مكتشف رموز حجر رشيد .. “جان فرانسوا شامبليون”
حياة جان فرانسوا شامبليون
أي شخص درس مصر القديمة سيكون على دراية بـ جان فرانسوا شامبليون Jean Francois Champollion حيث كان له الفضل في فك رموز الهيروغليفية من حجر رشيد وبالتالي منح العلماء المفتاح لفهم الهيروغليفية ولهذا الجهد المستمر كثيراً ما يشار إليه على أنه أبو علم المصريات لأنه قدم الأساس الذي يحتاجه العلماء لفهم قدماء المصريين حقاً وعلى الرغم من إصابته بسكتة دماغية وتوفي في سن الحادية والأربعين فقد اهتم بالحضارة العظيمة والعريقة من خلال ترجمة عدد من النصوص المصرية قبل وفاته.
ولد شامبليون في 23 ديسمبر 1790 في مدينة فيجياك Figeac في
فرنسا
لجاك شامبليون وجين فرانسواز وكان ابنهما الأصغر وتلقى تعليمه في الأصل على يد شقيقه الأكبر جاك جوزيف (1778-1867) وبينما كان لا يزال في المنزل حاول تعليم نفسه عدداً من اللغات بما في ذلك العبرية والعربية والسريانية والكلدانية والصينية وفي عام 1801 في سن العاشرة تم إرساله للدراسة في مدرسة ليسيوم في غرونوبل.
وهناك في سن السادسة عشرة قام بتجديد ورقة أمام أكاديمية غرونوبل يقترح فيها أن لغة المسيحيين الأقباط في مصر المعاصرة هي في الواقع نفس اللغة التي يتحدث بها قدماء المصريين واليوم يعتبر معظم العلماء في الواقع هذه اللغة على الأقل شكلاً تطورياً للغة المستخدمة في العصر الفرعوني والتي تتألق بألسنة الغزاة الأجانب مثل الإغريق.
استمرت دراسته في College de France بين عامي 1807 و 1809 حيث تخصص في اللغات الشرقية وفي النهاية أضاف الأقباط والإثيوبيين والسنسكريتية والزند والبهلوية والفارسية إلى مجموعته اللغوية وفي سن الثامنة عشرة تم قبوله كمدرس للتاريخ والسياسة في غرونوبل عام 1809 وفي العام التالي حصل على دكتوراه في الآداب.
في عام 1811 نشر كتابه “مقدمة لمصر في عهد الفراعنة” وفي عام 1814 نشر كتاب “مصر الفراعنة” أو “أبحاث في الجغرافيا والدين واللغة وتاريخ المصريين قبل غزو قمبيز” وخلال هذه الفترة عام 1812 تزوج روزين بلان وأنجبت له ابنة زورايد في عام 1824.
كما أنه أنه نشر كتاب آخر بعنوان Precis du systeme hieroglyphique والذي وسع عمله السابق على الترجمة الهيروغليفية التي من شأنها أن تكون بمثابة أساس لجميع الاكتشافات اللاحقة حول النص المصري القديم واستمر شامبليون في تدريس
التاريخ
والسياسة في غرونوبل حتى عام 1816 وفي عام 1818 تم تعيينه في كرسي التاريخ والجغرافيا في الكلية الملكية في غرونوبل وهو المنصب الذي شغله حتى عام 1821.
مكتشف رموز حجر رشيد
يبدو أن هذا المنصب الجديد أتاح له وقتاً إضافياً القيام بأبحاث حول اللغة القديمة وعلم الآثار في مصر القديمة وخلال هذه الفترة حصل على رعاية الملوك الفرنسيين لويس الثامن عشر وتشارلز العاشر مما سمح له بالسفر في بعثات برعاية ملكية لفحص مجموعات المتاحف مثل تلك الموجودة في تورين ليغورن حيث قام بفحص مجموعة هنري سولت الذي أقنع تشارلز العاشر فيما بعد بشراء متحف
اللوفر
في روما حيث درس المسلة وورق البردي في مكتبة الفاتيكان ونابولي وفلورنسا.
بعد عودته من هذه الدراسات في الخارج تم تعيينه أميناً للمجموعة المصرية بمتحف اللوفر عام 1826 وكان مسؤولاً عن افتتاحها للجمهور في ديسمبر من عام 1827 وفي عام 1828 قام برحلته الأولى والوحيدة إلى مصر حيث كان برفقة تلميذه الإيطالي السابق إيبوليتو روسيليني (1800-1843).
كان قد أقام صداقة مع الإيطالي الذي أصبح معروفاً باسم مؤسس علم المصريات في إيطاليا أثناء قيامه بجولة في مجموعات المتاحف المصرية في إيطاليا قبل ذلك بأربع سنوات وكانت هذه الرحلة المعروفة باسم الرحلة الاستكشافية
الفرنسية
توسكان مدعومة من الحكومة الفرنسية و Grand دوق توسكانا ليوبولد الثاني.
هبط شامبليون في الإسكندرية في أغسطس 1828 واستكشف كل من مصر والنوبة حتى الشلال الثاني ومكث في مصر حتى عام 1829 مع صديقه روزليني وكان هذا أول مسح منهجي لتاريخ وجغرافية مصر لفحص الآثار القديمة ونقوشها بعد الوصف النابليوني لمصر.
