شرح حديث خير الصدقة عن ظهر غنى
معنى حديث خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى
إن شرائع
الإسلام
كلها جاءت وسطاً فكانت ما بين الإفراط والتفريط، ومن هذه الشرائع
الصدقة
فأفضل الصدقة كما جاء عن رسولنا الكريم أنها هي ما يتم إخراجها من قبل الإنسان من ماله بعد القيام بحقوق النفس والعيال، بحيث أن المتصدق لا يغدو محتاجاً بعد إخراج صدقته، فهذه الصدقة هي التي تكون عن ظهر غنى، فقد جاء في السنة النبوية الشريفة أن رسول
الله
صلى الله عليه وسلم يقول:
” أفضل الصدقة أو خير الصدقة عن ظهر غنى، واليد العليا خير من
اليد
السفلى، وابدأ بمن تعول”
، متفق عليه، وإن شرح حديث خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى كالتالي:
-
قال النووي:
قوله صلى الله عليه وسلم (وخير الصدقة عن ظهر غنى) معناه أن أفضل الصدقة التي يكون صاحبها بعدها مستغنياً بما بقي معه، وفي تقديره أن أفضل الصدقة هي التي تبقي صاحبها في غنى يعتمده ويستظهر به على حاجاته ومصالحه، وهذه الصدقة تكون أفضل من الصدقة التي يتصدق صاحبها بكل ماله، لأنه من تصدق بماله كله سيندم لأنه سيحتاج فيما بعد، وهذا بخلاف من يتصدق بجزء من ماله فهي يبقى مستغنياً من بعدها ويسر بها.
-
وإن فتح الباري قد شرح
معنى
هذا الحديث الشريف بأنه من أفضل الصدقات هي التي تقع بعد القيام بحقوق النفس وحقوق العيال بحيث أن المتصدق لا يحتاج لأحد بعد صدقته، ويتجلى معنى الغنى هنا في هذا الحديث هو حصول ما تدفع به الحاجة مثل
الأكل
عند الجوع بالإضاف ةإلى ستر العورة والحاجة إلى ما يدفع به لدرء الأذى عن النفس، وإن التصدق بالمال كله لا يجوز فهو هنا ليس بمعنى
الإيثار
بل هو يحرم، لأنه إذا آثر غيره به عن نفسه أدى إلى إهلاكها والإضرار بها، وهنا تكون مراعاة النفس أولى، فعندما تسقط هذه الواجبات يصح الإيثار في هذه الحالة، وكانت صدقته هي الأفضل. -
وعن
أبي هريرة
رضي الله عنه قال: “
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجراً؟ قال: أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان”
، متفق عليه..
وفي رواية
لمسلم
:
“أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل البقاء”
،
ومعنى: (تأمل الغنى) في
“مرعاة المفاتيح للمباركفوري”
:
أي ترجوه وتطمع فيه يعني وتقول اترك مالك في بيتك لتكون غنياً ويكون لك عز عند الناس بسبب غناك
. -
قال ابن بطال وغيره: “
لما كان الشح غالباً في الصحة فالسماح فيه بالصدقة أصدق في النية وأعظم للأجر، بخلاف من يئس من الحياة، ورأى مصير المال لغيره
“،
فتح الباري لابن حجر.[1]
خير الصدقة على الأهل
نلاحظ أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى بقوله: “وابدأ بمن تعول”، فهذا يدل على أن النفقة على الأهل تعتبر أفضل من الصدقة حيث أن الصدقة هي تطوع، بينما النفقة على الأهل تعبتر فريضة، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على التربية النبوية التي علمنا إياها رسولنا الكريم، بالإضافة إلى ترتيب الأولويات في النفقة حتى يستطيع أن يكفي المرء أهله، ثم بعد ذلك يستطيع أن يتصدق عن ظهر غنى، وإن في هذا الحديث الشريف قد تم تقديم نفقة المرء لنفسه وعياله لأنها تنحصر فيه، وعلى الإنسان ألا يتصدق بكل ما يملك وإنما بجزء منه، ويجب ترتيب الأولويات والابتداء بالمهم فالأهم في الأمور الشرعية، وإن نفقة الفرد على أهله ومن يعولهم تُحتسب صدقة إذا كانت نية الإنسان ذلك.[2]
معنى كلمة ظهر غنى
ورد في السنة النبوية الشريفة أن النبي عليه
الصلاة
والسلام قال : “الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفُّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ”، ونجد معنى الصدقة عن ظهر غنى أن أفضل الصدقة هي التي تبقي صاحبها بعدها مستغنياً بالشيء الذي تبقى معه، وإن أفضل الصدقة هو ما وقع بعد أن تم القيام بحقوق النفس والعيال، فيتجلى معنى الغنى في هذا الحديث الشريف أنه هو الحصول ما تدفع به الحاجة الضرورية مثل الأكل وستر العورة وغيرها.
