السبيل ونشأته وتطوره في العمارة الإسلامية
الأسبلة في العمارة الإسلامية
إن الأسبلة هي أحد مظاهر
العمارة الإسلامية
التي يتم تخصيصها لكي تقوم بتوفير وحفظ كميات كافية من المياه، وتكون هذه الأسبلة موجودة عادةً في الطرق أو في المساجد، ويتم استخدام هذه الأسبلة بشكل أساسي منذ نشأتها من أجل سقاية المارة الذين يشعرون بالعطش من الطريق.
أي أن الهدف الأساسي من استخدامها هو هدف روحي يتمثل في الرغبة في الحصول على الأجر والثواب من هذا الفعل الطيب، وإن العرب على مر العصور المختلفة كانوا يقومون بعمل هذه الأسبلة كعادة لهم، وهو ما يدل على ما يتصفون به من صفات طيبة كالمروءة والكرم.
هناك بعض المكونات الأساسية للسييل والتي تتمثل في الصهريج الذي تتمثل وظيفته في ضخ المياه اللازمة للشرب، وحجرة التسبيل التي تقع في وضع متوسط بين الصهريج ومكان سقاية المارة، وفي هذه الحجرة يُوجد ما يُطلَق عليه اسم «شذروان»؛ وهو عبارة عن لوح مصنوع من مادة الرخام المنقوش.
وتتمثل وظيفة الشذروان في تقليل درجة حرارة المياه التي تمر من خلاله وتبريدها، وذلك قبل أن تصل إلى للأحواض التي يشرب منها المارة، ويوجد خلف الحوض ما يُسمى بشباك التسبيل، وأمام هذا الشباك تجد لوحًا آخر مصنوع من مادة الرخام أيضًا، ولكن وظيفة هذه الألواح تتمثل في حمل الأواني التي يشرب فيها المارة، كما تجد أسفل كل شباك تسبيل مصطبة، وتتمثل أهمية هذه المصاطب في وقوف المارة عليها أثناء الشرب من السبيل.
أهم الأسبلة الإسلامية
ذكرنا بالأعلى أن العرب على مر
التاريخ
كانوا يبنون الأسبلة ويستخدمونها كعادة لهم رغبةً منهم في الفوز بالثواب، وهناك العديد من الأسبلة الإسلامية المميزة التي يجب ألا نغفل عنها، وفيما يلي توضيح لأهم هذه الأسبلة.
سبيل
محمد علي
وهو أحد
أشهر
الأسبلة الإسلامية، ومقرّه يوجد بجانب باب زويلة الذي يقع في شارع المعز لدين
الله
الفاطمي، وتأتي بداية نشأة هذا السبيل على يد والي مصر محمد علي باشا، وكان بناؤه لهذا السبيل حبًّا في ابنه المتوفى؛ حيث إن محمد علي باشا كان له ابن توفي في وقت سابق وهو في الثانية والعشرين من عمره خلال عام 1825 للميلاد
وكانت وفاته نتيجةً لإصابته بمرض الطاعون الذي كان سببًا في وفاة عدد كبير من الأشخاص في وقت سابق، وكان محمد علي يحب ابنه حبًّا شديدًا، وتعبيرًا لحبِّه لابنه؛ قام ببناء هذا السبيل على روحه، وكان بناء السبيل بعد وفاة ابن محمد على باشا بحوالي ثلاث سنوات؛ أي أن بناء السبيل كان تقريبًا خلال عام 1828 للميلاد.
أثناء قيام محمد علي باشا ببناء هذا السبيل، ركّزَ كثيرًا على أن يكون السبيل واقعًا في مكان حيوي مميز؛ حيث قام ببنائه في قلب السوق التجاري في مصر في ذلك الوقت، وفد أعار محمد علي باشا لبناء هذا السبيل انتباهًا كبيرًا واهتمامًا شديدًا حتى أنه أمر بأن يتم بناء السبيل باستخدام الخشب والرخام الذي يتم استيراده خصيصًا من تركيا، وجاء تكوين هذا السبيل عبارة عن:
- حجرة مستطيلة الشكل، وجاءت هذه الحجرة مُطِلَّة على غرفة التسبيل.
- حوض بيضاوي الشكل، وتم تصنيع هذا الحوض من مادة الرخام الأبيض.
- واجهة سبيل مميزة، وتم تصميمها بطراز الأسبلة العثمانية، وجاءت هذه الواجهة ممتلئة بالزخارف الرائعة التي تم نحتُها على الرخام.
سبيل خسرو باشا
وهذا السبيل هو الآخر أحد أشهر الأسبلة الإسلامية، كما تم بناؤه أيضًا في شارع المعز لدين الله الفاطمي، ولكن المسؤول عن بناء هذا السيل كان خسرو باشا؛ وهو كان والي من الولاة الذين تولّوا حكم مصر خلال العصر العثماني، وعلى الرغم من أنّ هذا السبيل ينتمي إلى العصر العثماني إلا إن تصميمه لم يكن عثمانيًّا بشكل خالص؛ بل إنه يشبه الطرز المحلية.
