قصة قصيدة نالت على يدها
قصيدة نالت على يدها
نَالَتْ عَلى يَدِها مَا لَمْ تَنَلْهُ يَدِي نَقْشاً عَلَى مِعْصَمٍ أَوْهَتْ بِهِ جَلَدِي
كأَنَّهُ طُرْقُ نَمْلٍ في أَنامِلِها أَوْ رَوْضَةٌ رَصَّعَتْها السُّحْبُ بِالْبَرَدِ
كأَنَّها خَشِيَتْ مِنْ نَبْلِ مُقْلَتِها فَأَلْبَسَتْ زَنْدَها دِرْعاً مِنَ الزَّرَدِ
مَدَّتْ مَوَاشِطَها في كَفِّها شَرَكاً تَصِيدُ قَلْبِي بِهِ مِنْ داخِلِ الجَسَدِ
وَقَوْسُ حَاجِبِها مِنْ كلِّ نَاحِيَةٍ وَنَبْلُ مُقْلَتِها تَرْمِي بِهِ كَبِدِي
وَعَقْرَبُ الصُّدْغِ قَدْ بَانَتْ زُبانَتُهُ وَنَاعِسُ الطَّرْفِ يَقْظانٌ عَلى رَصَدي
إِنْ كانَ في جُلَّنارِ الخَدِّ مِنْ عَجَبٍ فَالصَّدْرُ يَطْرَحُ رُمَّاناً لِمَنْ يَرِدِ
وَخَصْرُها ناحِلٌ مِثْلِي عَلى كَفَلٍ مُرَجْرَجٍ قَدْ حَكى الأَحْزَان في الخَلَدِ
إِنْسِيَّةٌ لَوْ بَدَتْ لِلْشَّمْسِ ما طَلَعَتْ مِنْ بَعْدِ رُؤْيَتِها يَوْماً عَلى أَحَدِ
سَأَلْتُهَا الوَصْلَ قَالَتْ أَنْتَ تَعْرِفُنا مَنْ رَامَ مِنَّا وِصالاً مَاتَ بِالكَمَدِ
وَكَمْ قَتِيلٍ لَنَا في الحُبِّ مَاتَ جَوىً مِنَ الغَرامِ وَلَمْ يُبْدِئْ وَلَمْ يُعِدِ
فَقُلْتُ أَسْتَغْفِرُ الرَّحْمنَ مِنْ زَلَلٍ إِنَّ المُحِبَّ قَلِيلُ الصَّبْرِ وَالجَلَدِ
قَالَتْ وَقَدْ فَتَكَتْ فِينا لَوَاحِظُها مَا إِنْ أَرى لِقَتِيلِ الحُبِّ مِنْ قَوَدِ
قَدْ خَلَّفَتْنِي طَريحاً وَهْيَ قَائِلَةٌ تَأَمَّلوا كَيْفَ فِعْلُ الظَّبْيِ بِالأَسَدِ
قَالَتْ لِطَيْفِ خَيَالٍ زَارَني وَمَضى بِاللَهِ صِفْهُ وَلا تَنْقُصْ وَلا تَزِدِ
فَقَالَ أَبْصَرْتُهُ لَوْ مَاتَ مِنْ ظَمَأ وَقُلْتِ قِفْ عَنْ وُرُودِ المَاءِ لَمْ يَرِدِ
قَالَتْ صَدَقْتَ الوَفَا في الحُبِّ عَادَتُهُ يَا بَرْدَ ذاكَ الَّذي قَالَتْ عَلَى كَبِدِي
وَاسْتَرْجَعَتْ سَأَلَتْ عَنِّي فَقِيلَ لَهَا مَا فِيهِ مِنْ رَمَقٍ دَقَّتْ يَداً بِيَدِ
وَأَمْطَرَتْ لُؤْلُؤأً مِنْ نَرْجِسٍ وَسَقَتْ وَرْداً وَعَضَّتْ عَلَى العُنَّابِ بِالبَرَدِ
وَأَنْشَدَتْ بِلِسَانِ الحَالِ قَائِلةً مِنْ غَيْرِ كُرْهٍ وَلا مَطْلٍ وَلا جَلَدِ
وَاللَهِ مَا حَزِنَتْ أُخْتٌ لِفَقْدِ أَخٍ حُزْني عَلَيْهِ وَلا أُمٌّ عَلَى وَلَدِ
فَأَسْرَعَتْ وَأَتَتْ تَجْرِي عَلَى عَجَلٍ فَعِنْدَ رُؤْيَتِها لَمْ أَسْتَطِعْ جَلَدِي
وَجَرَّعَتْنِي بِرِيقٍ مِنْ مَرَاشِفِها فَعَادَتِ الرُّوحُ بَعْدَ المَوْتِ فِي جَسَدِي
هُمْ يَحْسُدُوني عَلَى مَوْتِي فَوا أَسَفِي حَتَّى عَلَى المَوْتِ لا أَخْلوُ مِنَ الحَسَدِ.
