عواقب الكبر في الدنيا والأخرة
مفهوم الكبر
تعتبر الأمراض الروحية أخطر من الأمراض العضوية نتيجة عواقب الفساد على المصابين وغيرهم، حيث يُصيب الأفراد ويضر بالمجتمعات، حيث يعد الكبر من الصفات الممقوتة التي حرمها الشرع، وهو كأن يثني المرء على الفضائل التي يمتلكها، ويقلل من شأن الآخرين ويترفّع عن قبول الحق منهم، وفي ذلك قال تعالى:”سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ”، وقال عز وجل:”إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ”.
كما أنّ اكبر حالة نفسية داخلية تصيب اإنسان، ولها ظواهر تدل عليها، حيث أنّ المتكبر يرى نفسه فوق كل الناس أو فوق أناس معينين أو غير محددين، وبالتالي فهو فوق القواعد والأنظمة والعدالة والقانون، ولا يقبل أحد أن يجادله أو يناقشه إلا في ما يناسب غروره، كما أن الكبر والكبرياء من صفات
الله
عز وجل الذي اختصها لنفسه دون غيره، حيث قال الله تبارك وتعالى: “وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ”.
وقد رهب النبي صلى الله عليه وسلم من
عاقبة الكبر والتكبر
في كثير من الأحاديث النبوية الشريفة، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: “لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ”، رواه مسلم.
كذلك كثرت أقوال السلف في ذم الكبر والمتكبرين، فيقول الأحنف بن قيس: عجبًا لابن آدم يتكبر وقد خرج من مجرى البول مرتين، وقال محمد بن الحسين بن علي: ما دخل قلب امرئ شيء من الكِبْر قط، إلا نقص من عقله بقدر ما دخل من ذلك أو كثر، وسئل سليمان عن السيِّئة التي لا تنفع معها حسنة فقال: الكِبْر، وهكذا ذم
الإسلام
الغطرسة ونهى عنها كما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية وأقوال سلف الأمة.
أنواع الكبر
- التكبر على الله تعالى: وهو أفحش أنواع الكبر؛ كتكبُّر فرعون والنمرود حيث استنكفا أن يكونا عبدين له تعالى؛ وادَّعيا الرُّبوبيَّة، قال تعالى في شأن المتكبر النمرود: “أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ”، سورة “البقرة : 258”.
- التكبر على رسل الله تعالى: وذلك بأن يرفضون اتباعهم تكـبُّرًا وجهلًا وعنادًا، كما حكى الله ذلك عن كفَّار مكَّة وغيرهم من الأمم السابقة؛ وقال عزَّ وجلّ؛ “قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا”.
-
التكبر على العباد: وذلك بأن يستعظم الشخص نفسه ويحتقر غيره ويزدريه، ويأنف من مساواته، وهذا وإن كان دون الأوَّلين إلَّا أنَّه عظيم إثمه أيضًا؛ لأنَّ الكبرياء والعظمة إنَّما يليقان بالله سبحانه وتعالى فهو القادر والملك.
فما أعظم استحقاقه للمقت، وأقرب استعجاله للخزي، ومن ثمَّ فمن نازعه العظمة والكبرياء أهلكه، أي لأنَّهما من صفاته الخاصَّة به تعالى، ونحن نعلم جميعاً أن كبار كفار قريش كانوا لا يحبون
الجلوس
مع الضعفاء من صحابة النبي الكريم استكباراً وأنفةً منهم.
أسباب الكبر
- التكبر بالعلم: فقد تجد شخصاً تعلم بعض العلوم أو أخذ بعض الإجازات في علم معين، فيظن أنه بلغ العلا ويتكبر على أقرانه بعلمه؛ وهذا أفحش أسباب الكبر لأن العلم سبيل لخشية الله تعالى، وقال الله تعالى: “إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ”.
- التكبر بالمال: وهذا النوع يجري بين التجار في بضائعهم، وبين الدهاقين في أراضيهم، وبين الذين يتزينون بالملابس والخيول والمراكب، حتى يحتقر الأغنياء الفقراء، ويتكبرون عليهم.
