فضل الصوم عن الكلام .. وفوائده
فضل الصوم عن الكلام
فضل الصوم عن الكلام، سؤال يتبادر إلى الذهن، تجاه فكرة الصوم عن الكلام، والبعض ينظر للأمر على اعتباره عبادة ولها فضل ديني، واعتبار الصوم عن الكلام، تقرب لله ليس بأمر صحيح ولا يمكن اعتبار الصوم عن الكلام باعتباره من العبادات التي أخبرنا بها
الشارع
للتقرب من رب العالمين.
بل إن التقرب لله بالصيام عن الكلام يعد بدعة باطلة، يحاسب عليها العبد وتدخل في نطاق حديث النبي صلى
الله
عليه وسلم، قوله صلى الله عليه وسلم : ( وإياكم ومحدثات الأمور ؛ فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ) أخرجه أبو داود.
ولا يتوقف الأمر عند البدعة وأنها لم ترد في شرع الله، بل
ورد
فيه النهي، روى البخاري، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ ، فَسَأَلَ عَنْهُ ، فَقَالُوا : أَبُو إِسْرَائِيلَ ، نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلَا يَقْعُدَ ، وَلَا يَسْتَظِلَّ ، وَلَا يَتَكَلَّمَ ، وَيَصُومَ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ ، وَلْيَسْتَظِلَّ ، وَلْيَقْعُدْ ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ)، ويتضح من موقف النبي صلى الله عليه وسلم بخصوص الصيام والنذر أن يترك ما ليس في الشرع من شئ، وأن يتم ما هو من الدين مثل الصيام عن
الطعام
.
والسبب في اعتبار الصوم عن الكلام بدعة، لأن الأعمال التي يقوم بها المسلم، تنقسم إلى العبادات والمعاملات، أما بالنسبة للعبادات، فمنها ما لا يدخل في نطاق حكم الله ودينه، وهذا العمل يرد على صاحبه، وذلك كما ورد في الآيات، (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ الله)، سورة الشورى أية 21.
لذلك فإن من يعمل عمل وهو يبتغي به رضا الله والقرب منه، وفي نفس ذات
الوقت
هذا العمل لم يشرعه الله، ورسوله فإن عمله باطل.
وكثيرة هي البدع والأعمال التي لا علاقة لها بالشرع، ولا بالعبادة الصحيحة، والتي تحبط ويضيع المجهود دون مقابل بل قد تزيد من إثم صاحبها، ولا يجب القياس على عبادة أخرى فمثلاً القيام في
الصلاة
جزء من العبادة، ولكن لا يجوز أن يتعبد شخص لله بالوقوف لساعات قياسا على القيام في الصلاة، كما أن الصوم عن الطعام بالطريقة التي شرعها الله عبادة، ولا يمكن القياس عليها بالصوم عن الكلام أو الصوم عن الشراب.
لذلك على كل إنسان أن يتعبد لله بما شرعه الله، وروى أبو داود عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قال : حَفِظْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ وَلَا صُمَاتَ يَوْمٍ إِلَى اللَّيْلِ)، والصمات مقصود بها الصمت كنوع من التقرب له، أو الاعتكاف.
ويذكر الخطابي أن أفعال من كانوا قبل
الإسلام
، كانت التعبد لله بالصمت أو السكوت، وهو من فعل من كانوا في الجاهلية، وقد روى البخاري، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ : دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ أَحْمَسَ يُقَالُ لَهَا زَيْنَبُ ، فَرَآهَا لَا تَكَلَّمُ ، فَقَالَ : (مَا لَهَا لَا تَكَلَّمُ ؟ قَالُوا : حَجَّتْ مُصْمِتَةً . قَالَ لَهَا: تَكَلَّمِي ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَحِلُّ ، هَذَا مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ) .
وهناك أحاديث تتحدث عن الصمت والسكوت، وفضل ذلك الصمت، لكن الأحاديث معنية بالصمت عن الباطل، واللغو الغير مفيد، والصمت عن قول ما يضل الناس او يجلب سيئات، أو ما كان في النميمة أو السب، أو الغيبة، أو قول الباطل، أو الزور.