أما قول الرسول عليه الصلاة والسلام: “وَمَنْ يَسْتَعْفِفِ يُعِفُّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ”، فهاتين الجملتين تعتبران جملتين متلازمتين مع بعضهما البعض، حيث أن كمال العبد يتجلى في إخلاصه لربه رغبة ورهبة بالإضافة إلى تعلقه، فعلى الفرد أن يسعى لتحقيق هذا الكمال، ليغدو عبداً لله حراً من رق المخلوقين، وعليه أن يجاهد نفسه على شيئين اثنين وهما:
-
الأمر الأول
يتجلى في انصراف النفس عن
التعلق
بالبشر أو المخلوقين ويتم ذلك بالاستعفاف عن الأشياء التي تكون في أيديهم، فلا يطلبه بمقاله ولا يطلبه بلسان حاله، ولهذا قال رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام لعمر: “مَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا المالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ، وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ”، فقد قطع النبي الإشراف في
القلب
والسؤال باللسان بقصد التعفف والترفع عن منن البشر والمخلوقين، والبعد عن تعلق القلب بهم لأنه سبب قوي للوصول إلى العفة، ولهذا يجب عليه أن يجاهد نفسه في هذا الجانب. -
الأمر الثاني
يتجلى في الاستغناء بالله سبحانه وتعالى والثقة بكفايته، فمن يتوكل عليه فهو حسبه، فمن استعف عن الأمور الموجودة في أيدي الناس، فهذا الأمر يزيد من علاقة العبد بربه ورجاؤه، بالإضافة إلى طمع المسلم بفضل الله وإحسانه، ويحسن الظن بربه ويثق به، ونجد أن هذين الأمرين يتصلان ببعضهما فالواحد يقوي الثاني وبالعكس، فكلما قوي تعلقه بالله عز وجل فسيؤدي إلى ضعف تعلقه بالبشر والمخلوقين وبالعكس.[3]
أحاديث عن الصدقة
لقد
ورد
الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة التي تتحدث عن الصدقة وقد تطرق رسولنا الكريم إلى أشكال الصدقة المختلفة والمتعددة، ففي هذا المقال سنتطرق إلى الأحاديث النبوية الشريفة عن الصدقة وهي:
-
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((
كل سُلَامَى من الناس عليه صدقةٌ، كل يومٍ تطلع فيه الشمس: تعدل بين اثنين صدقةٌ، وتعين
الرجل
في دابته فتحمله عليها أو ترفع له متاعه صدقةٌ، والكلمة الطيبة صدقةٌ، وبكل خطوةٍ تمشيها إلى الصلاة صدقةٌ، وتميط الأذى عن الطريق صدقةٌ
))، رواه البخاري ومسلم. -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”
إن الصدقة لتطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء”.
-
قال صلى الله عليه وسلم:
“إذا مات ابن
آدم
انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له”.
-
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(كُلُّ امْرِئٍ في ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ).
-
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(فاتقوا النار ولو بشق تمرة).
-
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (
قال الله : أَنْفِق يا ابن آدم أُنْفِق عليك
) رواه البخاري ومسلم . -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “
مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ
“.