وصف الطبيعة عند ابن الرومي

الطبيعة في شعر ابن الرومي

إن ابن الرومي قد أجاد الشعر في الأدب العربي في الكثير من المجالات فقد تجلى شعره المديح والرثاء بالإضافة إلى الغزل والهجاء، وقد برع في الوصف أكثر من براعته في الفنون الأخرى، فقد كان الوصف هو المزية الخاصة لابن الرومي والذي قام بمعالجة مختلف أبوابه الشعرية ومن خلال هذه الأشعار قام بالتعبير عن أحاسيسه الداخلية، فقد كان ابن الرومي من

أشهر

الوصافين في الأدب العربي فقد قام بتصوير الطبيعة واندمج فيها، ومن الممكن أن يكون هذا الاندماج هو السبب في الفشل الذي مر به في حياته، فالتجأ إلى الطبيعة حتى ينسى ما يعايشه في الحياة.

إن نفسية الشاعر ابن الرومي قد امتزجت نفسية الطبيعة، فقد وجد في أحضانها كل الأشياء التي انحرم منها في حياته، فقد كان يضفي في أشعاره بوصف الطبيعة حالاته الداخلية، بالإضافة إلى أنه يتطرق إلى ما يشعر به في وجدانه وانفعالاته، وقد استمد في أوصافه للطبيعة من التشبيه، وقد كانت الأشياء الثمينة والأحجار الكريمة في شعره هي المشبه به، فعمل على تشخيصها ومدها بالشعور.

الطبيعة الحية عند ابن الرومي

إن الأدباء والشعراء قد عرفوا وصف الطبيعة منذ

القدم

وقد اشتهر الكثير منهم بوصفها مثل إمرئ القيس بالإضافة إلى الشاعر ذي الرمة، والذين استمدوا من مظاهرها تشابيههم وتعابيرهم الشعرية، وإن الشاعر الذي اشتهر بوصف الطبيعة وخاصة في العهد العباسي هو الشاعر ابن الرومي، حيث أن الطبيعة كانت بالنسبة له هي الملاذ الذي سيحقق كل الأحلام والأماني، وقد استخدم الوصف الوجداني في وصفه للطبيعة لهذا قد اشتهر بلقب “الفاني في الطبيعة”، وقد برع في الطبيعة الحية أي المتحركة فقد قام بتصوير

الطيور

والحشرات بالإضافة إلى الحيوانات الأليفة والمفترسة، وقد زوَّدَ شعره بالتشابيه الرائعة والاستعارات، ورسم من الطبيعة لوحات رائعة تعكس شخصيته.[1]

خصائص شعر ابن الرومي في وصف الطبيعة

إن ابن الرومي قد أحب الطبيعة كثيراً وكان قريباً منها كعشيق لمحبوبة فهي بالنسبة له كائن حي ويحبها ويناجيها، ونلتمس هذه الميزة بجميع أشعاره ووصفه لمظاهر الطبيعة خاصة عندما يصف الأزهار والأشجار، وإن من خصائص شعر ابن الرومي في وصف الطبيعة أنه:

  • كان شعره يتخلله الحواس ويشترك في تصاويره كل حواسه السمع والبصر والشم بالإضافة إلى حاسة الذوق والخيال، فعلى سبيل المثال عندما يصف الروضة يعمل على وصفها من كل الجوانب، فمن جهة السمع فهو يصور زقزقة الطيور وأصواتهم، أما من الجانب البصري فهو يصور مشاهد رائعة، ومن جانب الشم فيصور رائحة الأزهار الزكية فمن الأمثلة في وصف الطبيعة:

ورياض تخايل الأرض فيها *** خيلاء القتاة في الإيراد

  • ففي وصفه للطبيعة قد صور ابن الرومي

    الألوان

    والأشكال بالإضافة إلى الحركات، وإن في هذا المنحى يبدع ويبرع بسبب صعوبة تصوير الحركة، فهي أصعب من بقية التصاوير لأنه لا يتوقف في العين، ولكن قدرة ابن الرومي ظهرت في تصوير حركة الأشياء بأسلوب إبداعي.
  • قام في وصفه للطبيعة التشخيص وإمدادها للحياة الإنسانية ومن الأمثلة الشعرية له عندما وصف شجرة العوسج التي تتألف من الشوك بالإضافة إلى وصف الشمس بأنها مريضة حيث أنها تضع خدها على الأرض فقال:

فما للعوسج الملعون أبدى *** لنا شوكاً بلا ثمر نراه

وقد رنقت شمس الأصيل ونفضت *** على الأفق الغربي ورساً مذعذعا

ولاحظتِ الأنوار وهي مريضة *** وقد وضعت خداً إلى الأرض أضرعا

  • إن وصف الطبيعة كانت ملتقطة من هوامش اجتماعية، حيث أنها أعطت السامع متعة فريدة من نوعها، ونقلته إلى عالم بديع من الوصف ويمنحه التصوير الفوتوغرافي بأبعاده عن طريق اللغة التي تصف وصفاً بديعاً.