جاء تصميم هذا السبيل كالآتي:
- السبيل لم يتم بناؤه في شكل مقوس؛ بل تم تصميمه في شكل مستطيل ويتكون من طابقين؛ والطابق الأول منهما أصبح يحوي شباكين.
- حجرة السبيل؛ وهذه الحجرة تم تصميمها بأن تتم تغطيتها باستخدام رخام ملون، وهذا الرخام يوجد في عدة أشكال هندسية مختلف.
- حجرة تعلو حجرة السبيل؛ وهذه الحجرة كان يتم استخدامها كتابًا، وهذه الحجرة تحوي شباكين في شكل مقوس، كما يعلو هذين الشباكين برواز خشبي من الأرابيسك.
- واجهة تم تصميمها بأن يحيط بها بعض الصفوف من الرخام الأحمر.
نشأة وتطور الأسبلة الإسلامية
ذكرنا بالأعلى أن بناء الأسبلة منذ
القدم
كان عند العرب والمسلمين وسيلة لكسب الثواب عن طريق سقاية المارة، ونظرًا لكونه سببًا للخير وتكفير الذنوب؛ كان
الأمراء
والحكام يسارعون بشكل كبير في إنشاء هذه الأسبلة في الكثير من الأماكن المختلفة من أجل أن يعم الخير، وكانوا يقومون بإنشاء هذه الأسبلة أيضًا على روح الأشخاص الأعزاء عليهم، كما كان يتم السماح لكل الأشخاص بالشرب من هذه الأسبلة بغض
النظر
عن جنسياتهم المختلفة، وكان
الماء
عادةً لا ينقطع عن هذه الأسبلة أبدًا.
بالنسبة للأسبلة التي تم بناؤها في بلاد الشام، لم يتمّ ذكر معلومات كافية عنها على الرغم من أنّها كانت كثيرة مثلما كان موجودًا في مصر، ولكن ذكرت بعض المصادر أن المماليك قد قاموا بالفعل بإنشاء عدد كبير من الأسبلة في العديد من مدن بلاد الشام؛ حيث كانت هناك بعض المدن التي يعاني ساكنوها من قلة
مياه الشرب
التي يتمكنون من الحصول عليها.
وقد قام المماليك في عصرهم بإنشاء أسبلة جديدة وتجديد أسبلة قديمة؛ ذلك كله من رغبةً منهم في توصيل المياه للسكان؛ فمثلاً تم تجديد سبيل قديم يُسمى «شعلان» على يد السلطان برسباي، وإن سبيل «شعلان» كان قد تم بناؤه في وقت سابق على يد الملك المعظم عيسى الأيوبي، وكان بناء هذا السبيل خلال عام 1216 للميلاد.
إذا نظرنا إلى الأسبلة التي تُعتبر حديثة وتم إنشاؤها في بيت المقدس، سنجد أنّ المعلومات الخاصة بها تم ذكرها من قِبَلِ مؤرخ يُسمى «مجير الدين الحنبلي»؛ فقدْ ذكر هذا المؤرخ أن السلطان الأشرف قد قام خلال عام ١٤٥٥ للميلاد بإنشاء سبيل باسم «قايتباي»؛ وهذا السبيل هو القائم في مكان بين مسجد الصخرة والمطهرة، ومكان هذا السبيل يوجد بالضبط فوق البئر الذي يقابل درج الصخرة الغربي وتم فرش أرضيته باستخدام الرخام.
وصف السبيل
من الممكن القول بأنّ ليس هناك أي مصادر إسلامية تقوم بوصف الأسبلة الإسلامية بدقة، ولكن نستطيع أنّ نعتمد على بعض الوصف الذي تم ذكره خلال بعض الدراسات التي تم إجراؤها في هذا الشأن ولكن عن الأسبلة في العصر المملوكي؛ حيثُ ذُكِر أن السبيل عبارة عن طابقين؛ الطابق الأول منهما يتمثل في بئر عميقة يتم حفره في الأرض بعمق مناسب، وهذا البئر يقع في سقفه غطاء مصنوع من الرخام.
فيما يعلو الطابق الثاني منهما عن سطح الأرض، ويتم تسمية هذا الطابق بحجرة التسبيل؛ وهي المسؤولة عن نقل الماء وتوزيعه على الراغبين في الارتواء، وكانت الشبابيك الموجودة في واجهة السبيل مصنوعة من مادة النحاس، وكان منشؤو هذه الأسئلة عادةً ما يبدعون في تصميم أشكال هذه الشبابيك وكذلك الزخارف التي تزيّنها؛ فكانت الأسبلة الناتجة تظهر بمناظر جميلة واحترافية تدلّ على مدى إبداع المسلمين في هذا الوقت.[1]