اول من عرف الشعر الملحمي .. وأشهر رواده وشعراءه
اول من عرف الشعر الملحمي
تعني كلمة ملحمة في اللغة العربية المجزرة أو الحرب الضارية، وفي الأدب معناها القصائد مبنيّةٌ على عدّد من القصص الخيالية والتي تعتمد بشكلٍ أساسيٍّ على الأشياء الخيالية الخارقة للطّبيعة، ويتناول هذا النّوع من القصائد بعض الأحداث والمغامرات الخيالية والتي قد تكون مبنية على
قصص
ٍ حقيقية لبعض الأبطالٍ الخارقين أو الذين يمتلكون قدرات مدهشة.
إن اليونانيون هم
أول من عرف
الشعر الملحمي
، وهم أول من كتبه وقاموا بتنظيم قصائدهن كما أنهم قد قاموا بوضع بعض الشروط لهذا النوع من الشعر، فقد كان الشعب اليوناني يقوم بكتابة هذا النوع من الشعر والتي تحتوي على العديد من القصائد الملحمية والقصص الأسطورية، وكان الوصف والأحداث في هذه القصص يعتمد على عنصر الخيال، وكان لهذا النوع من القصائد الأثر الكبير في ثقافة الشعب اليوناني والأدب اليوناني، كما أن مناهج تعليم الشعر والأدب عند اليونانيين كانت تقوم على هذا النوع من القصائد.
يمتلك الشعب اليوناني العديد من الملاحم، ولكن إن
أشهر
هذه الملاحم على الإطلاق هما ملحمتي الإلياذة والأوديسة، وقام بكتابتها الشاعر اليوناني هومريوس، وتحمل هاتين الملحمتين العديد من القصص البطولية والحروب الملحمية، بالتالي كانت بالنسبة للشعب اليوناني رمزًا للقوة والشجاعة والبطولة والشرف.
الشعر الملحمي تاريخه وأعلامه
كان الشعر الملحمي متواجدًا في الثقافة اليونانية من قبل اختراع
الكتابة
حتى، فقد كان هناك بعض الملحمات الأولية التي تتكون من شرائط ومخططات بلاغية، والتي كانت تمكنهم من حفظ الملحمات الأسطورية، أي أن الشعر الملحمي اليوناني كان يتم تناقله من جيل لآخر مثل نقل التراث بين الناس، وكان لكل عصر أو جيل أداء خاص به لإلقاء هذه الملاحم التاريخية، والتي كانت تتناول قصص وحضارات وأساطير الأمم المختلفة.
أشهر رواد وشعراء الشعر الملحمي
على رغم من وجود العديد من الملحمات لكن إن أول ملحمة وصلت إلينا وكان معترف بها هي ملحمة جلجامش (حوالي 2500-1300 قبل الميلاد)، وهي ملحمة سومرية تعود إلى الإمبراطورية السومرية القديمة، والتي تقوم بقص حكاية ملك أوروك جلجامش وهو شخصية أسطورية، وكانت هذه الملحمة الرافدية هي أول ملحمة تم العثور عليها في التاريخ، من قبل حتى الملحمات اليونانية، وكتبت هذه الملحمة من قبل كاهن يدعى سين ليكي اونيني، وهي ملحمة كبيرة جدًا تتعدى الألف بيت، وقد مزجت بين الواقع والخيال بطريقة مدمجة بدقة، ومنها ما يأتي:
-
إن رسل (أجا) بن (أنميبارا جيسي) ساروا من كيش إلى جلجامش في اوراك، وقال لهم: علينا إلا نذعن لبيت كيش ولنحارب بالسلاح، لكن مجلس شيوخ المدينة المنعقد أجاب جلجامش: لنذعن إلى بيت كيش ولا نحارب بالسلاح، إن جلجامش سيد كللاب مرة أخرى، عرض الأمر على محاربي مدينة وطلب القرار، فأجاب مجلس المحاربين المنعقد جلجامش، لن نذعن لبيت كيش ولنضربه بالسلاح.
-
في الساحة العامة اجتمع الشيوخ: أنت شاب، والشباب كثير الحماسة، أنت طموح وطموحك ذهب بك بعيدًا، سمعنا بأن خمبابا لا كسائر الخلائق أسلحته ثقيلة لا تقهر، لخمبابا زئير كهدير الطوفان، النار تنبعث من فمه، يتنفس موتًا، لا أحد يجرؤ على الوقوف في وجهه.
