مفهوم التآلف والتشاور لغة واصطلاحا
مفهوم التشاور لغة واصطلاحاً
إن مفهوم التشاور لغة
أي أشار إليه أو لجأ إليه بالرأي، وهو إشراك أهل الرأي السديد في اتخاذ القرار،
أما اصطلاحاً
فهو طلب الرأي من أهله، حتى يصل إلى الرأي المناسب الذي يكون صائباً، ، وإن
معنى
التشاور يتجلى في أنه هو المشاورة والحوار مع الأشخاص الموجودين في المحيط الاجتماعي أو في المحيط العملي، وإن التشاور يكون في مختلف أمور الحياة.
وإن الباحثون قد عرفها بتعاريف متعددة، فقد عرفها الدكتور محمد عبد القادر بأن الشورى هي تقليب الآراء المختلفة بالإضافة إلى وجهات
النظر
التي يتم طرحها في قضية من القضايا، بالإضافة إلى أنها تخضع إلى الاختبار من أصحاب العقول للوصول إلى الصواب، أو للوصول إلى أصوب الآراء وأحسنها حتى يتم تحقيق أفضل النتائج، فالتشاور هو طلب رأي الآخرين أو هو التبادل في الآراء حول موضوع محدد، وقد حثنا الدين الإسلامي على نهج واعتماد هذا الأسلوب حتى يتم العثور على حلول مجدية للقضايا المطروحة، وإن التشاور والشورى لها أثر إيجابي كبير في وحدة المجتمع، فهي تمكن كل فرد أن يستفيد من خبرات وتجارب الآخرين، ويبتعد عن التعصب والتمسك بالرأي.
مفهوم التآلف لغة واصطلاحاً
إن مفهوم التآلف لغة
هو التحابب والمعرفة وما هو مألوف، وهو الانسجام والتعايش مع الآخرين، ويقال ألفته إلفاً، وألفته أنست به، ومعناه لزمته وأحببته، وإن اسم الأُلفة بالضم وهو اسم من الائتلاف وهو الالتئام والاجتماع، فنقول ألَّفتُ بينهم تأليفاً أي جمعت بينهم بعد تفرق،
أما معنى الأُلفة أو التآلف اصطلاح
اً فهو اتفاق الآراء في المعاونة على تدبير المعاش.[1]
مفهوم التفاوض
إن مفهوم التفاوض لغة
هو من الفوض أي معناه رد الأمر وأوكله، ويقال فاوضه مفاوضة أي تم التبادل في الرأي بهدف الوصول إلى تسوية محددة واتفاق ما بين الطرفين،
أما مفهوم التفاوض اصطلاحاً
فيتجلى معناه بأنه هو الأسلوب المتبع لحل النزاعات بالإضافة إلى أنه يعمل على تسوية الصراعات ما بين طرفين مختلفين، وتكون هذه الصراعات حول قضايا مقعدة وتدخل في المصالح المادية بالسيادة والنفوذ مع قضايا الهوية والكرامة، بالإضافة إلى قضايا العقيدة والقناعات.
فوائد التآلف والتشاور
فوائد التشاور
إن ابن العربي يقول إن المشاورة والتشاور هو أصل الدين، وهو سُنة
الله
في العالمين، وكان يقال: “مَنْ أعطي أربعاً لم يمنع أربعاً: مَنْ أعطي الشكر لم يمنع المزيد، ومَنْ أعطي
التوبة
لم يمنع القبول، ومَنْ أعطي الاستخارة لم يمنع الخبرة، ومَنْ أعطي المشورة لم يمنع الصواب”، ويقول العلماء: “من استشار أهل العقول أدرك المأمول”، ويقول الماوردي في كتابه “أدب الدنيا والدين”: “اعلم أنَّ من الحزم لكل ذي لُب، ألا يُبرم أمراً ولا يُمضي عزماً إلا بمشورة ذي الرأي الناصح، ومطالعة ذي العقل الراجح، فإن الله تعالى أمر بالمشورة نبيه صلى الله عليه وسلم، مع ما تكفل به من إرشاده، ووعد به من تأييده”، وتكمن أهمية وفوائد التشاور في حياة الإنسان في:
-
تفيد باتباع القرآن والسنة، حيث أن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو قدوة المسلمين أجمعين قد أمره الله سبحانه وتعالى بالاستشارة، وقد تم ذكر الشورى في
القرآن الكريم
في قوله تعالى: “وأمرهم شورى بينهم”، فبالاستشارة نكون قد اتبعنا آثار النبي عليه
الصلاة
والسلام ونكسب الآجر لامتثالنا أوامر الله سبحانه وتعالى. - إن الشورى أمر من عند الله سبحانه وتعالى فهي تجلب العبادة والطاعة لله، وقد جاءت تم ذكرها في آيات عديدة من القرآن الكريم، وهناك سورة اسمها الشورى.