في الواقع كان جزءاً من سبب الرحلة هو إكمال القسم الأثري من Description de l’Egypte وأثناء وجوده في مصر نُشرت رسائله المتحمسة التي كتبها يوماً بعد يوم وبعد وفاته وأعاد أخوه طبعها في شكل كتاب عام 1833 ومرة أخرى من قبل ابنته في عام 1868.
فك رموز حجر رشيد
بطريقة ما لم يكن سباق شامبليون لفك رموز النصوص المصرية مختلفاً عن سباق الفضاء في القرن العشرين ولم يكن ذلك بمثابة ومضة إدراك مفاجئة بل كانت محاولة مضيعة للوقت مع الآخرين حيث نتج نجاحه النهائي عن سنواته الطويلة من الدراسة اللغوية للغات غامضة وساهم آخرون في مجاله في تحقيق هدفه النهائي.
لطالما فتنت
الكتابة
الهيروغليفية العلماء مثل أثناسيوس كيرشر في القرن السابع عشر وجورج زويغا في القرن الثامن عشر وكذلك أولئك الذين كانوا في
رحلة
بونابرت الاستكشافية إلى مصر وفي وقت مبكر من عام 1802 حاول الفرنسي سيلفستر دي ساسي (1758-1838) والسويدي يوهان ديفيد أكربلاد (1763-1813) اختراق سر حجر رشيد وبين عامي 1814 و 1818 درس الإنجليزي الشهير توماس يونغ القطعة الأثرية وكان متعلماً جيداً للقيام بذلك مع العديد من المهارات اللغوية تحت تصرفه مثل Champollion لكن شامبليون هو الذي سيكسر الشفرة في النهاية.
بدأ
بحث
شامبليون حقاً في عام 1808 عندما قرر أن خمسة عشر علامة من النص الديموطيقي تتوافق مع الأحرف الأبجدية في
اللغة القبطية
لذلك انتهي بذلك إلى أن هذه اللغة الحديثة تحمل على الأقل آخر بقايا تلك التي تحدث بها المصريون القدماء وبحلول عام 1818 بعد فحص مسلة من فيلة أدرك أن بعض
الحروف
الرسومية لها قيمة صوتية وبالتالي كانت جزءاً من الأبجدية على الرغم من أن الرموز الأخرى كانت عبارة عن إيديوغرامات رمزية بشكل صارم.
أسرار حجر رشيد
بالطبع جاء انطلاقته مع حجر رشيد حيث سجلت قطعة أثرية من العصر اليوناني نصاً متطابقاً في الهيروغليفية والديموطيقية المصرية واليونانية وقام آخرون بفحص هذا الحجر لأول مرة لكنه تعرف على اسم بطليموس باللغة اليونانية والديموطيقية وبالتالي كان قادراً على
تحديد
الترجمة الهيروغليفية.
بالطبع لم يكن شامبليون يدرس حجر رشيد حصرياً على سبيل المثال في عام 1822 قدم له صديقه المهندس المعماري نيكولاس هويوت (1780-1840) نسخاً من النقوش على المعبد في أبو سمبل والتي تمكن شامبليون من فك رموز اسم رمسيس وكُتب جزء من اسمه صوتياً والجزء الآخر في إيديوغرام.
ولم ينشر شامبليون أياً من أعمال فك الشفرات الخاصة به وربما أخفاه بعيداً عن الأغراض لأن الآخرين كان لديهم نفس الهدف الذي كان عليه حتى عام 1822 قرأ كتابه الشهير Lettre a M. Dacier السكرتير الدائم لأكاديميات النقوش الفرنسية قبل أوصاف الأكاديمية وقد أوضح في هذه الوثيقة أن جهوده قد كشفت عن أبجدية من ستة وعشرين حرفاً بما في ذلك العلامات المقطعية وتم تحديد عشرة منها بالكامل.
ومع ذلك كان اثنان آخران على صواب جزئياً وثبت فيما بعد أن أربعة عشر آخرين كانوا على خطأ أو مفقود ولقد اكتشف أيضاً استخدام المحددات وجاء في الرسالة جزئياً:
“إنني مقتنع بأن نفس العلامات الهيروغليفية الصوتية المستخدمة لتمثيل صوت أسماء العلم اليونانية والرومانية قد استخدمت في النصوص الهيروغليفية المنحوتة قبل وقت طويل من وصول الإغريق إلى مصر وأن هذه الأصوات قد استنساخها بالفعل أو التعبير عنها بنفس طريقة خراطيش منحوتة تحت الإغريق والرومان ويرجع اكتشاف هذه الحقيقة الثمينة والحاسمة إلى عملي على الكتابة الهيروغليفية البحتة وسيكون من المستحيل إثبات ذلك في هذه الرسالة دون الخوض في تفاصيل مطولة”.
بعد ذلك بعامين اتبع ذلك الأسلوب مع كتابه Precis du systeme hieroglyphique وهو تحليل موسع أكثر تحديداً وقام أيضاً بتصحيح بعض الأخطاء التي ارتكبها معاصره الإنجليزي توماس يونغ (1773-1879) ولا يسعنا إلا أن نتساءل عما كان يمكن أن ينجزه لو لم يمت في مثل هذه السن المبكر.[1]