هل الطبخ يقتل الجراثيم
ما درجة الحرارة التي تقتل الجراثيم
بالفعل من شأن
الطبخ
أن يقتل الجراثيم الموجودة في
الطعام
، ولكن لتحقيق هذه العملية يجب طبخ الطعام عند درجات حرارة مرتفعة بعض الشيء؛ فقدْ ذكر العديد من الخبراء أنّ درجة الحرارة التي يتم بها طبخ الطعام عندما تتراوح بين 60 درجة و 66 درجة عادةً ما تستطيع أنّ تقتل معظم الجراثيم الموجودة في الطعام.
فيما ذكر بعض الخبراء أنّ الدرجة المُفضَّلة لذلك هي 70 درجة، والمُتَّفَق بينهم أنّ درجة الحرارة كلما ارتفعت زادت فعاليتها، كنا ذكر بعض العلماء أنّ
البكتيريا
والفيروسات التي من شأنها إصابة الإنسان بالأمراض، من الممكن قتل معظمها من خلال تعريضها لدرجة حرارة تصل إلى 74 درجة مئوية أو أعلى من ذلك قليلاً.
قد أشارت
وزارة
الصحة بولاية
نيويورك
أنّ رفع درجة حرارة الطعام من شأنه أنّ يتسبَّبَ في تدمير بنية الجراثيم والميكروبات؛ وهو ما يعوقها عن إتمام وظائفها الضارة بالإنسان، وإنّ السالمونيلا من الأمثلة على الجراثيم التي قد تسبّب الضررَ لصحة الإنسان والتي يُمكن القضاء عليها من خلال رفع درجة حرارة الطعام أثناء الطبخ
كما أنّ الطعام إذا كان مطبوخًا في وقت سابق والمُراد تخزينه ثم إعادة طبخه، يجب أولاً عدم تركه لأكثر من ساعتين خارج الثلاجة (أو
ساعة
عندما يكون الطقس حارًّا)، وعند إعادة طبخه في أي وقت، يجب إعادة تسخينه عن طريق رفع درجة حرارته مرة أخرى إلى 74 درجة مئوية كحد أدنى.
هناك اعتقاد شائع ثبُتَ عدم صوابه علميًّا؛ يقول هذا الاعتقاد أنّ خفض درجة حرارة الطعام عن طريق وضعه في الثلاجة من شأنه أنّ يقتل الجراثيم الموجودة فيه، ولكن الصواب لهذا الاعتقاد أن درجة الحرارة المنخفضة من شأنها أنّ تبطئ من نمو الجراثيم ولكن ذلك لا يعني أنها تقتلها، أي أن هذه الجراثيم تبقى نائمة بشكل مؤقت لحين استرجاع هذا الطعام لدرجة حرارة الغرفة، ولكت نسبة قليلة فقط هي التي تموت مع الحرارة المنخفضة.
أنواع البكتيريا الخارقة التي تتحدى أقسى الظروف
على الرغم من أن درجة الحرارة المرتفعة عادةً ما تؤثر بالسلب على البنية الأساسية للجراثيم الموجودة في الطعام والتي من شأنها إصابة الإنسان بالعديد من الأمراض، إلا إنّ هناك بعض الأنواع المختلفة من البكتيريا ذات القدرات الخارقة والتي تستطيع أنّ تتحمل الظروف القاسية جدا مثل أنّ بعضها يعيش في الأماكن القريبة جدًّا من فوهات البراكين والتي تتصف بالارتفاع الشديد في درجات حرارتها، وفيما يلي سنذكر هذه الأنواع مع نبذة مختصَرة عنها.
بكتيريا حشد الذئب (
Myxococcus xanthus
)
إنّ البكتيريا بشكل عام عادةً ما تجدها تعيش بشكل مستقِل عن غيرها، ولكن هذا النوع من البكتيريا والذي يُسمى «بكتيريا حشد الذئب» تمت تسميتها بهذا الاسم لأنها تتميز بعملها بشكل غير مستقِل؛ فهي تعمل في شكل سِرب تصعب هزيمته.
تعتمد آلية حركة هذا النوع من البكتيريا في أن الهدبة من أحد أفراد السِّرب، والتي تتميز بأنها طويلة وذات سمك رفيع، عادةً ما تلتصق مع فرد آخر في مقدمته أو من أسفل ثم يقوم كل فرد بسحب الأفراد الآخرين من السِّرب إلى الأمام وذلك في حركة انسابية الشكل.
هناك آلية معينة تعمل بها هذه البكتيريا من أجل مهاجمة الضحية التي تريد أنّ تتغذّى عليها؛ حيثُ إنّ هذه البكتيريا عندما تجد ضحيتها، تعمل على إنقاص سرعة حركتها، ثم تعمل على تجميع أنفسها في هيئة سِرب، وعادةً ما يكون هذا السِّرب على شكل برج متكوِّن ممّا يقرب من مائة ألف فرد من البكتيريا.
