن وجود وسائل التواصل الاجتماعي قد شجع نشر مظاهر التفاخر وقد إن المجتمع يشعر بفقدان الخصوصية الثقافية ويعود السبب إلى انتشار وتواجد العولمة الجارفة، وإن الكثير من صور التفاخر قد أثرت سلباً على ثقافة المملكة السعودية وتقاليدها حيث أن المجتمع السعودي معروف بالكرم والضيافة، ولكن للأسف هناك الكثير من صور البذخ والإسراف في الأطعمة لهذا فقد أمر
الملك سلمان
بن عبد العزيز بعد رؤية انتشار هذه الظاهرة أن يتم تشكيل لجنة حكومية للعمل على الحد من هدر المصادر الغذائية، بالإضافة إلى نشر الوعي بين الناس لضرورة حفظ النعمة، وإن
الاستهلاك الترفي لدى الأسرة السعودية
يكون حجمه أكبر من المدخول الشهري، حيث أنه يؤثر سلباً ويسبب في إرهاق ميزانية الأسرة.
وقد أوضحت التقارير بعض
المعدل
ات في الإنفاق فتوصلت إلى أن المجتمع الخليجي ينفق على السلع الكمالية تقريباً حوالي أربعين بالمائة من المصاريف، بالإضافة إلى أن معدل إنفاقه على
الملابس
والكماليات في الشهر الواحد يقارب 1500 دولاراً، وفي المقابل إن المواطن في بريطانيا فإن معدل إنفاقه في الشهر الواحد على الملابس وهذه الكماليات المرتبطة بها تقريباً 120 دولاراً، والمشكلة الأكبر هو امتداد هذه الظاهرة إلى جوانب عديدة في المجتمع فلم تقتصر فقط على الملابس والأمور الشخصية بل شملت مراسيم
العزاء
والموائد التي تقدم فيها.
مقارنة تحليلية بين نمو الإنفاق الاستهلاكي بين السعودية والمعدلات العالمية
لقد تم إجراء بعض الدراسات على الإنفاق الاستهلاكي ما بين السعودية والمعدلات العالمية بالإضافة إلى تأصيل الاقتصاد الانتاجي، ورصد السلوك الادخاري السائد في المجتمع السعودي والمسلم، ونجد أن قيم الاستهلاك الترفي الخاص بالسعودية يزيد بمعدلات متزايدة حيث أن الاستهلاك الإنفاقي فقد تجلى في ما يقارب بــ 92 بليون دولاراً في عام 2006، وقد بقي في تزايد حتى وصل إلى 242 بليون دولاراً في عام 2014، وإن بالمقارنة ما بين معدل الولايات المتحدة ومعدل السعدية في الإنفاق الاستهلاكي فقد اتضح تذبذب المعدل المحلي وقد تجاوز المعدل العالمي الذي كان مستقراً في سنوات متتالية، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على أن المجتمع المسلم السعودي يتصف بالاستهلاك الترفي، وإن هذه المقارنة توضح ما يلي:
- إن معدل نمو الإنفاق الاستهلاكي يكون متغيراً في المملكة العربية السعودية ولكن في الولايات المتحدة يكون معدل النمو مستقراً.
- إن متوسط معدل النمو الاستهلاكي في السعودية حوالي 13 بالمائة، ولكن في الولايات لمتحدة فيبلغ حوالي 7 بالمائة، وبالمقارنة مع المعدل العالمي فقد بلغ حوالي 8 بالمائة.
- إن معدل الإنفاق الاستهلاكي قد ارتفع في بداية السبعينات في المملكة السعودية.
العوامل المؤثرة في الاستهلاك الترفي
إن الثقافة تعتبر من العوامل التي تؤثر على الاستهلاك الترفي ونجد أن سلوك استهلاك المجتمع الغربي تؤثر على الثقافة، ويجب أن يتم تكثيف الدراسات حول هذا الموضوع ومدى تأثير
القيم
وتطورها على النموذج الثقافي وبالتالي كيفية تأثيرها على التغير الاجتماعي وعلى الثقافة الاستهلاكية، وإن النموذج الاستهلاكي قد أثر على الأسرة مما أدى إلى الضغط الاجتماعي عليها وأجبرها على شراء المنتوجات الغير الضرورية أو غالية الثمن، بالإضافة إلى أن القيم الاجتماعية هو التي تؤثر تأثيراً مباشرة على الفرد وسلوكه، وإن الامتثال للقيم الاجتماعية تكون منتشرة في المجتمعات التقليدية، ونستخلص مما سبق العوامل التي تؤثر في الاستهلاك الترفي كما يلي:
- من العوامل هي انتماء الفرد الاجتماعي فهذا الانتماء له دور في زيادة أو قلة الاستهلاك.
-
إن
التعليم
هو من العوامل الهامة للحد من الاستهلاك الترفي بالإضافة إلى وجود برامج ترشيد الاستهلاك. - العوامل الثقافية التي تعمل على تطوير المستوى الثقافي والتمييز بين طبيعة واختلاف العادات والتقاليد.
- وجود المعتقدات الدينية وفهمها بشكل صحيح حيث أنها تساهم بشكل أساسي في ضبط الاستهلاك الترفي لأنه يكون ضمن ضوابط دينية معينة.
- إن المستوى التكنولوجي بالإضافة إلى المستوى الفني يؤثر على أنماط الاستهلاك بالإضافة إلى رفاهية الأفراد.
- إن الإنترنت والإعلام الإلكتروني وأيضاً وسائل التواصل الاجتماعي والترويج للسلع يعد من العوامل الرئيسية التي يؤثر على الاستهلاك الترفي.[1]
التفاخر في الإسلام
لقد نهى
الإسلام
التفاخر والتباهي في المال، حيث أن المُلك لله وحده فقد قال تعالى في سورة البقرة: “لِلهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ”، وإن
الله
سبحانه وتعالى هو الرزاق الذي رزق الإنسان، ففي سورة الأنعام آية 165 قال تعالى: “وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ”، أي فإن المال هو
اختبار
للبشر وامتحان حيث أن الغني سيُسأل عن ماله كيف حصل عليه وأين أنفقه، وقد قال رسولنا الكريم عليه
الصلاة
والسلام: “إنّ الدنيا حلوة خضرة، وإنّ الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون”، وقال عليه الصلاة والسلام أيضاً: “لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره في ما أفناه، وعن جسده في ما أبلاه، وعن علمه في ما عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفي ما أنفقه”، فلا يجوز للمسلم أن يفخر ويتباهى بماله وأن ينفقه بإسراف وفي الاستهلاك الترفي لأن الله هو الذي رزقه هذه النعمة وهو يتوجب عليه الشكر والحمد لله ثم صرفه في الوجوه المشروعة.