ما هي قصة قصيدة نالت على يدها
جاءت تلك القصيدة في وصف من الشاعر الوأواء الدمشقي لأمرأة جميلة قد رآها ويقول “نَالَتْ عَلى يَدِها مَا لَمْ تَنَلْهُ يَدِي نَقْشاً عَلَى مِعْصَمٍ أَوْهَتْ بِهِ جَلَدِي” وأوهت به جلده أي أضعفت قدرته على التحمل ويصف الشاعر نقشاً على معصم يدها ورآها جميلة، قائلاً لقد أضفى النقش عليها جمالاً على جمالها مما جعله غير قادر على تمالك نفسه وأضعفته.
ويستكمل الوأواء الدمشقي وصفه ويقول “كأَنَّهُ طُرْقُ نَمْلٍ في أَنامِلِها أَوْ رَوْضَةٌ رَصَّعَتْها السُّحْبُ بِالْبَرَدِ” والبرد في ذلك البيت ماء الغمام وهو يراه يتجمد في الهواء البارد ويسقط على الأرض في صورة حبات فكان هذا النقش طرق
النمل
في أصابعها أو كأنه روضة مغطاة بكل أنواع الأزاهير.
وكذلك بدأ يصف وجهها ويقول “قَوْسُ حَاجِبِها مِنْ كلِّ نَاحِيَةٍ وَنَبْلُ مُقْلَتِها تَرْمِي بِهِ كَبِدِي” والنبل هي السهام التي كانت تنطلق من حاجبيها في قلبه ونظراتها كانت كالسهام والرصاص الذي يصيب كبد شاعرنا الوأواء الدمشقي.
وبدأ بوصف خصرها ويقول “وَخَصْرُها ناحِلٌ مِثْلِي عَلى كَفَلٍ مُرَجْرَجٍ قَدْ حَكى الأَحْزَان في الخَلَدِ” والكفل أي العجز ويقول أنها كانت امرأة رجراجة سمينة الردف وكذلك يترجرج كفلها ولخمها ويصف خصرها أنه كان نحيل جداً ورقيق كجسده النحيل كلما ترجرج خصرها كلما اضطربت الأحزان في داخله.
ويقول الشاعر سأَلتها “الوَصْلَ قَالَتْ أَنْتَ تَعْرِفُنا مَنْ رَامَ مِنَّا وِصالاً مَاتَ بِالكَمَدِ” والكمد أي شدة
الحزن
وطلب منها الوصال فقالت لا يغرنك ما تراه من رقة فكل من طلب وصالنا مات من الحزن “وَكَمْ قَتِيلٍ لَنَا في الحُبِّ مَاتَ جَوىً مِنَ الغَرامِ وَلَمْ يُبْدِئْ وَلَمْ يُعِدِ” فالجميلات يتمنعن على عشاقهن فقال لها “أَسْتَغْفِرُ الرَّحْمنَ مِنْ زَلَلٍ إِنَّ المُحِبَّ قَلِيلُ الصَّبْرِ وَالجَلَدِ” لما سمع كلامها اشمئز الشاعر من نفسه وجلس يلومها ويستغفر
الله
بعد لحظات بدأ يلتمس لنفسه العذر فالمحب قليل
الصبر
وهو دائماً متعجل ومندفع.
شرح قصيدة نالت على يدها مالم تنله يدي
قالت المحبوبة لشاعرها الوأواء الدمشقي “وَقَدْ فَتَكَتْ فِينا لَوَاحِظُها مَا إِنْ أَرى لِقَتِيلِ الحُبِّ مِنْ قَوَدِ” والقود هو
القصاص
وأقذت القاتل بالقتيل أي قتلته به فلما رأت ما وصلت إليه من حالة الحزن والضعف قالت متندرة إن قتيل
الحب
لا قصاص له ولا دية “وقَدْ خَلَّفَتْنِي طَريحاً وَهْيَ قَائِلَةٌ تَأَمَّلوا كَيْفَ فِعْلُ الظَّبْيِ بِالأَسَدِ” والظبي أي الغزال ويصف حالته التي وصل إليها فقد تركته طريحاً غير قادر على الحركة وهي تقول للناس انظروا كيف يفعل الظبي على ضعفه بالأسد على قوته.
