أغراض الشعر في العصر العباسي

مقدمة عن الشعر في العصر العباسي

إن شعراء العصر العباسي ونقاده حرصوا أن يتخلل شعرهم الأغراض الموروثة وأن يدور حول هذه الأغراض، وقد كانت هذه الأغراض تنتسج على منوال الفحول المتقدمين، فغرض المديح قد حافظ على منزلته بسبب ارتباطه الوثيق ببلاط الخلفاء والملوك، بالإضافة إلى أنه ارتبط بمجالس الولاة، وإن الشعر في العصر العباسي يعتبر امتداداً للشعر الأموي، حيث أن الشعراء فيه استهل شعرهم بالوقوف على الأطلال حيث أنهم كانوا يعبرون عن آلامهم وأحزانهم من خلال الوصف لألم الرحيل، وإن الشعراء اتبعوا منحى تجديد الأفكار والمعاني، وقد ظهر هذا التجديد في قصائدهم التي تخللت الأفكار والمعاني والصور الخيالية.

الأغراض الشعرية في العصر العباسي

إن أغراض الشعر في العصر العباسي قد خضعت لتطور وقد حملت إرثاً وتركت طابعاً في مجال الأدب، فقد طورت عن طريق شعراء العصر العباسي وكان لها زوايا مختلفة، وإن هذا الشعر كان يستخدم من قِبل الشعراء العباسيين بهدف التعبير عن مشاعرهم، وإن أهم أغراض الشعر في العصر العباسي هي:


  • المديح

    حيث أنه استخدم ليحقق أغراض عديدة ولكن كان طابعه البارز هو التكسب من وراء المنظومة الشعرية، وقد اقترن المديح بالموقف السياسي في

    العصر الأموي

    وقد بقي على هذا الغرار في العصر العباسي، وكان يستخدم في

    مدح


    الأمراء

    والملوك حيث أنه كل خليفة له شعراؤه الذين ينظمون الشعر في مدحه وينالون من عطاياه، وقد  كثرت الأشعار التي تحمل طابع المديح عند الشعراء العباسيين، وقد تخلله الخيال العميق في وصف الأمراء، فقد كان هذا الوصف بواسطة رسم وتكوين شخصية مثالية في أذهان السامعين، وكانوا يكسبون مقابل هذه الأشعار الذهب والمال من الطبقة الملكية، وسنتطرق إلى بعض أشعار الشاعر العباسي مروان بن أبي حفصة الذي كان يمدح الخليفة العباسي

    المهدي

    فقد قال في منظومته الشعرية:

طرقتك زائرة فحيّ خيالها *** بيضاء تخلط بالجمال دلالها.

قادت فؤادك فاستقاد ومثلها *** قاد

القلوب

إلى الصبا فأمالها.

هل تطمسون من السماء نجومها *** بأكفكم أو تسترون هلالها.

أو تجحدون مقالة عن ربكم *** جبريل بلغها النبي فقالها.

فعندما سمع الخليفة المهدي هذه الأبيات اقترب من الشاعرمروان بن أبي حفصة معجباً بشعره وقال له عندما انتهى بكم هذه القصيدة، فأجابه مروان مائة بيت، فقدم الخليفة لمروان مائة ألف درهم وكانت هذه الدراهم تعبيراً عن إعجابه وحبه بشعره الذي مدحه، ومن الشعراء الذين ظهروا في هذا العصر واستخدموا المديح في أشعارهم بشار وأبي العتاهية، بالإضافة إلى أبي نواس والفضل الرقاشي وسلم الخاسر وغيرهم من الشعراء.


  • الهجاء

    وهو الغرض الذي يقابل غرض المديح، وإن من مميزات هذا الغرض الشعري هو أنه استخدم في أبيات شعرية قصيرة، وهذا يدل على تطور الشعر في العصر العباسي، حيث أنه يتمتع بإيصال الفكرة بإيجاز والإيحاء بها، وهو من الأمور البارزة التي تطورت في العصر العباسي، وإن الهجاء الذي ساد في ذلك العصر هو الهجاء الساخر، ويهدف إلى إظهار المعايب الشخصية للمهجو وما تنطوي عليه نفسه من مثالب، وتنوعت الأنماط في الهجاء وذلك تبعاً لتعدد أوجه

    الحياة

    في المجتمع العباسي، ومن الأمثلة عن الهجاء الساخر قول

    الفرج

    منصور الأصفهاني وهجاءه لمغيرة:

وجه المغيرة كله أنف *** موف عليه كأنه سقف.

من حيث ما تأتيه تبصره *** من أجل ذلك أمامه خلف.


  • الرثاء

    وهو من الأغراض في العصر العباسي التي من الطبيعي أن تبقى له منزلة سامية في النفوس بسبب انبثاقه في عاطفة

    الحزن

    في كل مكان وزمان، فمن غاص بالرثاء في شعره ارتقى في ذلك العصر واكتسب غنى وعمقاً، وإن الشعراء الذين أبدعوا في الرثاء وفي سائر الأغراض الشعرية في العصر العباسي هو أبو تمام الذي قيل عنه “مداحة تواحة” ومن بعده ابن الرومي، ومن الأمثلة الشعرية رثاء أبو الشيص محمد لهارون الرشدي فقد قال:

غربت في المشرق الشمس *** فقل للعين تدمع.

