قصة المعتمد بن عباد مع بناته
المعتمد بن عباد
يُعتبر المعتمد بن عباد (11 شوال 488 هـ/1095) آخر ملوك بني عباد بالأندلس، حيث تأسست دولة بني عباد بإشبيلية على يد القاضي أبو القاسم محمد بن إسماعيل بن عباد، حيث كان رجلاً طموحاً اهتم بجيرانه المسلمين فأمسك بما في أيديهم فشارك أبو القاسم وتلاه ابنه أبو عمرو عباد الملقب بالمعتد بالله (433 – 461 هـ،1041 – 1068مـ) سلسلة من الحروب الشرسة مع أمراء غرناطة وقرطبة ومالقة وإمارة المنطقة الغربية.
كما انتهت السلسلة من هذه الحروب باحتلال بني عباد في قرطبة وإستجة وروندة وكرمونة والدول المجاورة وشلب ولبلة في غرب الأندلس، واتسعت رقعة مملكة إشبيلية، حيث صارت من أعظم وأكبر الممالك قوة في جنوب الأندلس، كما أُطلق على المعتمد بن عباد لقب المعتمد بالله، حيث كان ينحدر من عرق عربي أصوله من مدينة العريش إلى شبه جزيرة سيناء في الشام.
يرجع نسبهم إلى النعمان بن المنذر أمير الحيرة حيث أتى جد بني عباد إلى الأندلس برفقة بلج الأشبي الجليل في مطلع القرن الثاني الهجري وحكم إشبيلية لفترة، ثم خلفه ابنه أبو عمرو المتضد بن عباد في الحكم، ليخلفه في النهاية حفيده المعتمد.
تولّي المعتمد بن عباد الحكم
توفي أبو عمرو المعتضد في الثاني من جمادى الآخرة سنة 461 هـ (1069 م) وترك إمارة قوية لابنه المعتمد بن عباد، فتولى المعتمد الحكم في سن الثلاثين من عمره، كما قرر المعتمد متابعة مدينته ومسقط رأسه شلب غربي الأندلس، ولم يستطع المعتمد تحمل فراق وبعد ابن عمار عنه مما جعل المعتمد يستدعيه إلى إشبيلية وعينه رئيسًا لوزراءه، واستمر في الاستعانة به في الاستشارة والأخذ بنصائحه.
اعتقل المعتمد وعائلته من إشبيلية ونقلهم إلى المغرب، حيث قرر يوسف بن تاشفين طردهم، وعلى الأخص أبو الحسن بن عبد الغني الفهري الذي أهداه كتابه “مستحب الشعر”، وكافاه بما تركه من مال إلا أنّ ذلك جعل شعراء طنجة الآخرين يندفعون إليه فور سماعهم
الخبر
على أمل الحصول على مكافآت لكنّ المعتمد بن عباد ردهم، كما كتب المعتمد بن عباد أغنية للرد عليهم مشيدًا بحالته وما حدث له، وتم نقل المعتمد مرة أخرى من طنجة إلى مكناس ليبقى بضعة
أشهر
.
في نهاية المطاف، نُقل المعتمد مع بعض ملوك الطوائف السابقين إلى أغمات، حيث اضطر إلى قضاء الأيام الأخيرة من حياته في الأسر في ظروف بائسة وسوء معاملة، وقد يكون السبب في سوء المعاملة إلى المعتمد بن عباد ابنه عبد الجبار الذي قرر افتعال ثورة على المرابطين حينما سقطت إمارة بني عباد،، ولعل سبب انتقال المعتمد إلى أغمات هو إبعاده عن شواطئ الأندلس، حتى لا يكون من السهل
الهروب
أو التمرد على ابن تاشفين.
أخلاق المعتمد بن عباد
كما يتسم المعتمد بن عباد بالكثير من الفضائل الشخصية التي لا حصر لها مثل الشجاعة والكرم والتواضع والنزاهة، وفقًا لما هو مناسب لهذه الأخلاق الشريفة، وعند
النظر
في أعمال الأندلس الصالحة من فتحها إلى هذه اللحظة، فالمعتمد يُعتبر واحدًا من أفضلها حيث تبيّنت أخلاقه الكريمة وشمائلة الشريفة، مما يدل على مكانة المعتمد بين المؤرخين في زمانه وما يليه.
يتضح مما سبق أنّ كثيراً من أخلاق المعتمد بن عباد، فيرى القارئ سيرته في النعيم والبؤس، وفي إظهار الأخلاق الكريمة والصفات الشريفة، ولا شك أنّه كام أمير جدير بالثقة جواد، وكان كريمًا ومتحمسًا للعطاء، وكان يدعو من أجل رفقاء أصحابه وأصحابه بشتى الوسائل، فكان يغريهم بالتعاطف معهم.
