ما معنى يعذر بالجهل
ما المقصود بالعذر بالجهل
يتسائل الناس أحياناً، حول وفاة شخص غابت عنه معلومة، أو جهل بشئ من الدين، أو ارتكب فعل لم يكن يعلم بمدى تحريم، أو ترك شئ لم يدري بوجوبه، ومدى تأثير هذا الجهل على حسابه أمام
الله
، وعقابه يوم القيامة، وفي هذا الأمر تفصيل للعلماء فيه الكثير، وهو ما سوف يتم بيانه في الفقرات التالية ليتضح بجلاء
ما
معنى
يعذر بالجهل.
يعني العذر بالجهل
أن يقدم الإنسان على القيام بشئ ما وهو يجهله، ولا يعلم حكمه، وهو أمر يقع فيه من مثله، مثال عوام الناس، ومن ذلك أمور يفعلها البعض دون علم، وعن جهل، وقد يعتقدون ليس فقط أنهم على صواب، بل قد يزيد الأمر في اعتقادهم أنها مثابون، ومن ذلك الاستعانة بالموتى وأصحاب القبور، والكعاء والتوسل بهم، مثل زيارة أضرحة كالحسين، والسيدة، وغيرهم.
هنا للعلماء في هذا الأمر رأيان أحدهما تكفيرهم تكفير مطلق، والآخر يرى أنهم تقام عليهم البينة لأن هؤلاء من المعذورون بالجهل، فإن تابوا وإلا يحكم عليهم بالكفر، ويعتبروا من الكفار، أو المرتدين.
إن العذر بالجهل قد يختلف من شخص لشخص، ومن أحوال عن أحوال غيرها، كما أن له مسائله، وكل ما سبق له من الضوابط التي تحكمه، والتي ذكرها العلماء ومنهم السيوطي في قوله أن كل من كان جاهل عن معرفة شئ محرم، مما يعمله أغلب القوم، لا يقبل منه العذر سوى أن يكون هذا الجاهل قد دخل
الإسلام
حديثا، او كانت نشأته في مكان نائي وبعيد لا يعرف فيها بأمر التحريم.
ومن أمثلة هذا الأمر، الكلام في وقت الصلاة، والأكل في الصيام، وحرمة الزنا، والقتل، وشرب الخمر والسرقة، والقتل بالشهادة ولم يكن يعلم أنه يقتل بالشهادة، ومعاشرة المغصوبة، وغيرها من أمور تخفى على العامة.
والبعض من الفقهاء، يقول في ذلك أن ليس الجهل كله يعذر فيه صاحبه، وإلا اعتبر الناس الجهل أفضل من العلم، ويقول بعض العلماء أن العذر بالجهل وإنما جاء من باب التخفيف، وليس من باب الجهل، ومن ذلك فقد قال الإمام الشافعي رضي الله عنه “”لو عذر الجاهل.
لأجل جهله لكان الجهل خيرا من العلم، إذ كان يحط عن العبد أعباء التكليف ويريح قلبه من ضروب التعنيف، فلا حجة للعبد في جهله بالحكم بعد التبليغ والتمكين، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.””
ويؤكد العلماء على ضرورة التعلم، بل ووجوبه، وذلك أحد النسائل المهمة التي لها صلة وثيقة بالعذر بالجهل، ويأثم من يفرط متعمد أو متراخي أو متهاون أو متكاسل عن طلب العلم الواجب،
ومن يقصر في طلب العلم، فقد قال بعض من علماء الشريعة، أن الجهل ليس عارض يؤثر في عدم محاسبته، وإنما يحاسب بأمر ذلك الجهل للتقصير في الدفع بالتعلم.
