فضل صيام تاسوعاء وعاشوراء


سبب صيام عاشوراء

إن السبب الرئيسي في جعل صوم يوم عاشوراء أمرًا مُستحَبًّا هو ما فعله

الله

سبحانه وتعالى مع سيدنا موسى عليه

السلام

؛ حيث إن الله سبحانه وتعالى في هذا اليوم نجّي سيدنا موسى عليه السلام وقومه من فرعون وملئه، ويُعَد صيام هذا اليوم أمرًا مُستحَبًّا وليس فرضًا.

فقدْ روى كلً من البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان يوم عاشوراء يوماً تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – يصومه، فلمّا قدم المدينة صامه، وأمر النّاس بصيامه، فلمّا فرض رمضان قال: من شاء صامه ومن شاء تركه)، كما روى كل من البخاري ومسلم أيضًا عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – يقول: (إنّ هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب عليكم صيامه، وأنا صائم فمن شاء صام، ومن شاء فليفطر).


فضل صيام تاسوعاء وعاشوراء

قد تسأل نفسك في يوم ما “

لماذا نصوم عاشوراء

وتاسوعاء؟”، ومن الممكن أن نجيب عن هذا

السؤال

بأننا نصوم يوم عاشوراء وكذلك يوم تاسوعاء لما لهذين اليومين من فضل عظيم على صائمهما، وإن فضل هذين اليومين جاء في العديد من الأحاديث النبوية الشريفة، ومنها ما يلي:

  • صيام يوم عاشوراء يتميز عن صيام أي يوم آخر في أنه بمثابة مُكفِّر لذنوب السنة التي تسبقه؛ وهو ما يدل على عظيم فضل الله سبحانه وتعالى علينا ورأفته ورحمته بنا، والدليل على هذا الفضل هو ما رواه مسلم عن أبي قتادة الحارث بن ربعي -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (وَصِيَامُ يَومِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ).
  • من فضل صيام يوم عاشوراء على

    الصائم

    أنه بهذا الصوم يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يهتم بشكل كبير بأن يصوم بعد رمضان الأيام التي يُعَد صيامُها مُستحَبًّا، ويوم عاشوراء من أهم هذه الأيام، والدليل على هذا الفضل هو ما رواه البخاري عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- أنّه قال: (ما رَأَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَومٍ فَضَّلَهُ علَى غيرِهِ إلَّا هذا اليَومَ، يَومَ عَاشُورَاءَ، وهذا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ).
  • أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين جميعًا بصيام يوم عاشوراء مثلما فعل أيضًا سيدنا موسى عليه السلام، والدليل على ذلك هو ما رواه البخاري عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- أنّه قال: (قَدِمَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المَدِينَةَ فَرَأَى اليَهُودَ تَصُومُ يَومَ عَاشُورَاءَ، فَقالَ: ما هذا؟، قالوا: هذا يَوْمٌ صَالِحٌ هذا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إسْرَائِيلَ مِن عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى، قالَ: فأنَا أحَقُّ بمُوسَى مِنكُمْ، فَصَامَهُ، وأَمَرَ بصِيَامِهِ).


الحكمة من صيام تاسوعاء وعاشوراء معًا

هناك عدة أوجه قام بتوضيحها علماء

الإسلام

للحكمة من صيام هذين اليومين معًا، وقام بذكرها وتوضيحها أيضًا

الإمام النووي

كالآتي:

  • صيام يوم تاسوعاء هو من باب وصل يوم عاشوراء بصوم؛ كحال

    يوم الجمعة

    المنهي عن إفراده بالصيام.
  • ضمان صيام يوم عاشوراء، تجنّب الوقوع في خطأ العدد الناشئ عن نقص الهلال الذي يجعل يوم عاشوراء هو تاسوعاء عدداً.
  • صيام يومَيّ تاسوعاء وعاشوراء يخالف منهج غير المسلمين في الاقتصار على صيام عاشوراء.

وإن صيام يوم تاسوعاء مقرونًا بصيام يوم عاشوراء هو أمر مُستحَب، وما دَلَّ على ذلك هو ما رواه الإمام مسلم عن بن عباس رضي الله عنه قال: (لمّا صام رسول الله يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله، إنّه يوم تعظمه اليهود والنّصارى، فقال: إذا كان عام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع، قال: فلم يأت العام المقبل حتّى توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم).


مراتب صيام تاسوعاء وعاشوراء

ذكرنا بالأعلى أن لصوم يوميّ تاسوعاء وعاشوراء هو أمر له فضل عظيم للمسلم، وذكرنا الأحاديث النبوية التي أشارت إلى هذه الأفضال، أمّا بالنسبة لمراتب صيام هذين اليومين، فهنّ ثلاث مراتب، وقد قام بتوضيحهم الفقيه العظيم ابن

القيم

الجوزية -رحمة الله عليه- كالآتي:

  • صيام يومين أحدهما سابق ليوم عاشوراء والآخر لاحق له، وهو أفضل المراتب وأكملها.
  • صيام تاسوعاء وعاشوراء وهو ما دلّت عليه معظم الأحاديث.
  • صيام يوم عاشوراء منفرداً، وأمّا صيام تاسوعاء فقط فهو أمر مُخالف للمنهج الديني، ويدلّ على قصور في فهم ألفاظ الآثار وطرقها.


موعد يومي تاسوعاء وعاشوراء

يأتي يوما تاسوعاء وعاشوراء اللذان يُستحَب صيامهما في الشهر الأول من العام الهجري (شهر الله المحرم)؛ فيكون يوم عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر محرم، والدليل على أن صومه مُستحَب هو ما رواه الألباني عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- أنّه قال: (أمرَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بِصَومِ عاشوراءُ ، يومُ العاشِرِ)

أما يوم تاسوعاء فهو يكون اليوم التاسع من شهر محرم، والدليل على أن صوم يوم تاسوعاء أمر مُستحَب هو ما قصده النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (فَإِذَا كانَ العَامُ المُقْبِلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا اليومَ التَّاسِعَ).


فضل شهر الله المحرم

شهر الله المحرم هو أول الشهور من العام الهجري، كما أنه أحد

الأشهر

الحُرُم، وقال الله سبحانه وتعالى عن الأشهر الحُرُم: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)

وأيضًا ما رواه

الإمام البخاري

عن أبي بَكْرَةَ رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ)

وقد ذكر الإمام ابن كثير في تفسيره للآية ٣٦ من سورة

التوبة

أن الله اصطفى من كل شهور العام شهرَ رمضان والأشهر الحُرُم، وقد قال في تفسيره: (فعظموا ما عظّم الله؛ فإنما تُعَظّم الأمور بما عظمها الله به عند أهل الفهم وأهل العقل)

والأشهر الحُرُم مُعَظَّمَةٌ حرماتها؛ فالذنوب فيها ذات حجم عظيم، وكذلك

العمل الصالح

ذو أجر عظيم؛ فالظالم في شهر الله المحرم أو أي شهر من الأشهر الحُرُم إنما هو يرتكب وِزرًا لا يُمكن أن يرتكبه عند الظلم في أي شهر آخر.


فضل الإكثار من صيام النافلة في شهر الله المحرم

قد روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ، ولكن ما تم إثباته هو أن الترغيب الذي يدلّ عليه هذا الحديث هو لإكثار الصيام في شهر الله المحرم وليس المقصود منه صيام الشهر كله؛ فإن الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يقم قَط بصيام أي شهر بشكل كامل إلا شهر رمضان.[1][2]