وقالت “لِطَيْفِ خَيَالٍ زَارَني وَمَضى بِاللَهِ صِفْهُ وَلا تَنْقُصْ وَلا تَزِدِ” ويسرح الوأواء الدمشقي بخياله كأن المحبوبة أرسلت طيف خيالها وعبر أمامه لترى ما حل به وقالت لطيفها أن ينقل لها حالة الشاعر كما هي دون زيادة أو نقصان فقال الشاعر “أَبْصَرْتُهُ لَوْ مَاتَ مِنْ ظَمَأ وَقُلْتِ قِفْ عَنْ وُرُودِ المَاءِ لَمْ يَرِدِ” ونقل إليها طيف خيالها أنه شديد
التعلق
بها مستلماً استلاماً تاماً لدرجة أنه كان شديد العطش وقالت له المحبوبة لا تشرب وتوقف عن الشرب أو عن ورود
الماء
.
فقالت “صَدَقْتَ الوَفَا في الحُبِّ عَادَتُهُ يَا بَرْدَ ذاكَ الَّذي قَالَتْ عَلَى كَبِدِي” أي أن حبك صادق وبذلك كأنها أمطرت الماء البارد على كبده ثم تعود المحبوبة لكي تطمئن على الوأواء الدمشقي وتسأل عنه فيقول “مَا فِيهِ مِنْ رَمَقٍ دَقَّتْ يَداً بِيَدِ” ويذهبوا ليخبروها بأنه قد مات أو أوشك وذلك من شدة تعلقه بها فتبدأ بالندم وتضرب كفاً بكفٍ.
وباتت “تُمطر لُؤْلُؤأً مِنْ نَرْجِسٍ وَسَقَتْ وَرْداً وَعَضَّتْ عَلَى العُنَّابِ بِالبَرَدِ” والؤلؤ المقصود به الدمع والنرجس المقصود بها العين وورداً أي الخد والعُناب أي شجر من فصيلة النبقيات شائك يبلغ ارتفاعه ستة أمتار ويغطي ثمراً أحمر يعرف به والمقصود بها شفتا المحبوبة أما البرد أسنانها ناصعة البياض وتبكي بكاء شديد حتى تبلل خديها وهي تعض على شفتيها من الندم.
وأنشدت بلسان الحال قائلة “مِنْ غَيْرِ كُرْهٍ وَلا مَطْلٍ وَلا جَلَدِ” أي تبكي بشدة على التسويف والتأخير ثم تقول قولاً صادقاً خالياً من المجاملة أو المماطلة وتقول “وَاللَهِ مَا حَزِنَتْ أُخْتٌ لِفَقْدِ أَخٍ حُزْني عَلَيْهِ وَلا أُمٌّ عَلَى وَلَدِ” أي لم تحزن أخت لفقد أخيها أو أم لفقد ولدها كما حزنت هي على هذا الشاعر العاشق.
وتقول “هُمْ يَحْسُدُوني عَلَى مَوْتِي فَوا أَسَفِي حَتَّى عَلَى المَوْتِ لا أَخْلوُ مِنَ الحَسَدِ”وإن الناس حسدوه على موته بسبب العشق فهو لم يسلم منهم مع إن الحسد لا يكون إلا على أمر محمود.[1]
كاتب قصيدة نالت على يدها
اختلف فيمن هو كاتب هذه القصيدة ؛ فهناك من ينسبها الى
يزيد بن معاوية
بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد مناف القرشي الأموي وهو احد شعراء العصر الأموي ، كانت ولادته ووفاته عام 645 م – 683 م
يعتبر يزيد ثاني ملوك الدولة الأموية وكانت نشأته وحياته في دمشق ، ينسب له هذه القصيدة وينسب له شعر رقيق ، كما الحال ينسب له نهر يزيد [3]
على الصعيد الآخر هناك من ينسب تلك القصيدة للشاعر
محمد بن أحمد الغساني الدمشقي
أبو
الفرج
المعروف بين الشعراء بالوأواء ولقُب بذلك لأنه كان مُنادياً على الفواكه في دار البطيخ في دمشق وولد في مدينة دمشق بسوريا وتوفي في حلب عام 613 هـ وهو شاعر مطبوع وكان يهتم في كتاباته بالغزل وكتابة الألفاظ بشكل جيد ومرتب وفي معانيها رقة ونلاحظ أن في جميع قصائده اهتم بأسلوب المدح كثيراً.
ومن
أشعار الوأواء الدمشقي
: ومهفهف كالغصن هزته الصبا، دواء قلبي في الهوى دائي، واصلت فيك هوائي، ساع بكأس بين ندماء، ومن شقوتي أني بليت بشادن، أيا ربع صبري كيف طاوعك البلى، زمن مثل زورة الأحباب، أمغنى الهوى غالتك أيدي النوائب، قفوا ما عليكم من وقوف الركائب، وليلة في عدد الشباب، وغادة ترفل في الشباب.[2]