ذلك التجمع الذي يمتاز بقوة شديدة ويصعب القضاء عليه، يعمل أفراد هذا السِّرب على إفراز العديد من الأنواع المختلفة من المضادات الحيوية بالإضافة إلى العديد من الإنزيمات الهاضمة، تعمل كل هذه المواد المُفرَزة على إعاقة حركة الضحية وشلّها بشكل كامل للقضاء عليها وتحليلها للاستفادة منها.
من أهم مميزات هذا النوع من البكتيريا أنها تستطيع تحمُّل الظروف شديدة الصعوبة؛ حيثُ إنّها عندما تتعرَّض لمثل هذه الظروف القاسية، تعمل على إحاطة نفسها من الخارج بطبقة تكون شديدة القوة تجعلها تتحمّل الظروف الصعبة، كما توقف نشاطها تمامًا بشكل مؤقت، وتعمل هذه الطبقة المتكونة على حماية البكتيريا لحين تحسُّن الظروف وتصبح ملائمة لمعيشة هذه البكتيريا، في هذا
الوقت
تقوم البكتيريا بتحليل هذه الطبقة الخارجية ثم تعود لنشاطها الطبيعي مرة أخرى.
بكتيريا فوهات البراكين والينابيع الحارة (
Strain 121
)
من الطبيعي أنّ المعيشة عند فوهات البراكين تكاد تكون مستحيلة سواء على الكائنات الحية المرئية أو غير المرئية، ولكن بالفعل أثبتت بعض الدراسات أنّ هناك بعض الأنواع من البكتيريا تستطيع أنّ تتحمّل درجة الحرارة العالية جدًّا الموجودة عند فوهات البراكين والينابيع الحارة، ليس ذلك فقط، بل إنها تصل إلى أفضل نشاط لها في هذه الظروف القاسية على الرغم من أنّ درجة الحرارة بالقرب من فوهات البراكين قد تصل في بعض الأحيان إلى ما يقرب من 121 درجة مئوية أو أكثر
وجاء تفسير هذه الحالة بأنّ هذه البكتيريا تعتمد في غذائها بشكل رئيسي على عنصر الحديد الموجود في الصخور المنصهرة التي تخرج من فوهات البراكين، كما أنها لتتأقلم مع مثل هذه الظروف؛ عادةً ما تقوم بأفراز بعض الإنزيمات والمواد المحفِّزة التي تزيد من سمك جدارها الخلوي؛ حيث إن جدار البكتيريا يستطيع أن يصل إلى ضعف سمكه في خلال
24 ساعة
فقط.
بكتيريا الجليد (
Psychrophiles
)
كان هناك اعتقاد شائع يقول إنه على الرغم من أن هناك العديد من أنواع البكتيريا التي تستطيع أن تعيشَ في ظروف قاسية جدًّا، إلا إنّ لهذه الظروف حدودًا لا تستطيع البكتيريا أن تتخطاها في التأقلم، وكان يرى هذا الاعتقاد أنّ الظروف شديدة البرودة من الأمثلة على الحدود التي لا تستطيع أن تتخطّاها البكتيريا
وأنه من الأماكن التي من الممكن تطبيق هذا الافتراض عليها المناطق المليئة بالثلوج خصوصًا الجليد القطبي، وكذلك المحيطات شديدة العمق؛ حيث إن محتوى هذه المحيطات من الأملاح يجعل المياه تصل درجة حرارتها في بعض الأحيان إلى – 12 درجة مئوية دون أن تتحول إلى ثلوج.
تمكَّن العلماء بعد ذلك من اكتشاف أنواع من البكتيريا أطلقوا عليها اسم «بكتيريا الجليد» تستطيع أن تتأقلم تمامًا مع مثل هذه الظروف وتمارس نشاطها بشكل طبيعي؛ حيث وجدوا هذه البكتيريا تتمكّن بالفعل من المعيشة عند عمق وصل إلى 800 متر في إحدى البحيرات التي توجد تحت الجليد الموجود في القطب الجنوبي؛ حيث تصل درجة الحرارة عند هذا العمق إلى ما هو تحت الصفر.
تستطيع هذه البكتيريا أن تعيش في مثل هذه البيئات على أعماق كبيرة ودرجة حرارة شديدة الانخفاض من خلال آلية خاصة بها؛ وتعتمد آليتها في التأقلم على إنتاج مواد معينة أهمها الجليسرين، تلك المواد تُعتبر مضادة للتجمد.
وتعمل هذه المواد على خفض درجة الحرارة التي تتحوّل عندها المياه من الحالة السائلة إلى الحالة الصلبة (حيث إن تحوُّل
الماء
إلى ثلج يؤثر بالسلب على المادة الوراثية للبكتيريا)؛ ومن ثم تُمكِّن البكتيريا نفسَها من المعيشة في درجات الحرارة شديدة الانخفاض، كما تعتمد بعض أفراد هذا النوع من البكتيريا في تأقلمه على تكوين بعض العلاقات التكافلية التي تقوم بإنشائها بينها وبين الكائنات الحية الأخرى.[1][2]