- استنباط الصواب.
- اكتساب الرأي حيث أنه في طلب آراء الآخرين ومشورتهم اكتساب لآراء جديدة، بالإضافة إلى الحصول على خبرات عديدة وتوسع المدارك، وتعمل على زيادة الخبرة.
- يتم التحصن من الخطأ حيث أنه عند الاطلاع على تجارب الآخرين يتم معرفة الصواب والخطأ، وقد قال الحكيم لابنه: “شاور من جرَّب الأمور”.
- يتجنب الإنسان الملام حيث أن الملام يكون قريباً من الشخص الذي يعمل لوحده ويجتهد دون أن يستشير أحداً، وهذا ما يقصده الأعرابي في قوله: ما غُبنت قط حتى يُغبن قومي. قيل: وكيف ذلك؟ قال: لا أفعل شيئاً حتى أشاورهم”.
- ينجو من الندم حيث أنه في التأني السلامة وفي العجلة الندامة، فالمشورة هنا تتجلى في التأني، أما الانفراد بالرأي وعدم الأخذ بالمشورة فهي من العجلة.
-
تعمل المشورة والتشاور على تأليف
القلوب
، وهذه الخاصية كانت تظهر في
مدح
الأنصار الذي كانت علاقتهم قائمة على الشورى حتى يكونوا على قلب واحد، وإن الله سبحانه وتعالى قد أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بالمشورة حتى يؤلف بين القلوب وتطيب النفوس.[2]
فوائد التآلف
إن الألفة والمحبة تجمع بين الأئمة الأربعة مع وجود الخلاف ولكن قد نبذوا في
الوقت
نفسه التعصب الذي كان مذموماً، وعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال : سمعت رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يقول : «خِيَارُ أَئمَتكُمْ الَّذينَ تُحِبُّونهُم ويُحبُّونكُم، وتُصَلُّونَ علَيْهِم ويُصَلُّونَ علَيْكُمْ، وشِرَارُ أَئمَّتِكُم الَّذينَ تُبْغِضُونهُم ويُبْغِضُونَكُمْ، وتَلْعُنونَهُمْ ويلعنونكم» قال: قُلْنا يا رسُول اللَّهِ، أَفَلا نُنابِذُهُمْ ؟ قالَ: «لا، ما أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاةَ، لا، ما أَقَامُوا فيكُمُ الصَلاة»، مسلم، فللتآلف والمحبة لها فوائد عديدة منها:
- فهي توطد علاقة التآخي بين أفراد المجتمع، وخاصة بين الرعية والأئمة.
- إن التآلف يعمل على إبعاد المجتمع والأمة عن الشر والخصومات.
- فالتآلف يزرع المواصلة والتراحم والشفقة بين أفراد المجتمع بالإضافة إلى أن كل واحد منهم يقوم بالواجبات، وهذا الأمر نقيض تماماً الشر الذي يعمل على إبعاد أبناء المجتمع الواحد، وينتشر الجور والبخل والإساءة، فينشأ الحقد والتباغض.
- إن القرآن الكريم قد حث على التآلف والمودة، فقد قال الله سبحانه وتعالى: “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا، وَاذْكُرُوا نِعْمَة اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النار فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا). وقال: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ولا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ”.
- إن التآلف بين المسلمين يعتبر خطوة هامة في تحقيق التعايش السلمي داخل المجتمع.
- فبالتآلف يتم نزع الغل من القلوب ثم ينتقل أبناء المجتمع الواحد إلى الأخوة فيما بينهم، وبعد ذلك يجسدوا التعايش السلمي الذي عبر عنه القرآن الكريم في الآية التالية: “على سرر متقابلين”.
ومن أقوال بعض العلماء والسلف عن التآلف والمحبة:
-
ابن مسعودٍ يختلفُ مع عمر فيما يربو على مائة مسألة، ومع هذا يقول:
لقد أحببت عمر، حتى لقد خفتُ الله عز وجل، ولو أني أعلمُ أن كلباً يحبه عمر لأحببته.
-
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله:
ما يسرني أن
أصحاب رسول الله لم يختلفوا، لأنهم إذا اجتمعوا على قول فخالفهم رجل كان ضالاً، وإذا اختلفوا فأخذ رجل بقول هذا ورجل
بقول هذا، كان في الأمر سعة.[3]