تحليل لوحة الفتاة ذات القرط اللؤلؤي
ما هي لوحة الفتاة ذات القرط اللؤلؤي
لوحة
الفتاة ذات القرط اللؤلؤي
واحدة من روائع الرسام الهولندي الشهير،
يوهانس فيرمير
، هي لوحة زيتية على قماش تجذب المشاهد بشكل مخيف و بواقعية معززة، وتعرض اللوحة نظرة مثيرة لفتاة صغيرة تتزين بعمامة زرقاء وذهبية، رسمها فيرمير في عام 1665 خلال فترة الباروك، الجزء العلوي من تمثال نصفي للفتاة على خلفية داكنة له تأثير ثلاثي الأبعاد يبرز مظهرها المتوهج.
في عصر فيرمير كانت اللوحات تعتبر حرفية بدلاً من الفن، كرّس فيرمير (الرسام الهولندي البارز في ذروته) حياته لتطوير حرفته، بحلول عام 1665 عندما تم رسم الفتاة ذات القرط اللؤلؤي، بدأ فيرمير في تصوير
النساء
مما يدل على اهتمام عميق بأدوارهم الاجتماعية والثقافية، حيث يُعتقد أن موضوع هذه اللوحة هو ابنة فيرمير “ماريا”.[1]
وصف لوحة الفتاة ذات القرط اللؤلؤي
هذة اللوحة لسيدة شابة أو فتاة صغيرة ورأسها متجه نحو المتفرج، تم رسم ملفها الشخصي على خلفية سوداء تبرز ألوان وجهها وملابسها، يبدو أنها من أصل أوروبي وهو ما يعتقد على الأرجح لأن الرسام هولندي، نظرتها ثابتة على المشاهد أو ما وراءه أو ما وراءها هي لكن نظرتها ليست صارمة ولكنها ناعمة، مما يجعلها تبدو وكأنها ستنظر بعيداً في أي لحظة أثناء نظرنا إليها، من الصعب
تحديد
ما إذا كنا مهتمين بها، أو ما إذا كان هذا هو ما كانت تنظر إليه في تلك اللحظة أثناء رسمها، الوضع الذي تتخذه ليس وضع هادف لكنه يحمل جواً من الواقع والطبيعية.[2]
تحليل اللوحة الشهيرة الفتاة ذات القرط اللؤلؤي
يؤدي تحليل الأعمال الفنية وتفكيكها إلى ألوان وأبعاد ونسيج وتقنيات إلى ترشيد العملية وإزالة التأثيرات العاطفية والجمالية الفورية للرسم، إنه يزيل الغموض والعجائب التي تحيط باللوحة، و يختزلها إلى عناصر وعوامل منطقية مختلفة، حيث يعتبر الفصل بين الشكل والمحتوى خاطئاً فالعمل الفني هو قطعة كاملة في حد ذاته، ولا يعد تكتلاً لأشكال وعناصر مختلفة عندما يكتمل ولكنه عمل إبداعي في حد ذاته، ومع ذلك من المهم تحليل ونقد اللوحة لأشكال منطقية، فهي في بعض الأحيان واحدة من أكثر الطرق قيمة لتجربة اللوحة على الإطلاق.