وفاة المعتمد بن عباد
مات المعتمد بن عباد في سجنه بالظلام في أغمات بعد سنوات من السبي والقهر، حيث مات غريبًا في الأسر، وعندما توفي لم يعرفه أحد، ونودي للصلاة عليه، وقيل صلي عليه ثلاثة كأنّه شخص غريب، كما يُقال أنّه لما أحس بوفاته قال قصيدة رائعة يمدح نفسه ويثني على نفسه، كما أوصى بتدوينها على قبره، والآن هي مسجله على قبره في المغرب.
قصة المعتمد بن عباد مع بناته
كتب المعتمد بن عباد قصيدة عن بناته، وتعتبر هذه القصيدة من أشهر القصائد المؤلمة للغاية، حيث تصف هذه القصيدة حالته وحالة بناته بعد فترة حكمه وخلال فترة اعتقاله، حيث كتب المعتمد عن بناته القصيدة حينما دخل عليهنّ يوم عيد في أغمات وهن في أطمار يكسوهن الشحوب والاكتئاب والذل والحزن.
كما جعلت هذه القصيدة قارئها يبكي، وذلك لما بها من مراحل حياة المعتمد بن عباد في الحكم وبعد أسره هو وعائلته ومقتل أبناءه ووفاة زوجته وكذلك حال
احفاد المعتمد بن عباد
، فحينما سقطت إشبيلية ونُهبت القصور المعتمد بن عباد كانت ابنته بثينة من بين الأسرى ولم يُعثر عليها حتى كتبت إليه، وتتبيّن
قصة
بناته في الأبيات التالية:
- فيما مضى كنت بالأعياد مسـرورا وكان عيـدك باللـذات معمـورا
- وكنت تحسب أن العيـد مسعـدةٌ فساءك العيد في أغمـات مأسـورا
- ترى بناتك فـي الأطمـار جائعـةً في لبسهنّ رأيت الفقـر مسطـورا
- معاشهـنّ بعيـد العـزّ ممتـهـنٌ يغزلن للنـاس لا يملكـن قطميـرا
- برزن نحـوك للتسليـم خاشعـةً عيونهـنّ فعـاد القلـب موتـورا
- قد أُغمضت بعد أن كانت مفتّـرة ً أبصارهـنّ حسيـراتٍ مكاسيـرا
-
يطأن في
الطين
والأقـدام حافيـةً تشكو فراق حذاءٍ كـان موفـورا - قد لوّثت بيد الأقـذاء اتسخـت كأنها لـم تطـأ مسكـاً وكافـورا
- لا خدّ إلا ويشكو الجدب ظاهـره وقبل كان بمـاء الـورد مغمـورا
- لكنـه بسيـول الحـزن مُختـرقٌ وليس إلا مـع الأنفـاس ممطـورا
- أفطرت في العيد لا عادت إساءتُـه ولست يا عيدُ مني اليـوم معـذورا
- وكنت تحسب أن الفطـر مُبتَهَـجٌ فعـاد فطـرك للأكبـاد تفطيـرا
- قد كان دهـرك إن تأمـره ممتثـلاً لما أمرت وكـان الفعـلُ مبـرورا
- وكم حكمت على الأقوامِ في صلفٍ فـردّك الدهـر منهيـاً ومأمـورا
كما ولدت بثينة بنت المعتمد بن عباد عام 1070 بعد الميلاد لزوجته اعتماد الرمكية، وكانت شاعرة، حيث كانت تلقي الشعر ومن أشهر
قصائد
ها “اسمعوا إلى كلامي”، حيث عبرت فيها عن المأساة التي عانت منها وعائلتها والانتقال من الرفاهية والثراء إلى الحياكة للأغنياء وبيعها في سوق العبيد بعد الإطاحة بوالدها.
تم أسر بثينة بنت المعتمد، التي نجت من ظلم المرابطين، وأخذت تُباع في سوق العبيد، حتى إنّها لم تُخبر أحد أنّها ابنة المعتمد، لأنّها أخفت هويتها خوفًا من قتل المرابطين لها، وذلك لما عانته بثينة وأخواتها، كما كانت مثل والدتها في الجمال والذكاء والشعر، ولم يكن والدها يعلم عنها شيء حتى كتبت له في أغمات قصائد تروي فيها ما حدث لها وأنّها بيعت في الأسر ولكنها كتمت هويتها ورفضت الكشفت عنها.
حينما اشتراها تاجر امتنعت عنه وطلبت منه أن يتزوجها زواج شرعي وأخبرتها هويتها، وكتبت لوالديها في الشعر الشهير المتداول، طالبة موافقته على زواجها من التاجر فكتب إليها بالموافقة.[1]