الأسباب والمسببات في القرآن الكريم
تعريف الأسباب
إن كلمة سبب
ورد
ت في
القرآن الكريم
في ثمانية مواضع، وإن جمع كلمة سبب هي الأسباب، ومعنى كلمة السبب في اللغة تعني الحبل، وقد قيل بأنها هي كل شيء وصلت به إلى موضع أو حاجة تريدها، وإن الأسباب هي الوُصُل، وهو من الاتفاق على شيء معين واحد، ويقال أن السبب هو كل شيء يتوصل به إلى غيره، وقد ورد آية في القرآن الكريم بهذا المعنى اللغوي للسبب في قوله تعالى عز ولج : “وآتيناه من كل شيء سبباً فأتبع سبباً”، فالمعنى الذي تجلى في هذه الآية الكريمة أنه آتاه
الله
من كل شيء معرفة وذريعة ويتوصل بها ويكون قد أتبع واحداً من هذه الأسباب.
وقد قال الزمخشري في تعريف السبب بأنه هو ما يجعلنا نصل بواسطته إلى المقصود إن كان قدرة أو علم أو آلة، فإن المنظور إليه في كون هذا الشيء سبباً فهو يكون موصلاً إلى غيره مهما كان، فمن الممكن أن يكون هذا الشيء الموصل إليه مادياً مثل الآلة من الآلات المادية، أو من الممكن أن يكون معنوياً مثل القدرة والعلم، وإن هذا يرد التعليل ويقصد به السبب، وإن التعليل يكون بالاسم والجملة ومن الممكن أن يكون بالحرف أيضاً، وإذا دخلنا إلى اللغة العربية فنجد أن
الحروف
التي تفيد السببية تتجلى في الباء والفاء السببية، بالإضافة إلى الكاف التي تفيد التعليل، ولام التعليل أو لام المفعول به.
ما هو قانون السببية
إن كل الأشياء التي تحدث في الوجود لها سبب مهما كان هذا الأمر فمن الممكن أن يكون متعلق بالجماد أو النبات أو الإنسان أو حتى الأجرام السماوية والظواهر الكونية المادية، وهنا نجد أن قانون السببية هو ربط المسببات بالأسباب والنتائج المتعلقة بها، ودائماً ما يتراود في أذهاننا أنه
كيف يسبب الله الأسباب
، فهذا القانون يعتبر عام وشامل في
العالم
ولكل الأمور التي من الممكن أن تحصل للإنسان في الدنيا وفي الآخرة، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك، وقد قال الشيخ ابن تيمية: ” فليس في الدنيا والآخرة شيء إلا بسبب، والله خالق الأسباب والمسببات”، وقد قال الله عز وجل في الأسباب المادية: “وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ”، أما قوله تعالى في الأسباب المعنوية: “إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً”.
ما الفرق بين الأسباب ومسبباتها
إن الفرق ما بين الأسباب ومسبباتها تكمن في أن الأسباب هي الوسائل التي
تتبع
للوصول إلى المطلوب، فقد تم تعريف السبب في القاموس بأنه هو الحبل ومايتوصل به إلى غيره، أما المسببات فيكمن معناها بأنها هي النتائج الحاصلة عندما يتم الأخذ بها، فعلى سبيل المثال
الأكل
هو السبب بينما الشبع الحاصل عن حدوث هذا السبب هو المسبب، أي النتيجة التي تحصل عند الأكل، وإن الله سبحانه وتعالى هو مسبب الأسباب ويقصد بذلك بأنه جاعلها بحكمته أسباباً مفضية إلى نتائجها.
قال شيخ الإسلام
ابن تيمية
:
هو سبحانه الحي الفعال لما يشاء العليم القدير الحكيم، الخبير الرحيم الودود، لا إله إلا هو، وكل ما سواه فقير إليه، وهو غني عما سواه، لا يكمل بغيره، ولا يحتاج إلى سواه، ولا يستعين بغيره في فعل، ولا يبلغ العباد نفعه فينفعوه، ولا ضره فيضروه، بل هو خالق الأسباب والمسببات، وهو الذي يلهم عبده الدعاء، ثم يجيبه وييسر عليه العمل، ثم يثيبه ويلهمه التوبة، ويحبه ويفرح بتوبته، وهو الذي استعمل المؤمنين فيما يرضيه، ورضي عنهم، فلم يحتج في فعله لما يحبه ويرضاه إلى سواه، بل هو الذي خلق حركات العباد التي يحبها ويرضاها، وهو الذي خلق ما لا يحبه ولا يرضاه من أعمالهم، لما له في ذلك من الحكمة التي يحبها ويرضاها (وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون).[1]
الأخذ بالأسباب ثم التوكل على الله في القرآن الكريم
إن التوكل على الله سبحانه وتعالى لا يمنع بتاتاً الأخذ بالأسباب، فالمؤمن عليه أن يأخذ بالأسباب من باب الإيمان بالله سبحانه وتعالى، والعمل بأوامره ولكنه يجب أن لا يجعل الأسباب هي التي تعطي النتائج فيتوكل عليها، وهنا نستطيع أن نوضح
معنى
التوكل بأنه هو قطع
النظر
في الأسباب، ويكون هذا بعد تهيئة الأسباب، وقال رسولنا الكريم عليه
الصلاة
والسلام: “اعقلها وتوكل”، فقد ورد في القرآن الكريم عن الأسباب :
- قال الله تعالى في سورة النساء: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ”.
- قال الله تعالى في سورة الأنفال: “وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ”.
- وقال الله تعالى في سورة الجمعة: “فَإذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ”.
وإن في جانب التوكل على الله فقد ورد في القرآن الكريم الآيات التالية:
- قال الله تعالى في سورة آل عمران: “وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ”.
- وقال الله عز وجل في سورة آل عمران آية 159: “فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ”.
- وقال الله تعالى في سورة المائدة: “وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ”.
وإن رسولنا الكريم قد أرشدنا في العديد من الأحاديث الشريفة التي وردت في السنة النبوية على الضرورة بالأخذ بالأسباب مع التوكل على الله سبحانه وتعالى، بالإضافة إلى أنه نبهنا على عدم تعارضها، ومن الأحاديث النبوية الشريفة، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماساً، وتعود بطانا”، فنجد أن في هذا الحديث قد حثنا رسولنا الكريم على التوكل على الله سبحانه وتعالى وأشار إلى أهمية الأخذ بالأسباب، حيث تم إثبات الغدو والرواح للطير مع الزرق الذي كتبه الله لها، وإن القرآن الكريم قد حثنا على الأخذ بالأسباب ونتوكل على الله سبحانه وتعالى مع الأخذ بها، ويجب على المسلم أن يتقِ في باب الأسباب أمرين اثنين وهما:
- الأمر الأول يتجلى في أن الاعتماد على الأسباب والتوكل عليها والثقة بها فهذا شرك يرق ويغلظ، لهذا عليه أن يتوكل على الله سبحانه وتعالى مع الأخذ بالأسباب لا أن يتوكل على الأسباب نفسها.
- الأمر الثاني يتجلى في أنه على المسلم أن لا يترك ما أمر الله به من الأسباب، لأن هذا الترك ممكن أن يكون كفراً وظلماً، لهذا يجب على العبد أن يقوم بكل الأمور التي أمر بها الله سبحانه وتعالى ويتوكل عليه.[2]