تحليل قصيدة يا ليل الصبّ متى غده وشرحها

التعرف بمؤلف قصيدة يا ليل الصبّ متى غده

هو علي بن عبد الغني الفهري الحصري الضرير أبو الحسن “420 هـ – 488 هـ / 1029 – 1095 م”، حيث يعتبر

علي الحصري القيرواني

شاعر تونسي مشهور من القيروان، كان ضريراً ولد وعاش بالقيروان وتوفي في طنجة، وحفظ القرآن بالروايات وتعلم العربية على شيوخ عصره.

اتصل ببعض الملوك وأثنى على المعتمد بن عباد بقصائد، وكتب له كتاب “المستحسن من الأشعار”، وهو ابن عم خاله إبراهيم الحصري صاحب زهر الآداب، وانتشرت شهرته كشاعر فحل، وشغل الناس بشعره، ولفت أنظار طلاب العلم الذين اجتمعوا حوله، ودرسوه ونشروا أدبه.

وله مجموعة شعرية بعضها بقي في مخطوط، وطرح قريح واجتراح الجرحى مؤلف بكلمات معجم في مرثية ابنه يحيى وجمعية الحصري بغزال ونسيب عن كلمات وقصيدة حصرية 212 آية في القراءة.

كما تأثر أبو الحسن علي القيرواني الحصري بفقدان والدته وبصره وهو طفل، ثم فقد والده في بداية شبابع.، كما عاش في القيروان وعمل مدرساً وكتب الشعر، ثم انتقل إلى

سبتة

وتميز في عالم الشعر ، ثم عاد إلى طنجة وبقي هناك حتى وفاته.

كما تعتبر قصيده “يا ليل الصب متى غده” من

أشهر


قصائد

الحصري، حيث أشاد فيها الأمير أبا عبد الرحمن محمد بن طاهر صاحب مرسية، وركزت الآيات في أيدينا على المعنى التقليدي للغزل فالصب وما يسبب الأرق والشوق وما يفعله بالدموع ما يلفت الانتباه إلى هذه القصيدة عدد كبير من القصائد التي يعارضها شعراء العصر الحديث: أبو القاسم الشابي وأحمد شوقي وبشارة خوري.

