هل الصبر على أذى الناس ضعف في الشخصية
هل الصبر على أذى الناس هو ضعف شخصية أم لا
أن يتحلى الإنسان بحسن الخلق ليس بالأمر اليسير ولا يتحقق إلا بجهاد النفس وجهاد الهوى، وإن لو كل امرئ قد عمل على إطلاق العنان لنفسه واتبع هواه، ولم يقم بإظهار الاحترام للناس، ولم يردعه دين لرأينا أننا في عالم تعمه
الفوضى
وكثرت مشاكله وخلافاته.
وإن هناك صفتين يحبهما الرسول عليه
الصلاة
والسلام وتتجليان في الحلم والأناة، فالصبر على أذى الناس وعدم الرد عليه هو من الصفات الجميلة، وليس بالسهل تركها، بالإضافة إلى أن ترك الجدال والمراء هما من الصفات الحميدة، فقد قال رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام: “أنا زعيم بيت في ربض
الجنة
لمن ترك المراء وإن كان محقاً” وفي الحديث الآخر: “من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه
الله
على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما شاء”.
فهنا
السؤال
المطروح هو هل ترك الجدال يشير إلى ضعف في الشخصية؟
،
وهنا نجد أنه بالعكس تماماً،
حيث أنه من رفع صوته وكثر لغطه قل قدره، وفي هذه الحالة نجد أن الناس تبتعد عن الإنسان الذي يتصف بصفة رفع الصوت واللغط ليس احتراماً له أو لعزته بل يبتعدون عنه بسبب سوء خلقه وخشية فحش لسانه، حيث أننا نجد في زمن فرعون كان الناس يخشون منه لبطشه وجبروته وليس لقوة شخصيته وعزته، فالصبر على أذى الناس يدل على الحكمة في التصرف بل فيه
قوة الشخصية
والثقة بالنفس، فعدم الجدال يدل على الثقة بالنفس حيث أنه يبتعد عن النقاش ويجنب نفسه في أن يضع نفسه في محط الإثبات وإظهار الأدلة والبراهين.
فإن ترك الجدل يكون امتثالاً لقول الله سبحانه وتعالى: “وإذا مروا باللغو مروا كراما” وقوله: “وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما”، وإن رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام قد صبر على أذى قومه ليس بسبب ضعفه، حيث أن كان الله سبحانه وتعالى يرسل جبريل عليه
السلام
إلي رسولنا محمد ليقول له أنه يريد أن يطبق عليهم الجبلين، ولكن كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول: “اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون”، وكذلك في صلح الحديبية صبر ووافق على شروطهم، وإن كان ظاهرها ذلة وضعفاً للمسلمين، فصبر صلى الله عليه وسلم وظفر، جعلنا الله وإياك من أتباعه”.[1]
الصبر على أذى الناس
على المسلم أن يصبر على أذى الناس وأن يتحمل إساءة الآخرين، وأن يترك الرد على الإساءة بهدف مرضاة الله سبحانه وتعالى،حيث أن للصبر أقسام ثلاث:
-
الصبر على الطاعات حيث أن العبد يحتاج إلى
الصبر
على الطاعات بسبب نفور النفس من التكليف بطبيعتها. - الصبر عن المعاصي حيث أن النفس أمارة بالسوء فيجب كبحها وتوجيهها.
-
الصبر على المصائب وتتنوع المصائب فمنها موت
الأحبة
أو هلاك الأموال، أو من الممكن أن تكون المصيبة بزوال الصحة، وإن من أعلى مراتب هذا الباب هو الصبر على أذى الناس وخاصة في شهر رمضان، فقد قال الله تعالى في سورة آل عمران:
“وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ”،
وقلا لنبيه
:
“
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ”.