- التكبر بالحسب والنسب: الكثيرون يفتخرون بحسبهم ونسبهمـ بأنهم من عائلة فلان، مما يقودهم إلى معاملة غيرهم من الأشخاص بعلو واستكبار، ولكن يجب على الشخص المتكبر والمغرور أن يعرف أن عنصريته وقبليته ستقوده إلى النار وبئس المصير.
- الكبر بالجمال وحسن الصورة: ويحدث هذا غالبًا بين النساء، ولو عقلت المتغطرسة بجمالها لعلمت أن الجمال من نصيب الديدان؛ ولو تخيلت صورتها في القبر بعدما أكل الدود لحومها وعينها لخافت من المنظر، وهي لم تكن تعلم أيضًا أن الجمال في الدنيا مُعرَّض للآفات والإصابة بالأمراض؛ فكم من مرض ترك الفاتنة نكراء.
-
التكبر بالجسم والقوة: يجب أن تعلم أن القوة ليست مقياس الشرف بين الناس، وإذا كان
الرجل
يقاس بالقوة فهل هو يعادل قوة الحمار؟، فلو كانت القوة هي المقياس لاستحق الحمار أعلى المناصب كأن يكون مديرًا، والبغل أن يكون وزيرًا، والفيل رئيسًا.
عواقب الكبر في الدنيا والآخرة
للكبر آثار ذميمة وعواقب وخيمة في الدنيا والآخرة؛ فالمتكبر دائماً يمقته الناس ويبغضونه ولا يألفونه؛ فتجد الجميع يتأفف من رؤيته ولا يرغب في الجلوس معه، فقد روي عن أبي بكر الهذلي قال: “بينما نحن مع الحسن إذ مر علينا ابن الأهثم يريد المقصورة وعليه جلباب خز، قد نضد بعضها فوق بعض على ساقه وانفرج عنها قباؤه وهو يمشي يتبختر، إذ نظر إليه الحسن نظرة فقال: “أف.. أف”.
وفي الآخرة، تواترت الأحاديث النبوية عن ما أعده الله من عقوبات للمتغطرسين؛ فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: يُحْشَرُ المُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، فَيُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى بُولَسَ تَعْلُوهُمْ نَارُ الأَنْيَارِ يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةَ الخَبَالِ”، رواه أحمد والترمذي، وقال: “هذا حديث حسن صحيح”.
إنّ ما يتركه الكبر على المسلم هو الحرمان من الاعتبار ومن حرم من الاعتبار عاقبه الموت والخسارة الظاهرة، حيث أنه سيبقى على عيوبه وعيوبه مغمورًا في طينه حتى تنتهي حياته، وذلك لأنّ المتكبر يحب إشباع الرغبة في السمو والتعالي، بأن يحني النّاس رؤوسهم أمامه ويكونون دائمًا في ركابه، حيث أنه ابتعد عن معرفة الله.
فيكون الكبر لذلك أقل عواقب في هذا
العالم
من القلق والاضطرابات النفسية في الدنيا ومصير النّار في الآخره، وقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم أنّ أكثر أهل
الجنة
الضعفاء وأكثر أهل النار المتكبرون.
طرق معرفة الشخص المتكبر
يعرف الكثيرين الشخص المتكبر من الوهلة الأولى، وذلك لأن صفاته ظاهرة وواضحة أمام الجميع، لأنها من الصفات المذمومة وصاحبها غير
محبوب
بين الناس، وفي حال عدم معرفتك إذا كان الشخص متكبرًا ام لا، فيما يلي بعض الطرق للمساعدة في التعرف على الشخص المتكبر:
- الانتباه لأحاديثهم، فالشخص الذي تتملكه صفة الغرور والتكبر يحاول دائمًا أن يقود المحادثة عن نفسه فقط، ولا يعطي من حوله أهمية من الأساس.
- حاول أن تعارضهم بشيء وانظر إلى رد فعلهم، فإذا إصابهم الغضب أو أصبحوا عدوانيين فجأة، فسيكونون من النوع المتعجرف.
- انتبه للطريقة التي يعاملون بها الأشخاص المختلفين عنهم، فهذه من أسوأ الصفات وأشهرها في الأشخاص المتكبرين، لأنهم يعاملون غيرهم بطريقة دونية.
- اذكر أمامهم الأشخاص الذين لا يحبونهم.[1]