مؤسس المذهب الصوفي .. ونشأة التصوف ومراحله
معنى التصوف وأصل نسبته
إن العلماء قد تنازعوا على فكرة أصل التصوف وإلى أي شي ممكن أن تضاف فإن بعض العلماء قد قالوا أن التصوف نُسب إلى أهل الصُفَّة، وقد قيل نسبة إلى الصفوة، والبعض صرحوا أن نسبة التصوف تعود إلى نسبة إلى الصف المقدم، والبعض الآخر قال بأنه نسبة إلى صوفة بن بشر وهو رجل عرف بالزهد في الجاهلية، أما الإمام ابن تيمية قال كل هذا الكلام خاطئ لأن التصوف هو نسبة إلى لبس الصوف، وهنا نجد أن القشيري قد نفى صحة قول ابن تيمية حيث أنه أكد أن هؤلاء القوم لم يمعرفوا بلبس الصوف، ومهما كان أصل نسبة كلمة التصوف إلا أنه هذا اللفظ غدا علماً على طائفة محددة فاستغنى بشهرته عن أصل نسبته.
أما مفهوم ومعنى التصوف فهو يتجلى في عدة معاني وفي العديد من العبارات المختلفة التي قالها العلماء كل حسب تصوره ونظرته للتصوف ومن هذه التعاريف لمفهوم التصوف:
- فقال بعضهم في تعريف التصوف أنه هو الدخول في كل خلق سني وهو الذي يدفعك إلى الخروج عن كل خلق دني.
-
وقد قيل أيضاً بمعنى التصوف أن يكون العبد في كل وقت بما هو أولى به في هذا
الوقت
، أي أن الإنسان إن كان في وقت
الصلاة
يجب أن يكون مصلياً، أما إن كان في الوقت الخاص بالذكر فمن الواجب أن يكون داكراً لهذا أطلق عن الصوفي بأنه هو ابن وقته. - وإن من تعاريف التصوف بأنه هو الأخذ بالحقائق واليأس بما في أيدي الخلائق.
- وإن التصوف هو أيضاً مراقبة الأحوال بالإضافة إلى أنه لزوم الأدب.[1]
من هو مؤسس المذهب الصوفي
إن العلماء قد اختلفوا في بدء ظهور الصوفية ومن هو الذي بدأ بتأسيسها ولكن سنورد بعض الأقوال التي حددت بعض الأشخاص الذين من الممكن أن يكونوا هم من مؤسسي المذهب الصوفي وهي كالتالي:
-
روي عن سفيان الثوري رحمه
الله
أنه قال: لولا أبو هاشم الصوفي ما عرفت دقيق الرياء. -
قال السهروردي: “وهذا الاسم لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم”، وقيل: كان في زمن التابعين، ثم قال: وقيل: لم يعرف هذا الاسم إلى المائتين من
الهجرة
العربية. - صرح عبد الرحمن الجامي: “أن أبا هاشم الكوفي أول من دعى بالصوفي، ولم يسم أحد قبله بهذا الاسم، كما أن أول خانقاه بني للصوفية هو ذلك الذي في رملة الشام”.
- وإن الهجويري فصرح أن التصوف كان موجودا في زمن الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان باسمه، وقد أشار واستدل على كلامه بحديث موضوع مكذوب على رسول الله فقد قال: “من سمع صوت أهل التصوف فلا يؤمن على دعائهم كتب عند الله من الغافلين”.
نشأة التصوف الإسلامي
إن منشأ التصوف كان في البصرة وإن أول من بنى ديرة التصوف هم بعض أصحاب عبد الواحد بن زيد ومن أصحاب الحسن البصري رحمه الله، وإن في هذه الديرة كان هناك مبالغة للعبادة من قِبل المتصوفين وأمور لم تكن مألوفة مثل كأن يسقط أحدهم مغشياً عليه عندما يسمع
القرآن الكريم
، أو من يخر ميتاً، وهنا في هذا الوقت قد افترق الناس على هذه التصرفات بين مادح ومنكر، وإن من الأشخاص الذين أنكروا هذا الفعل جمع من الصحابة من بينهم أسماء بنت أبي بكر بالإضافة إلى عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم، حيث أن هذه المظاهر بم تكن متواجدة في زمن الرسول عليه الصلاة والسلام.