أبيات قصيدة يا ليل الصبّ متى غده

يَا لَيْلُ الصَّبُّ مَتَى غَدُهُ * أَقِيَامُ السَّاعَةِ مَوْعِدُهُ

رَقَـدَ السُّمَّـارُ فَأَرَّقَـهُ * أَسَفٌ للبَيْنِ يُرَدِّدُهُ

فَبَكاهُ النَّجْمُ ورَقَّ لـهُ * ممّا يَرْعَاهُ ويَرْصُدُهُ

كَلِفٌ بِغَزَالٍ ذي هَيَفٍ * خَوْفَ الوَاشِينَ يُشَرِّدُهُ

نَصَبَتْ عَيْنَايَ لَهُ شَرَكَاً * في النَّوْمِِ فَعَزَّ تَصَيُّدُهُ

وَكَفَى عَجَبَاً أنِّي قَنِصٌ * للسِّرْبِ سَبَانِي أَغْيَدُهُ

صَنَمٌ للفِتْنَةِ مُنْتَصِـبٌ * أَهْوَاهُ وَلا أَتَعَبَّـدُهُ

صَاحٍ والخَمْرُ جَنَى فَمِهِ * سَكْرَانُ اللَّحْظِ مُعَرْبِدُهُ

يَنْضُو مِنْ مُقْلَتِهِ سَيْفَاً * وَكَأَنَّ نُعَاسَاً يُغْمِـدُهُ

فَيُرِيقُ دَمَ العُشَّاقِ بِـهِ * والويلُ لِمَنْ يَتَقَلَّـدُهُ

كَلاّ، لا ذَنْبَ لِمَنْ قَتَلَتْ * عَيْنَاهُ وَلَمْ تَقْتُلْ يَـدُهُ

يَا مَنْ جَحَدَتْ عَيْنَاهُ دَمِي * وَعَلَى خَدَّيْهِ تَـوَرُّدُهُ

خَدَّاكَ قَدْ اعْتَرَفَا بِدَمِي * فَعَلامَ جُفُونُكَ تَجْحَدُهُ

إِنِّي لأُعِيذُكَ مِنْ قَتْلِي * وَأَظُنُّكَ لا تَتَعَمَّـدُهُ

بِاللهِ هَبِ المُشْتَاقَ كَرَىً * فَلَعَلَّ خَيَالَكَ يُسْعِـدُهُ

لَمْ يُبْقِ هَوَاكَ لَهُ رَمَقَاً * فَلْيَبْكِ عَلَيْهِ عُـوَّدُهُ

مَا ضَرَّكَ لَوْ دَاوَيْتَ ضَنَى * صَبٍّ يُدْنِيكَ وَتُبْعِـدُهُ

وَغَدَاً يَمْضِي أَوْ بَعْدَ غَدٍ * هَلْ مِنْ نَظَرٍ يَتَزَوَّدُهُ

يَا أَهْلَ الشَّوْقِ لَنَا شَرَقٌ * بِالدَّمْعِ يَفِيضُ مُوَرَّدُهُ

يَهْوَى المُشْتَاقُ لِقَاءَكُمُ * وَصُرُوفُ الدَّهْرِ تُبَعِّدُهُ

مَا أَحْلَى الوَصْلَ وَأَعْذَبَهُ * لَولا الأَيَّامُ تُنَكِّـدُهُ

بِالبَيْنِ وَبِالْهِجْرَانِ ، فَيَا * لِفُؤَادِي كَيْفَ تَجَلُّدُهُ

الحُبُّ أَعَفُّ ذَوِيهِ أَنَـا * غَيْرِي بِالْبَاطِلِ يُفْسِدُهُ

تحليل وشرح قصيدة يا ليل الصبّ متى غده

بدأ الشاعر القصيدة بمناداة الليل حيث قال: “يا ليل”، ثم وجّه إليه سؤالاً، فقال له: “يا ليل متى يكون غده”؟ لذلك ، لا يتم إضافة صبُّ إلى ليل، حيث أنّ كلاهما مرفوعان، فيقول: يا ليل متى نلتقي

الحب

يب؟ متى تكون الليلة لمقابلته غدا؟ أم أن لقائه بعيد جدًا مثل قيام الساعة، كما يُبيّن في قوله: “رقد السُّمّار” والسَّمَرُ يمكثان حتى

ساعة

متأخرة من الليل للحديث، ويقول مخاطباً الليل: حتى السّمّار رقدوا وناموا سواي، وأنا حزين على فقدان

حب

يبي.

كما يصف الشاعر حالته الحزينة ولياليه المريرة، ويوجه عينيه إلى السماء ناظراً إلى النجوم ويراقبها، حتى النجوم بكت عليه وخففت حالته ونظرته الطويلة إليها، ويقود الشاعر سر أرقه ويقظه نحو الليل والنجوم فيقول: يميل ويحب أيلًا فهو مولعٌ بضيق الخصر وبطن رشيقة ودائمًا ما يقارن العرب الحبيب الجميل بالغزال وبالظبي وبالشادن بسبب حنان الخصر وسحر عيونهم ورشاقة حركتهم ولعفة

محبوب

ته رفضت مقابلته خوفًا من الافتراء الذي يتكلم به الواشين بسوء.

ويُبيّن بأنّه عزت عليه رؤيته في الحقيقة فينام علِّيَ رؤياه في المنام، وبما أن محبوبه غزال، فقد نصب له عينَه شركًا ليسقط فيه ويراه، ولكنه صعب الصيد في الحقيقة وصعب الصيد كذلك في

النوم

، ولأعجوبة حالته يكفي أن يكون قناصاً أي: ماهر في الصيد فعندما رأى أجمل وأنعم غزال ورشيقه لم يستطع اصطياده بدلًا من ذلك، طارده وسبه.