كما أن هناك أيضًا الشعر الملحمي الهندي، والشعر الملحمي الهندي يحتوي على أكبر ملحمة مكتوبة وهي ملحمة ماهابهاراتا الهندية القديمة، وتتكون هذه الملحمة من 100000 ملك، وتحتوي على أكثر من 200000 سطر، ويبلغ عدد كلماتها حوالي 1.8 مليون كلمة تقريبًا، أي ما يقرب من عشرة أضعاف الملحمة الشهيرة إلياذة، ومن أشهر أبيات هذه الملحمة هي ما يأتي:
ملكة طاهرة وامرأةٌ طاهرة، فاضلة أبداً خيِّرةٌ أبداً، هي “جانذارا” التي وقفت وسط الميدان شامخة في حزنها العميق، والميدان مليء بالجماجم، وجدائل الشعر انعقدت عليها الدماء، وقد اسود وجهه بأنهار من دم متجمد؛ والميدان الأحمر مليء بأطراف من لا يحصيهم العد من المقاتلين، وعواء أبناء آوي الطويل المديد يرن فوق منبطح الأشلاء، والعُقاب والغراب الأسحم يرفرفان أجنحة كريهة سوداء، وسباع الطير تملأ السماء طاعمة من دماء المحاربين، وجماعات الوحش البغيضة تمزق الأجساد الملقاة شلوا شلوا، سيق الملك الكهل في هذه الساحة، ساحة الأشلاء والموت، ونساء كورو بخطوات مرتعشة خطون وسط أكداس القتلى، فدوت في أرجاء المكان صرخات عالية من جزع، عندما رأين القتلى أبنائهن وآبائهن وأخوتهن وأزواجهن. [1]
أمثلة على الشعر الملحمي
كان لمعظم الحضارات القديمة أشعار ملحمية خاصة بهم، ومن أشهر هذه الملحمات على الإطلاق هي الملحمة السومرية ملحمة جلجامش، والملحمات الهندية أيضًا مثل ماهابهاراتا ورامايانا، كما سطعت الملحمات الفارسية مثل الشاهنامة والتاميل، وإذا تحدثنا على الملحمات لا بد أن نذكر الملحمات اليونانية القديمة، مثل:
ملحمة الإلياذة
قام الشاعر اليوناني هوميروس بكتابة الملحمة اليونانية الشهيرة الإلياذة، والتي تتناول قصص حروب طروادة، وحصار طروادة والأحداث التي وقعت قبل الحصار، وكانت لهذه الملحمة أسلوب سردي رائع، يتناسب مع مثل هذه الأسطورة العريقة التي مزجت الخيال بالتاريخ اليوناني القديم.
ملحمة دانتي
ملحمة دانتي الكوميديا الإلهية، هي ملحمة تاريخية للشاعر دانتي أليغييري والذي ألفها في الفترة ما بين عام 1308 إلى 1328، وتحتوي هذه الملحة على فكر وفلسفة العصور الوسطى، وكيف قد تطورت هذه الفلسفة في الكنيسة الغربية في أوروبا، وتنقسم ملحمة الكوميديا الإلهية إلى ثلاثة أجزاء بمواضيع ساخرة مختلفة، وهي الجحيم والمطهر والجنة، كل هذه المواضيع في صورة خيالية مع الاستعانة ببعض معتقدات الديانة المسيحية، ومن أبرز المقاطع في ملحمة دانتي هي ما يأتي:
-
“أيتها العذراء، يا ابنة ابنك، يا من أنت أعظم تواضعاً ورفعة من كل الخلائق” ويتوسل إليها برنار أن تمن على دانتي بأن يقدر على رؤية ذات الجلال القدسي؛ فتنحني بياتريس وينحني كثير من القديسين نحو مريك ويرفعون أيديهم مقبوضة يتوسلون إليها بالدعوات. وتلقي مريم نظرة
قصيرة
رحيمة على دانتي، ثم تحول عينيها نحو “النور السرمدي” وتقول: “تصفو نظراتي، فيدخل فيها شيئاً فشيئاً ذلك النور الأعلى وهو الحق”، ويقول إن كل ما رآه بعدئذ تعجز اللغة عن وصفه، ويعجز الخيال عن تصوره؛ ولكن “في هذه الهوة من البهاء المتألق، الصافية الشامخة، خيل إلى أني أرى كرة ذات ثلاثة ألوان مجتمعة في لون واحد”، وتختتم الملحمة الفخمة ونظرات دانتي لا تزال مثبتة على النور المتألق، يجذبها ويدفعها “حب
الله
الذي يحرك الشمس وجميع النوم”.
-
«كالطائر الذي جلس طوال الليل في عشه المظلم بين أوراق الشجر، ومعه صغاره الجميلة، يتحرق شوقاً إلى رؤية نظراتها الحلوة، وإلى أن يسعى سعيه الحبيب ليأتي إليها بطعامها غير شاعر بما يلاقيه في سبيلها من مشقة، جلست تستبق الزمن على الغصن المعلق فوق عشها، يقظة تترقب أن تطلع الشمس فتطرد من الشرق ستار الفجر.» [2]