ويرى البعض أن مفهوم التصوف قد تم استحداثه بعد عهد الرسول والصحابة، فقد أكد ابن الجوزي في لفظ الصوفية بأنه قد استحدث ولم يكن معروفاً في عهد الرسول، فقد نشأ أقوام قد تعلقوا بالزهد والتعبد وتخلوا عن الدنيا واتخذوا في ذلك طريقة ليتفردوا بها، وإن في القرن الأول لم يكن هناك اسم التصوف بل كان الأشخاص الذين نهجوا هذا النهج يعرفوا باسم الزهاد والبكائين وقد كان اعتقادهم وإيمانهم نقياً وخالصاً لله وقد كان هدفهم من الابتعاد عن الدنيا هو خوفهم من عذاب الآخرة.
وإن اسم الصوفية كان في وقت الحسن البصري وكان الحسن قد رأى جماعة من
أصحاب الرسول
عليه الصلاة والسلام وقد رُوي عنه أنه قال: “رأيت صوفيا في الطواف فأعطيته شيئا فلم يأخذه وقال: معي أربعة دوانيق يكفيني ما معي”، و قال السهروردي: “وهذا الاسم لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: كان في زمن التابعين – ثم نقل عن الحسن البصري وما نقلناه عن الطوسي أيضا – ثم قال: وقيل: لم يعرف هذا الاسم إلى المائتين من الهجرة العربية”، ونجد في النهاية أن جميع العلماء قد اتفقوا على حداثة الصوفية وهي لم تكن متواجدة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام..
وإن بعد الفتوحات
الإسلام
ية قد اختلط المسلمون بشعوب وحضارات أخرى وقد انغمسوا في الترف كرد فعل على حياة المسلمين المتشددين، وخاصة أهل البصرة والكوفة الذين قاموا بالمغالاة في سلوكهم التعبدي بالإضافة إلى
الانعزال
عن الدنيا وقد ابتعدوا كثيراً عن النهج الإسلامي الصحيح، وإن كل هذا أسهم في ظهور المتصوفة الذين اختاروا العزلة على إراقة دماء المسلمين.[2]
مراحل التصوف
إن التصوف الإسلامي قد مر بعدة مراحل وأدوار تاريخية وإن كل دور من هذه الأدوار قد تميز بخصائص خاصة به وتتجلى هذه المراحل بــ :
-
المرحلة الأولى:وهي المرحلة التي تجلت في القرنين الهجريين الأول والثاني حيث أن مرحلة الزهد هي التي نشأت من خلال عوامل إسلامية صرفة وقد تجلت نشأته في عاملين هما:
- تعاليم الإسلام التي كانت أسسها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وهي التي دعت إلى الزهد والعبادة وقيام الليل.
- اتساع الرقعة الإسلامية حيث أنها مرت بمرحلة الترف والبذخ التي صاحبت الفتوحات.
-
المرحلة الثانية: وهي المرحلة التي تجلت في القرنين الثالث والرابع الهجري حيث أن في هذه المرحلة قد تطور الزهد ولم يبقَ على الصعيد الفردي فحسب وإنما أصبح حركة منتظمة وقد سميت بالتصوف، وقد تطورت إلى مواضيع جديدة كالمقامات والمعرفة والتوحيد والفناء وقد تضمنت هذه المرحلة بنوعين من التصوف وهما:
- سني يتقيد بكتاب الله وسنته الشريفة ويعتبرهما أنهما مصدرين من مصادر التصوف، وإن هذا النوع يكون بعيداً كل البعد عن الكرامات الصوفية الخارقة وإن هذا النوع من التصوف هو المقبول.
-
أما التصوف الثاني فهو الفلسفي الذي يحتوي على
النظر
العقلي، وإن هذا النوع يكون منطلقاً من الفناء إلى مرحلة الاتحاد والحلول، وإن هذا التصوف مرفوض.
-
المرحلة الثالثة وهي التي تجلت في القرنين الهجريين السادس والسابع حيث أنها تميزت بظهور التصوف الفلسفي، وقد تأثر بالفلسفة الخارجية كاليونانية والمسيحية واليهودية وغيرها، وقد تم التأثير على التصوف الإسلامي من قِبل الفلسفة اليونانية عن طريق الأفلاطونية المحدثة وتأثيره على المذهب الإشراقي، وإن هذا التاثير ظهر على محي الدين ابن عربي الذي قال بوحدة الوجود، بالإضافة إلى ابن السبعين ونظريته في
الوحدة
المطلقة.[3]
وبعد المرحلة الأخيرة نجد أن التصوف قد أصيب بنوع من التدهور فلم يتم إضافة أي شيء جديد بعد القرن السابع الهجري، ويعود السبب إلى أن الصوفية قد تعرضت إلى اضطهاد.