العوامل المؤثرة في شخصية ابن الرومي

إن هناك عدة أثرت في شخصية وشعر ابن الرومي وتتجلى في:

  • إن حياة ابن الرومي قد كانت صعبة وقد عانى كثيراً وإن هذا هو من العوامل الأساسية التي أثرت في شخصيته وفي أشعاره، وإن هذه المعاناة جعلته ينصرف إلى التعبير عن المشاعر الذي يشعر بها تجاه زمانه.
  • إن شعر ابن الرومي هو انعكاس لكل دقيقة عايشها في مجتمعه، لهذا فهو يعرض حياته الخاصة بتفاصيلها عن طريق شعره.
  • إن من العوامل أيضاً التي أثرت في شخصيته وشعره أنه شاعر مرهف ولديه حساسية كبيرة، لهذا فنجد أنه في شعره يحاكي مشاعره أكثر من محاكاته للفن الشعري، وإن هذه المحاكاة تكون جوهر الشعر، وهذا ما كان يميز شعر ابن الرومي لأن الشعر هو

    تعبير

    عن النفس أولاً.
  • إن الاضطراب السياسي والاجتماعي والاقتصادي والعقائدي الذي عايشه ابن الرومي أثر كثيراً على شخصيته وانعكس على شعره، بالإضافة إلى أنه عاش في أسرة منكوبة.
  • إن استجابة ابن الرومي لأحداث عصره المختلفة أثر أيضاً على شخصيته وشعره، حيث أنه شارك بهذه الأحداث من خلال رصده لها بالإضافة إلى تعبيره عن المشاعر التي يشعر بها تجاهها.
  • وتأثر ابن الرومي بالخراب الذي أصاب مدينة البصرة وما أصاب الناس، وقد عمل على تصوير فعل الزنج المشين من تعذيب وإذلال للناس، ولهذا فقد نظم قصيدة طويلة في رثاء البلدان.
  • تأثر ابن الرومي بالثقافات التي برزت في عصره فمنها الفلسفية ومنها الغير الفلسفية وقد برع فيها.

الصورة الشعرية عند ابن الرومي

إن ابن الرومي قد أكثر من

الصور

الشعرية في شعر الوصف فقد تناول فيه الموصوفات والتشابيه، وهذا يعود إلى رهافة حسه بالإضافة إلى يقظة شعوره، وإن الصورة الشعرية عند ابن الرومي تقوم بوظيفتها الفنية والفكرية بالإضافة إلى الوظيفة النفسية، فهي الخيط الجميل الذي يستخدمه في نسجه الشعري، وقد قدم صوره في نمطين اثنين ويتجليان في:


  • النمط الأول هو الصورة العقلية

    حيث أنها تقوم على التعبير العقلي لأنها مظهر مباشر لتكوينه العقلي، وقد اهتم بالفلسفة وتبنى منهج المعتزلة في التفكير، وإن الصورة العقلية هي كثيرة

    الورود

    في شعر الشاعر ابن الرومي ونجدها في الكثير من قصائده، ومن قصائده التي تجلى فيها هذا النمط من الصورة الشعرية:

أجزاء

الصديق

إيطاء العشوة **** حىت يظل كالعــشـواء

تاركا سعي و اتكال على سعيك **** دون الصـحاب والشفعـاء

كالذي غره السراب بما حي **** بل حتى هراق ما في السقاء

نجد في الأبيات الشعرية السابقة أن المشبه وهو “الصديق” لا يختلف عن المشبه به وهو “الذي غره السراب”، فهو إنسان مثله، وقد شبه الشاعر حالاً بحال من غير أن يتم فقدان الصورة وهجها النفسي، فهنا استخدم التشبيه التمثيلي الذي يقوم على علاقة عقلية ما بين طرفي التشبيه.


  • النمط الثاني وهو الصورة الفنية

    فهي معادلة ذهنية يتجلى طرفاها ما بين الخيال والواقع، وتؤثر في النفس تأثيراً عظيماً لأنها تعمل على إضاءة اللاشعور وتوقظ الأحلام.[2]