الحتمية واللاحتمية في الفلسفة

تعريف الحتمية في الفلسفة

الحتمية هي الفكرة الفلسفية القائلة بأن كل حدث أو حالة، بما في ذلك كل قرار وعمل بشري، هي النتيجة الحتمية والضرورية للحالات السابقة للأمور.

ويقترح النهج الحتمي أن سلوكنا يأتي نتيجة قوى ليس لنا سيطرة عليها، وأن كل سلوك له سبب وبالتالي يمكن التنبؤ به.

وتعد كلمة الحتمية هي اسم حديث تمت صياغته في القرن التاسع عشر لفكرة ديموقريطس القديمة القائلة بأن قوانين الحتمية السببية تتحكم في حركة الذرات ، وأن كل شيء بما في ذلك العقول البشرية يتكون فقط من ذرات في فراغ.

وكما قال معلم ديموقريطوس وزميله ليوكيبوس، فإن الضرورة المطلقة لا تترك مجالًا للصدفة في الكون.

أنواع الحتمية

الحتمية الخارجية

ترى الحتمية الخارجية (البيئية) أن سبب السلوك خارج الفرد ، مثل تأثير الوالدين أو وسائل الإعلام أو المدرسة، والمناهج التي تتبنى هذا الموقف تشمل السلوكية ونظرية التعلم الاجتماعي.

على سبيل المثال في عام 1961 أظهر عالم النفس

باندورا

أن الأطفال يصبحوا عدوانيين من خلال ملاحظتهم لوالديهم العنيفين وتقليدهم.

الحتمية الداخلية

هناك البعض الآخر من المؤمنون بالحتمية لكنهم يرونها من منظور آخر حيث يتبنون منظورًا بيولوجيًا، بالنسبة لهم فإن القوى الداخلية، وليست الخارجية هي العامل الحاسم في السلوك.

وفقًا لذلك فإن التطور البيولوجي الاجتماعي يحكم سلوك نوع ما من الأنواع ويحكم الجينات الوراثية لكل فرد بداخل النوع.

مثلاً يقول (Bowlby (1969 في نظرية

التعلق

أن ارتباط

الطفل

بشخصية واحدة رئيسية نابع في الواقع من حاجة فطرية لذلك.

وتعمل أو يتم تنبيه السمات الشخصية للإنسان مثل الهدوء أو العصبية والسلوك المرتبط بها، من خلال العمليات العصبية والهرمونية داخل الجسم، وليست هناك حاجة لمفهوم الإنسان المستقل.

لكن العلماء المناهضون لنظرية الحتمية الداخلية يرون أنها في نهاية المطاف، لا ترى في البشر أكثر من آلات بيولوجية، وحتى الوعي نفسه يتم تفسيره على أنه مستوى من الإثارة في الجهاز العصبي.

أما فرويد فقد رأى أيضًا أن السلوك الذي يتم التحكم فيه من داخل الفرد في شكل دوافع غير واعية أو أحداث

الطفولة

على أنه حتمية وأطلق عليه اسم الحتمية النفسية.

مستويات الحتمية في علم النفس


  • الحتمية الصعبة

ترى الحتمية الصعبة أن الإرادة الحرة مجرد وهم وتعتقد أن لكل حدث وعمل سبب.

ويؤمن السلوكيون في علم النفس

إيمان

قوي بالحتمية الصعبة، وكان المتحدث باسمهم الأكثر صراحة ووضوحًا هو بي. إف سكينر، وهم يرفضون تمامًا مفاهيم مثل “الإرادة الحرة” و “الدافع” ويعتبرها السلوكيون أوهام تخفي الأسباب الحقيقية للسلوك البشري.

وفي مخطط سكينر للأشياء، ليس لدى الشخص الذي يرتكب جريمة خيار حقيقي،  فالمجرم مدفوع في هذا الاتجاه بالظروف البيئية والتاريخ الشخصي، مما يجعل خرق القانون أمرًا طبيعيًا وحتميًا بالنسبة له.

وبالنسبة للملتزمين بالقانون ، فإن تراكم المعززات له تأثير في هذا السلوك، على سبيل المثال بعد أن تتم مكافأته على اتباع القواعد في الصغر، فإن الفرد يفعل ذلك في

المستقبل

، ولا يوجد تقييم أخلاقي أو حتى

حساب

عقلي متضمن للفرد، فكل السلوك يحدث تحت سيطرة التحفيز.


  • الحتمية الناعمة

تمثل الحتمية اللينة أو الناعمة أرضية وسطى بين الحتمية الصعبة والإرادة الحرة، فهي ترى أن الناس لديهم خيار، لكن هذا الاختيار مقيد بعوامل خارجية أو داخلية.

مثلاً كونك فقيرًا لا يجعلك تسرق، ولكنه قد يزيد من احتمالية أن تسلك هذا الطريق من خلال اليأس.