إن الفتاة في اللوحة ترتدي شيئاً بنياً ربما معطفاً، يغطي كتفيها ورقبتها والقميص الأبيض الذي ترتديه تحته يضفي لمسة من
الرقي
على ملابسها، ومع ذلك فإن اللون البني ليس بنياً غنياً وعميقاً ولكنه بني خشبي بسيط، مما يشير إلى أنها قد تكون من أسرة من الطبقة المتوسطة، وغطاء الرأس أزرق و أصفر باهت ويغطي شعرها بالكامل، من الصعب تحديد لون شعرها بسبب الغطاء، وحاجبيها فاتحة جداً و يتناسبان مع لون بشرتها الفاتح جداً، إنها ترتدي ألوان الطبيعة مما يوحي بتواضع شخصيتها، ربما تحب الطبيعة أو تعمل حول الطبيعة ومن ثم ترتدي
الألوان
التي يبدو أنها تعكس محيطها، قد يمثل اللون البني التربة، بينما يمثل اللون الأبيض درجة نقاء معينة أو تجديد
الحياة
في الزهور البيضاء، اللونين
الأزرق
والأصفر يرددان ألوان السماء التي قد تعمل تحتها أو عناصر الأرض التي تهتم بها.[3]
إن إضاءة هذه اللوحة معبرة للغاية ويمكن تفسيرها بعدد من الطرق المثيرة للاهتمام، حيث يتساءل الكثير من أين يأتي هذا الضوء الذي يصيب وجهها ولماذا لا يضيء في الخلفية شيء، في انعكاس عينيها، وفي حلقها المصنوع من اللؤلؤ، حيث يمكن رؤية أن هناك زاوية للضوء الذي ينير وجهها، وليس من الأمام مباشرة بل قليلاً إلى اليسار، ليس من قبيل المصادفة أن صورة وجهها مائلة بشكل صحيح للضوء، إنها تتجه نحو ذلك الضوء، وتوقفت عن
النظر
إلى الوراء.
يتناقض الظلام في الخلفية بشدة مع ألوان وجهها والعواطف التي تعبر عنها بمهارة وألوان ملابسها، وهكذا تحمل الخلفية إحساساً مروعاً، كآبة تحيط بهذه الفتاة ويبدو هروبها نحو النور، ويثير ذلك أذهان الكثير هل ماتت هذه الفتاة وهل تعطي هذا
العالم
والحياة التي تركتها وراءها نظرة أخيرة قبل أن تصعد إلى الجنة؟، إذا كان الأمر كذلك فإن الخلفية المظلمة قد توحي بالفساد والفسق الدنيوي الذي يحيط بنا، مما يجعل هذه اللوحة مسيحية للغاية.
يمكن أن تواجه خياراً، بين الذهاب نحو النور أو أن يلفها الظلام، بما أن مصدر النور غامض، فإنه يردد صدى الإيمان
الأعمى
المطلوب للإيمان بالله، حيث لا يمكننا رؤيته، وقد تكون نظرتها انعكاساً لخيارات مماثلة يتعين علينا القيام بها في حياتنا، سواء كنا نؤمن بالله أم لا، ونظراتها المنتظرة والحزينة تحمل هذا الصراع، مما جعل هذه اللوحة مسيحية للغاية، حيث أنه يمكن أن تواجه خياراً بين الذهاب نحو النور أو أن يلفها الظلام، بما أن مصدر النور غامض، فإنه يردد صدى الإيمان الأعمى المطلوب للإيمان بالله، حيث لا يمكننا رؤيته.
ومع ذلك فإن صحة كل تفسير للرسم تقريباً تستند إلى التفسير الأولي لتعبيرات وجهها، يبدو
تعبير
ها حزيناً أو متأملاً، ربما كانت تتوقع أو تخشى مكالمة شخصاً كان على وشك الاتصال بها ونظرت إلى الوراء بخيبة أمل معينة أو خوف أو فزع من أن ما كان يزعجها قد ينهار بالفعل، لكن لأنها تنظر إلينا، ربما تكون خاب أملها فينا، أو أنها تخاف منا.[5]
إن افتقارها للتجاعيد أو خطوط التوتر يمثل براءة وسذاجة ، لذلك ربما كان هناك شيء ما قد أصابها بالندوب، وهذه اللحظة هي المرة الأولى التي تعاني فيها من القلق، ومع ذلك فإن
النضج
في وجهها، والحزن الذي تتشكل منه ملامح عينيها، يدلان على نوع مختلف تماماً من الفتاة، التي عانت كثيراً وتحزن بسبب الفساد الذي تراه، اللمعان في عينيها يجعلها تبدو وكأنها على وشك البكاء، و تبدو شفتاها مفتوحتان وكأنها على وشك أن تقول شيئاً ما أو تريد أن تقول شيئًا لكن الشفتين المفترقتين هي تعبير في حد ذاته وقد تشعر بذلك في حد ذاتها.