-
وقد قال الرسول الكريم عن المصيبة التي تصيب المسلم : “
ما يصيب المسلم من وصب ولا نصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم -حتى الشوكة يشاكها-؛ إلا كفّر بها من خطاياه
[رواه البخاري”وإن أذى الناس يعتبر من المصائب التي تحتاج إلى صبر، ولهذا هناك
فضل كف الآذى عن الناس
، وإذا أردنا الوقوف قليلاً عند سيرة النبي عليه الصلاة والسلام نجد أنه تعرض للسب فصبر وسُجن فصبر ، ثم طردوه وأخرجوه من أرضه وظل صابراً امتثالاً لأوامر الله: “فَصَبْرٌ جَمِيلٌ”، وقال تعالى في سورة ق آية 39: “فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ”، وعلى هذا المنهج قد سار صحابة رسولنا الكريم رضي الله عنهم ثم التابعين.[2]
كيف تتجنب أذى الناس
إن تجنب أذى الناس يكون بحسن الخلق، بالإضافة إلى دفع السيئة بالحسنة والصبر على آذاهم، وعلى العبد أن يستعن بالله، وأن يتحمل الأذى والصبر وأن يعلم أن الانتقام لا يكسب إلا الذل حتى لو بعد حين، بينما من سلك طريق العفو سلك طريق العزة ومن يظن أن سيحصل على العز بانتقامه وأنه سيحفظ له حقه أمام الناس ويبقي على كرامته، يكون قد اشتبهت عليه الأمور وفكر في الطريق الخاطئ حيث أن العز الذي يكسبه الإنسان بالعفو يكون أنفع لصاحبه من العز الحاصل له عن طريق الانتقام، حيث ان عز الانتقام يكون دنيوي عاجل وظاهر ولكنه في
الوقت
نفسه فهو يورث باطنياً الذل، أما العفو فقد يعد في الظاهر ذلاً، إلا أنه يعطي عزاً باطناً وظاهراً حتى لو بعد حين، وهذا ما تم ذكره في
القرآن الكريم
حيث أن الله سبحانه وتعالى قال : “اِدفَعْ بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَينَكَ وَبَينَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَليٌّ حَمِيمٌ”.
وقد قال رسولنا الكريم عليه الصلاة السلام: “وَمَا زَادَ اللهُ عَبدًا بِعَفوٍ إِلاَّ عِزًّا “، رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ، وَقَالَ: ” وَلا ظُلِمَ عَبدٌ مَظلَمَةً فَصَبَرَ عَلَيهَا إِلاَّ زَادَهُ اللهُ عِزًّا “، رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ، فإن المؤمن الذي ينظر بنور الله ويرجوه، ويتحلى بنظراً أدق وتفكيراً عميقاً يرى أن المعاملة الصحيحة للآخرين هي أن يكون على معرفة كاملة أن الجزاء من جنس العمل، وأنه بقدر ما يعفو عن الناس فإن الله يعفو عنه، وإن غفر لهم فإن الله يغفر له، فنجد أن في
قصة
أبي بكر
الصديق
رضي الله عنه عندما حلق ألا يُنفق على ابن عمه عندما خاض مع الخائضين وتحدث عن السيدة عائشة في عرضها، قد أنزل الله سبحانه تعالى الآية الكريمة: “وَلا يَأتَلِ أُولُو الفَضلِ مِنكُم وَالسَّعَةِ أَن يُؤتُوا أُولي القُربى وَالمَسَاكِينَ وَالمُهَاجِرِينَ في سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعفُوا وَلْيَصفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغفِرَ اللهُ لَكُم وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ”.[3]
هل أذى الناس ابتلاء
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:”المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم “، فمن الممكن أن يتعرض الإنسان للأذى من الجيران والأقارب ومن الممكن أن يصل إلى حد الظلم، ولكنه إن صبر واحتسب فله الأجر من الله، فالصبر على أذى الناس هو عزائم الأمور وهو من علامات صوة الإيمان، فقد قال الله سبحانه وتعالى في سورة الشورى: “وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُور”.
وفي سنن الترمذي ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الْمُسْلِمُ إِذَا كَانَ مُخَالِطًا للنَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ، خَيْرٌ مِنَ الْمُسْلمِ الَّذِي لاَ يُخَالِطُّ النَّاسَ، وَلا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ”،وقال تعالى:”وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراًجَمِيلاً”المزمل، وفي سنن ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: “مَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَهُوَ يَقْدِر عَلَى أَنْ يَنْتَصِرْ دَعَاهُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى رُؤوسِ الْخَلاَئِقِ حَتّى يُخْيّرَهُ فِي حُورِ الْعِينِ أَيَتُهنَّ شَاءَ”، وحسنه الألباني، فإن الضيق والابتلاء الذي يصيب الإنسان إذا احتسبه لوجه الله تعالى له الأجر والثواب وإن هذا الصبر يكون تطهيراً له من الذنوب وتكفيراً للسيئات، وهنا نجد أن أذى الناس هو ابتلاء فمنهم من ينجح فيه ويكسب الأجر والثواب.