وتشير الحتمية اللينة إلى أن بعض السلوكيات مقيدة أكثر من غيرها وأن هناك عنصرًا من الإرادة الحرة في كل سلوك نسلكه، ومع ذلك، فإن مشكلة الحتمية هي أنها تتعارض مع أفكار المجتمع للمسؤولية وضبط النفس التي تشكل أساس التزاماتنا الأخلاقية والقانونية، أيضًا هناك مشكلة إضافية في فكرة الحتمية اللينة تتعلق بحقيقة أن علماء النفس لا يمكنهم أبدًا التنبؤ بسلوك الشخص بدقة 100٪ بسبب التفاعل المعقد للمتغيرات التي يمكن أن تؤثر على السلوك.


  • الحتمية الفيزيائية

الحتمية أيضًا معروفة في الفيزياء وهي فكرة أن قوانين الطبيعة ثل قوانين الحركة لنيوتن هي قوانين سببية، فبالرغم من أن قوانين نيوتن هي معادلات رياضية ودوال زمنية، وبمجرد أن تعرف مواقع وسرعات جميع الجسيمات الموجودة في الكون يمكنك وضعها في أي وقت سواء في الماضي أو المستقبل وستخبرك هذه المعادلات والدوال التفاضلية بكل ما حدث أو يحدث في أي وقت.

في فكرة الميكانيكا الكلاسيكية هذه، للكون ماضي واحد فقط ،وهو الماضي الفعلي، لكن له أيضًا مستقبل واحد فقط، وهو المستقبل الوحيد الممكن، ويتم تحديده بالكامل من خلال تلك المعادلات الرياضية، هذه هي

النظر

ة الميكانيكية، أو وجهة النظر المادية للحتمية.


  • الإرادة الحرة

الإرادة الحرة هي عكس الحتمية وهي فكرة أننا قادرون على الحصول على بعض الخيارات في كيفية تصرفنا ونفترض أننا أحرار في اختيار سلوكنا، وبعبارة أخرى نحن مصممون بأنفسنا، ولسنا آلات.

على سبيل المثال، يمكن للإنسان أن يختاروا بحرية كاملة ما إذا كانوا سيرتكب جريمة أم لا (ما لم يكون طفل أو مجنون)، لكن هذا لا يعني أن السلوك عشوائي، لكننا متحررون من التأثيرات السببية للأحداث الماضية، ووفقًا للإرادة الحرة، يكون الشخص مسؤولاً عن أفعاله.

وأحد الافتراضات الرئيسية للنهج الإنساني هو أن البشر لديهم إرادة حرة، ويمكن إطلاق مصطلح “الوكالة الشخصية”  لممارسة الإرادة الحرة.

وتشير الوكالة الشخصية إلى الخيارات التي نتخذها في الحياة، والمسارات التي نسير فيها وعواقب تلك المسارات.

فبالنسبة لعلماء النفس الإنسانيين مثل ماسلو (1943) وروجرز (1951) فإن الحرية ليست ممكنة فحسب، بل ضرورية أيضًا إذا أردنا أن نصبح بشرًا فاعلين بشكل كامل.

ويرى كلاهما تحقيق الذات على أنه حاجة إنسانية فريدة وشكل من أشكال التحفيز الذي يميزنا عن جميع الأنواع الأخرى، وبالتالي هناك خط يجب رسمه بين العلوم الطبيعية والاجتماعية.

لنأخذ مثالًا بسيطًا على ذلك، عندما تتفاعل مادتان كيميائيتان، فلا

معنى

لتخيل أنهما يمكن أن تتصرفا بأي طريقة أخرى غير الطريقة التي تتصرفان بها، ومع ذلك ، عندما يجتمع شخصان يمكنهما الاتفاق والخروج، والتوصل إلى حل وسط، وبدء القتال وما إلى ذلك، فالتفاعل الكيميائي يكون حتمي أما التفاعل الإنساني فهو مبني على إرادة حرة.[1]

اللاحتمية في الفلسفة

يصف الفلاسفة المنطقيون اللاحتمية بأنها ببساطة نقيض الحتمية، فإذا كان هناك حدث واحد فقط في الكون غير محدد بأحداث سابقة، فإن اللاحتمية ستكون “حقيقية”، وتكون الحتمية خاطئة، وهذا من شأنه أن يقوض احتمالية معرفة معينة.

ترتبط الفكرة الأساسية للاحتمية ارتباطًا وثيقًا بفكرة السببية، حيث تعتبر اللاحتمية بالنسبة لبعض الفلاسفة حدثًا بدون سبب، ولكن يمكننا أن نحصل على سببية مناسبة بدون الحتمية الصعبة التي تنطوي على إمكانية التنبؤ الكامل للأحداث ومستقبل محتمل واحد فقط.

ويميل بعض العلماء لتسمية اللاحتمية بالحتمية الكافية أو الحتمية الملائمة ، وأيضًا ترتبط اللاحتمية بفكرة الصدفة وفكرة الإرادة الحرة.[2]