وبحسب جمال محبوبته، فهو يشبه صنمًا ساحرًا يثير تمرد الخليقة، لذا فهو في العبادة حقيق لكن توحيد الشاعر يرفضه ويقول: إني أعشقه وشهواته ولا أعبده، ويُبيّن الشاعر أنّ محبوبته لا تشرب الخمر ومع ذلك، فإنّ الخمر يكسر ويسقط من فمه ثم يرسم الشاعر صورة ظريفة وجميلة وجميلة جدًا لعين محبوبته ويقول أنّ عيناه سكران ومتعجرفان ولا يعرف الحقيقة ولا ينفي الأخطاء بل يدعه يشعر بالعربدة، ولكن فقط بالنظر.

يواصل الشاعر ابتكار أكثر

الصور

إبداعًا وروعة ليصف عيون حبيبه ويقول: بمجرد أن ينظر إليك يخرج السيف من عينه نحوك ليقتلك، لكن النعاس الساحر في عينه يعيد ذلك السيف ويغلفه برداء ومن المعروف أن العين النائمة هي أجمل وأحلى عين، لذلك جمع حبيبه العين القاتلة بالعين النائمة، وهذه تقيدهم ولا تسمح لهم بالقتل.

وبالرغم من ذلك كل من يحبه أو يعشقه يسفك الدماء حتى لا ينظر في عينيه لفترة طويلة، فالويل لكل من يرحل أمام تلك العيون، فيبرر لحبيبه أنّه لا ذنب له ولا وزر عليه، فهو لم يقتل أحدًا بيده، وإنّما قتل بعينه، فمذ متى كان المرء مؤاخدًا بالنظر بعينه.

بعد كل هذه التحذيرات والاتهامات بحق حبيبه يقول: لمحبوبه ما كان ليقتله عمدًا، وأنه منعه من قتله، ثُم يلتمس محبوبته لأنّ عينيه قد تقوده لقتله عن طريق الخطأ أو السهو دون قصد، وينهي مناجاته مع حبيبته ويقول: ضعني في النوم حتى أراك أو حتى مخيلتك في المنام، بحيث تكون سعادتي وعزائي، ويقول له: ما يؤذيك إذا شفيت من إجهاد ومرض حبيبك وعاشقك  الذي يحاول الاقتراب منك، وأنت تبعده عنك وترفض مقابلته.

كما يقول أنّ حب محبوبه أرهقه وأصابه بالمرض، ولم يبق له نسمة حياة، وهو كذلك كل يوم، فهو فقط ينتظر رؤيته، لذا سيزيد من قوته وصبره في الحياة، كما يناجي الشاعر عشاق مثله ورواة مشتاقين يتحدثون، فيقول: من كثرة دموعي وسفكها، أشرق معهم، فهل حقق أحد منكم هذا؟ وكل ما يريده الشاعر هو أن يرى حبيبته ، لكن الأقدار والأيام ترفض إلا الفصل بينهما.

يقول: ما أحلى العلاقة ولقاء محبوب إذا استمرت، فالأيام الحزينة تجلب الفراق والتباعد بين العشاق، ويتعجب من صمود قلبه وثباته على مسافة حبيبه وذلك السيف نهارًا وفراق حبيبته.

يختم الشاعر قصيدته قصيدته الحلوة والرائعة ببيت يخلده لنفسه، حيث يرمز إلى عفته ونقاوته وعظمته، حيث يقول: أسامح حبيبي وأنا لا ألمسها أو أقربها، ولعل هذا هو سبب بؤسه لأنه اختار أن يسلك طريق العفة مع محبوبته بينما يفسد غيره عذرية الحب ويدنسها بانتهاك قداسة محبوبته وحرمتا من عفته حتى لو كان ذلك برضا محبوبته.


الحب الحقيقي

هو أن تحافظ على عفة حبيبتك ونقاوتها، وتحميها من كل ما يخدشها أولاً منك، ثم من غيرك، لأن الشاعر يعطينا مثالاً للصبر والصبر مع حبيبه حتى يسمح له ولكن بطريقة قانونية وأخلاقية.[1]