ما رأينا قط شمساً *** غربت من حيث تطلع.


  • الغزل

    وهو الذي اكتسب في العصر العباسي غنى ومضاء بسبب ارتباطه بالعاطفة والحب الذي في النفس الإنسانية، ويكون الغزل بنوعيه الغزل العفيف والغزل الصريح، ولكن لم يسير هذان النوعان بشكل متوازي حيث أن الغزل العفيف قد أخذ في التضاؤل في ظل المنازع والأهواء، وإن من الشعراء الذين برعوا في هذا الغرض الشعري هو الشاعر علي بن الجهم فله غزل كثير وقد أبدع في مقدماته الغزلية الرقيقة، فقد قال:

عيون المهربين الرصافة والجسر *** جلبنا الهوى من حيث أدري ولا أدري.


  • المجون والزندقة

    وهو من الأغراض المعهودة في الشعر العربي فلهذا الغرض جذوراً في الشعر القديم، وقد بلغ في العصر العباسي المدى من التطرف، حيث أن المجتمع الإسلامي في العصر العباسي قد انطوى على الكثير من التعقيد، وقد عرض له الكثير من الاختلال، ويكمن السبب في التبدل الشديد الذي طرأ على الحياة الاجتماعية والفكرية والدينية.

  • الزهد والتصوف

    وهو من الأغراض أيضاً القديمة المعهودة في الشعر العربي وقد ظهر من خلال تصرفات توضح التقشف والزهد من الحياة وملذاتها، والانشغال بالأمور الدينية والعبادة.[1]

الأغراض الشعرية المستحدثة في العصر العباسي

نجد أن في العصر العباسي تم التجديد في الأغراض القديمة من الموضوعات في الشعر العربي، وقد تجددت وتطورت وطرأ عليها بعض التغيير، وإن من الأغراض الشعرية المستحدثة في العصر العباسي :


  • الرثاء

    حيث أن الشعراء قد طوروا الرثاء وابتدعوا له ضرباً جديداً ويتجلى برثاء المدن، في حال حلول النكبات والكوارث عليها، وقد قام بعض الشعراء برثاء البصرة وبغداد التي تمت مهاجمتها من قِبل الزنج، وقد ذهب بعض الشعراء إلى رثاء الحيوانات بالإضافة إلى رثاء الطيور.

  • الغزل

    الذي تطور وازدهر ولكنه بات في منحدر الهاوية والفحش حتى يغدو غزلاً ماجناً، والذي يعمل على تجهيز دعاته بالفسق والإثم، ومن أمثاله شعر وغزليات الشاعر بشار بن برد وأبي نواس.

  • الوصف

    والذي اصبح فناً في العصر العباسي حيث أنه شمل مظاهر الطبيعة مثل البساتين والمنشآت بالإضافة إلى المصانع والقصور والسفن والمعارك البحرية.

  • الحكمة

    وهي معروفة قديماً ولكن تم تطويرها في العصر العباسي، وقد تميزت بالدقة والعمق، وقد اكتسبها الشاعر من خلال إلمامه بعلوم المنطق والفلسفة.

  • الخمريات

    وهو من الأغراض الجديدة التي برزت في العصر العباسي، وقد ازداد الشعراء بالتغني بالخمرة وقد وتفننوا في نعوتها، وقد غدا القول فيها باباً من أبواب الشعر مستقلاً، وأصبحت القصيدة تنظم كلها في هذا الغرض وتستهل بها المطالع، بعد أن كانت القصيدة تستهل بالوقوف على الأطلال.[3][2]

عوامل ازدهار الشعر في العصر العباسي

إن ازدهار الشعر في العصر العباسي قد تأثر بالازدهار الحضاري والتقدم العلمي، بالإضافة إلى أن التحول الاجتماعي الذي شهده هذا العصر بسبب امتزاج العرب مع غيرهم من الأمم، كان له دوراً هاماً في استحداث موضوعات وأغراض شعرية جديدة مثل شعر اللهو المجون بالإضافة إلى الخمريات والزهد، وقد تأثر بحالة الاستقرار السياسي التي سيطرت بعد سقوط الدولة الأموية، ولكن هذا لا يدل على أن هذا العصر قد غدا بعيداً عن ميدان السياسة بل نجد أنه قد توالى الحكام فيه وتعددت الولاة واختلفت سياساتهم، وقد كان الشعراء يتخذون ألواناً إلى جانبهم في الرحلات ويؤرخون ويسجلون الآثار، وأبرز إنجازاتهم عن طريق الشعر، وكل هذه العوامل قد ساعدت على ازدهار الشعر في العصر العباسي.