وقد قال الأئمة في الكتب أن القاعدة الشرعية، أشارت على أن جميع الجهل من الممكن أن يكون للمكلف به الدفع، ولا يكون حجة الجهل، فإن الله سبحانه وتعالى، قد أرسل إلى الخلق
رسالة
وجعل له الأمر واجب في كل ما يعلموه، ثم يعملوا بذلك، حيث العمل والعلم بذلك واجب، وإن وصله العلم ولم يقم به، فهو ءدبذلك عاصي معصية واحدة بالترك، ومن علم الشئ وعمل به فقد كانت له النجاه. [1]
ضوابط العذر بالجهل
من المعلوم لدى المهتمين بالعلم الشرعي إن ضوابط التكفير هي من أشد أبواب العلم تعقيداً بشكل عام، كما وأنها من أكثر المواضيع صعوبة بشكل خاص هو أمر العذر بالجهل وهذه بعض قول لأحد كبار العلماء يوضح ذلك
قال شيخ الإسلام بن تيمية “”وما من الأئمة إلا من حكي عنه في ذلك ” قولان ” كمالك والشافعي وأحمد وغيرهم وصار بعض أتباعهم يحكي هذا النزاع في جميع أهل البدع ؛ وفي تخليدهم حتى التزم تخليدهم كل من يعتقد أنه مبتدع بعينه وفي هذا من الخطأ ما لا يحصى ؛ وقابله بعضهم فصار يظن أنه لا يطلق كفر أحد من أهل الأهواء ؛ وإن كانوا قد أتوا من الإلحاد وأقوال أهل التعطيل والاتحاد””.
اما عن ضوابط العذر بالجهل فهي
:
– ضوابط من حيث
نوعية المسائل المجهولة وضوحا وخفاء
، وهي ما لا يدرك بالعقل من المسائل والتي تحتاج لعلم، حيث قد يخفى دليلها على عامة الناس.
– ضوابط من حيث
حال الجاهل وصفته
، حيث يختلف الناس فيما بينهم في فهمهم وإدراكهم كما تختلف بحسب حاله، لو كان حديث العهد بالإسلام، أو أتى من منطقة بعيدة.
– ضوابط من حيث
حال
البيئة
وهو ضابط قائم على مكان الناس وزمانهم
، ومدى انتشار العلم بينهم.
– ضوابط من حيث
التسمية والعقوبة
، حيث يختلف الحال من حيث العقوبة وتسميتها بناء على هذا الضابط.
أدلة العذر بالجهل
وأدلة العذر بالجهل تتنوع ما بين الكتاب والسنة وهي في أمثلة كما يلي:
-
( وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) [القصص: 47].
-
(وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ) [الإسراء: 15].
-
(إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَاكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ ) [المائدة: 113].
-
( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) [التوبة: 115].
-
( اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ) [الأعراف: 138]
-
( رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) [النساء: 165].
-
وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء: 115].
ومن السنة أحاديث كثيرة منها:
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: (كان رجُلٌ يُسرِفُ على نَفْسِه، فلمَّا حضره الموتُ قال لبنيه: إذا أنا مِتُّ فأحرِقوني، ثم اطحَنُوني، ثم ذَرُّوني في الرِّيحِ؛ فوالله لَئِن قَدَر عليَّ رَبِّي ليُعَذِّبَنِّي عذابًا ما عَذَّبه أحدًا! فلما مات فُعِلَ به ذلك، فأمر اللهُ الأرضَ، فقال: اجمَعِي ما فيكِ منه. ففعَلَتْ فإذا هو قائِمٌ، فقال: ما حمَلَك على ما صَنْعَتْ؟! قال: يا رَبِّ، خَشْيَتُك. فغَفَر له)).
متى لا يعذر بالجهل
من كتب له الثبات لعقد الإسلام بيقين لم يزل ذلك اليقين عنه بالشك، وإنما لا يزول إلا عند وجود الدليل وإزالة الشبهة، ورفع عوارض التكفير من الجهل أو من التأويل أو من الإكراه، وهو ما يشتمل على مسائل في الأصول ومسائل في الفروع.
فمن علم بالدعوة وتبين له الحق وأقيمت الحجة عليه في مسألةٍ معينة، فهذا لا يعذر بالجهل، وأيضًا من يعيش في بلاد المسلمين ويستمع مواعظ وخطب، ويسمع كلام الله ولسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن هذا قد وصلته دعوة الله وأقيمت عليه الحجة ولا يعذر بجهله. [2]