قد يكون الأمر كذلك أن شيئاً ما قد لفت انتباهها فجأة، وقد نظرت إلى الوراء، ليس بطريقة مفاجأة بل توقع، مرة أخرى من الصعب أن نفوت الشعور الحزين في وجهها والنظرة الشديدة التي تزداد قوة كلما نظرنا إليها، إنها تنظر إلينا إلى الوراء، أو ربما أقل، في قلوبنا، تنظر مباشرة إلى روحنا، عواطفنا، وخطايانا، وذنبنا، وحريتنا وأوهامنا المتعلقة بالخصوصية كلها مشبعة و تمتصه نظرة واحدة منها، لكن ربما كانت نظرة خيبة أملها هي في الواقع نظرة قلق، وفي هذه الحالة هي في الواقع تهتم بمساعدتنا، لتجعلنا نرى أنفسنا وفي هذا إصلاح أنفسنا، أو التوبة.
تحليل حلق اللؤلؤ في اللوحة الفتاة القؤط اللؤلؤي
من المهم مناقشة حلق اللؤلؤ الخاص بالفتاة في اللوحة بعد كل شيء، هو مذكور في عنوان اللوحة وهو عادة ما يكون أول ما يلاحظه الناس بعد ملاحظة عيني الفتاة، ويثير العقول هل هي الفتاة ذات القرط اللؤلؤي لأننا لا نستطيع رؤية سوى جانب واحد منها، ولذا فهذه هي حقيقة شخصيتها بالنسبة لنا، قد يقترح فيرمير أن الواقع شخصي، وأياً كانت الزاوية التي نراها للفتاة هي ما هو حقيقي بالنسبة لنا، لذلك لا يهم إذا قيل لنا إنها ترتدي حلق آخر، لأننا نرى واحداً فقط.
يبدو أن حلقها على شكل دمعة، لكن ضربات اللوحة توحي بأنها قرط ثقيل إلى حد ما، هل تتلخص حياتها في دمعة واحدة يجب أن ترتديها كنوع من الزينة لشخصيتها، ويمكن أن يشير شكل حلق اللؤلؤ أيضاً إلى طبقة اجتماعية، ربما تكون في الواقع من طبقة أعلى لكنها تختار أن تعيش بتواضع لا يوجد جو من الثراء عنها، على الرغم من أن هناك بالتأكيد الكثير من
الأناقة
في كيانها.
تساهم عيناها المستديرة والعميقة وشفتاها المنفصلة وبشرتها الناعمة والتوهج على وجهها في أناقة ملفها الشخصي، ربما كانت ترتدي الشيء الوحيد الذي يخبرنا بثروتها، وفي هذه الحالة فإن قرط اللؤلؤ يدل على غناها لا حزنها، هذا لا يعني أنه لا يمكن أن يكون كلاهما بالطبع.
جانب آخر مثير للاهتمام من قرطها هو موقعه، لا يبدو أنها مرتبطة بها ولكنها معلقة بالقرب من أذنها، إنه يشير إلى نوع من تدفق الحزن، نوع من الحرية التي لا تزال مرتبطة بثنايا البؤس، ومع ذلك فإن الانفصال بين الآلام التي تعاني منها وألوان حياتها، فهي لا تحب أن تحمل هذه الأحزان معها، لكنها دائماً موجودة على كتفها، ولا تنسى أبداً، ومع ذلك قد يتعارض العنوان مع هذا التفسير، لأنه إذا كان هناك مثل هذا الانفصال، فيمكن أن يُطلق عليه اسم الفتاة وحلق اللؤلؤ، بدلاً من الفتاة ذات حلق اللؤلؤ، يشير الاقتران إلى أنها معها وليس بدونها.[4]