وبذلك وبما سبق من استعراض لما سبق من أدلة، و أسانيد، تتحدث عن أمر السكوت والصمت، فإنه يتبين أن الصوم عن الكلام ليس له فضل بل على العكس من اتخذه بغرض التقرب لله فإنه يكون قد أتى ببدعة، مردوده عليه، أما الصمت الذي له فضل فهو الذي يبتعد به عن قول الباطل، وقول ما لا يفيد. [1]
فوائد الصوم عن الكلام
بعد استعراض موقف الدين الإسلامي من مسألة الصيام عن الكلام، وتأكيد ان لا فضل لها، وأنها مجرد بدعة، واقتصار الفضل على السكوت عن الزور، واللغو فقط، يأتي فوائد الصمت، وهو من الناحية النفسية والطبية قد يكون أمر مفيد بعض الشئ، ويمكن استعراض فوائد السكوت أو الصمت فيما يلي:
-
راحة للمخ والدماغ من إرهاق التفكير والتحليل والكلام.
-
استرخاء من عناء الكلام المستمر.
-
الهدوء والراحة للعقل، والنفس.
-
التخلص من القلق، والتوتر، والكبت.
-
التخلص من الضغوط الاجتماعية والنفسية.
طريقة صيام زكريا عن الكلام
نبي الله زكريا كان نجارا، ولم يكن له ولد، ولكنه لما رأى عند السيدة مريم فاكهة ليس هذا أوانها، واستفسر منها عن ذلك، فأخبرته أنه رزق الله، فانتبه مرة أخرى أن الله الرزاق قادر أن يرزقه بالذرية، فنادى ربه ودعاه، واستجاب الله له بأن رزقه الولد.
ولكن زكريا عليه
السلام
كان في حالة من التعجب والسعادة، بسبب وصوله لسن هو وزوجته لا يمكن أن ينجبا فيه، فسأل الله علامة يعرف بها أن زوجته بالفعل قد أصبحت حامل، وكانت العلامة هي الصيام عن الكلام، وقد ذكر القرآن تلك القصة {قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا} (آل عمران:41).
وكانت العلامة أنه كلما كان يحاول الكلام مع الناس ينعقد لسانه ولا يستطيع الكلام، أما التسبيح والذكر فينطلق فيها لسانه دون مشكلة، ويكتفي مع الناس بالرمز والإشارات، وأن لا يتكلم ولا ينطق سوى بتحريك الشفايف دون صوت ودون أن يكون بسبب مرض أو عاهة أصابته، ولا يمكن لسانه عن الذكر، والتسبيح، ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإبْكَارِ)، سورة أل عمران.
حكم الصوم عن الكلام ابتغاء الذرية
كما تبين فإن الصوم عن الكلام ليست عبادة مشروعة في دين الإسلام، بل هي بدعة باطلة مردودة على صاحبها، والتقرب لله يكون بما أورده الشرع، والنبي صلى الله عليه وسلم، لكن البعض يعتقد في أن الذرية تأتي بالصوم عن الكلام، وهو ما لا أصل له من الصحة.
والبعض يرجع ذلك تأسي بما كان في
قصة
نبي الله زكريا عليه السلام، حيث لم يكن قد رزق بولد، حتى كبر، ويأس هو وزوجته من الإنجاب، ولما دعا ربه فاستجاب وبشرته الملائكة خشي أن تكون وسوسة شيطان، فسأل عن علامة يعرف بها حمل زوجته، فقالت له الملائكة أن العلامة عدم قدرته على الحديث بغير الذكر والتسبيح.
ولأن القصة ليست عبادة، وإنما حدث اختص به واحد من أنبياء الله، لظروف واضحة، فلا علاقة لها بالعبادة، ولا طلب
الرزق
من الله، أو كلب الذرية، ولا يجوز اتخاذها طريقة للرزق بالولد، وذلك لأن الإسلام علم أتباعه كيف يتقربون لله، بما شرعه الله لهم، ومن ذلك، الدعاء لله، وإخراج الصدقات، والحفاظ على السنن والنوافل، وتأدية الفرائض على وقتها كما أمر الله، ودلنا النبي صلى الله عليه وسلم.
ويمكن الاستفادة من قصة نبي الله زكريا عليه السلام، عن طريق ما فعله زكريا ومن قبله النبي إبراهيم عليه السلام، باتخاذ الدعاء، والتضرع إلى الله وسيلة للتقرب من ربهم واستجابة الدعاء. [2]