الكذب الأبيض في الإسلام
الكذب المباح في الإسلام
لا يختلف مفهوم الكذب من شخص لشخص أخر، ولا من بيئة لأخرى فهو مفهوم عام عند جميع الناس، وهو تزييف الحقيقة، وقول خلافها، ويصدر الكذب عن الكبير، والصغير،
الرجل
والمرأة، لا فرق في هذا الأمر فتلك الصفة لا تتعلق لسن معين، ولا نوع عن غيره، والكذب صفة مذمومة في جميع الأديان، والمجتمعات، ولا يكاد يكون هناك مجتمع إلا ويعلم صغاره أن الكذب سوء خلق، وعلى العكس.
وهذا مثال للكذب في القرآن الكريم، [ إِنَّمَا یَفۡتَرِی ٱلۡكَذِبَ ٱلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡكَـٰذِبُونَ 105 ]، أما الحديث النبوي الشريف، فكان لاكذب منه نصيب من الرفض والتنفير قال رسول
الله
صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الكذبَ يهدي إلى الفُجورِ، وإنَّ الفجورَ يهدي إلى النارِ، وإنَّ الرجلَ ليكذبُ ويتحرَّى الكذبَ حتى يُكتب عندَ اللهِ كذَّابًا.
وينتشر بين الناس مفهوم ما يسمى بالكذب الأبيض، والذي يطلقونه على بعض أنواع الكذب، واصفين به شدته وخطورته، باعتباره أقل اثر، وحدة من الكذب العادي، وأحياناً باعتبار الهدف منه، او الغاية، والسؤال عن حقيقة هذا النوع من الكذب وعن علاقته بالدين، وهل له حالات أو أشكال مختلفة، ويمكن بيان موقف الدين
الإسلام
ي من الكذب عامة ومن الكذب الذي يسمى بالكذب الأبيض خاصة.
يصنف الكذب في الإسلام باعتباره الذنب القبيح، ويدخل في تصنيف الأقبح، والفحش فيه، ومن الأحاديث التي تناولت هذا الأمر الحديث الذي روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، ونقله عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن الصدق يمهد طريق الخير، بكل أنواعه، وأن الخير يمهد الطريق للجنة، وأن من يتحرى الصدق يكتب من الصادقين، وأن الكذب يمهد الطريق للفجور وأن الفجور يمهد الطريق إلى النار، وأن الرجل يتحرى الكذب حتى يكتب عند ربه كذاب، ونص الحديث للبخاري.
كما أن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت (مَا كَانَ خُلُقٌ أَبْغَضَ إِلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْكَذِبِ ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَكْذِبُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَذِبَةَ ، فَمَا يَزَالُ فِي نَفْسِهِ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ مِنْهَا تَوْبَةً) رواه أحمد في “المسند”
أما الكذب الأبيض كما يطلق عليه الناس، فقد تعرضت له الأدلة الشرعية بالدليل الشرعي ومن هذه الأدلة جاء في حديث أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ وَيَقُولُ خَيْرًا وَيَنْمِي خَيْرًا) رواه مسلم، ويتضح من الحديث أن من كذب من أجل إصلاح العلاقات بين الناس، وتأليف قلوبهم، ورأب الخلاف بينهم، لا يعتبر كذب.
كما أن قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه (إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَيْهِ ، وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فَإِنَّ الْحَرْبَ خَدْعَةٌ) رواه البخاري ومسلم، يوضح حقيقة قبول الكذب في حالة الحرب.
ومما سبق يتضح أنه لا كذب في الإسلام أبيض أو
أسود
وكله ذنب، وأثم، إلا في استثناءات لحالات معينة و محدودة وقليلة، مع عدم اعتبار التسمية المذكورة بتسمية صحيحة، نظراً لأنها لا تتفق مع مفهوم الدين عن الكذب، هذا إلى جانب ضرورة التنبيه على أن شر الكذب في نتيجته والمحصلة، ويمكن تلخيص
الأحوال التي يجوز فيها الكذب
بعد استعراض الآيات والأحاديث السابقة فيما يلي:
-
الكذب للصلح بين المتخاصمين، وينطبق عليها الصلح بين الناس عامة وبين الزوجين كذلك.
-
الكذب بين الزوجين في اظهار مشاعر
الحب
او الغزل حتى لو كانت تخالف الحقيقة حتى يؤلف الله بين القلوب.
-
الكذب في الحرب على العدو، أو للأسير حماية لزملاؤه.
-
الكذب الذي لا يسبب ضرر ويعيد حق مؤكد مسلوب. [1]
هل يجوز الكذب عند الضرورة
الكذب أمر محرم، ولا مبرر له إلا كما سبق الإشارة أنفًا، وروى الإمام مالك أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أيكون المؤمن جباناً، فقال: نعم، فقيل له أيكون المؤمن بخيلاً، فقال: نعم، فقيل له أيكون المؤمن كذاباً، فقال لا، وبذلك يتأكد مبدأ عدم جواز الكذب، لكن هناك ضروريات أحياناً تدفع لذلك ويدخل الناس في حيرة معها، وخاصة إذا كانت تتعلق بنواحي دينية.
ولا يجوز لك الكذب لتحصيل مصلحة دنيوية، يمكن الوصول لها بغير الكذب، إلا إذا كان هناك سبب ديني يخشى المرء على نفسه وعلى دينه، مثل من يضطر ليكذب حتى لا يقع في منكر، أو كبيرة، أو فاحشة، فيمكن هنا اللجوء إلى ما يسمى بالتورية، أو ما يعتبر من معاريض الكلام بعيداً عن القول الكذب.
وذلك عن طريق قول ما يفيد نفس المعنى مثلاً، أو الإشارة له، أو قول أمر يحتمل المعنيين، وإذا لم يتمكن الشخص التخلص من الوقوع في المنكر أو عدم القيام بالفرض إلا بالكذب فإنه يجوز حينئذ للضرورة، مثل من يعيش ببلد أجنبي لا تسمح في مواعيد العمل بالصلاة، فيمكن أن يقول أنه ذاهب لأمر هام، أو انه قد يحدث له أذى إذا لم يسمح له بالاستئذان دقائق، وما في حكم ذلك.
يقول في ذلك
الإمام النووي
ما يشير إلى ذلك أن كل ما يمكن تحصيله بغير طريق الكذب يصبح الكذب فيه حرام ما دام أمر حلال، أو فرض، وإن كان تحصيله لا يتم إلا بالكذب جاز في تلك الحالة الكذب، ثم إن كان التحصيل لذلك المقصود أمرًا مباح كان كذلك الكذب مباح، وأما إن كان الامر المقصود في ذاته واجب كان الكذب في هذه الحالة أمر واجب.
هل يجوز الكذب لإخفاء سر
الكذب من الشرور، والمنكر، وقد روي عن البخاري في ” الأدب المفرد ” عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : ” إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب ” وهو المقصود به الابتعاد عن الكذب والتعريض بأي أمر أخر، يبعد الشخص عن الكذب، ولكن قد يكون لدى الإنسان سر لا يجوز كشفه وستره ويختلف الامر إذا كان السر لا يكشف ستر، أو سر لا يجوز معرفته.
فإذا كان سر لا يجوز معرفته، يكتفى بالتعريض بالكلام ما امكن، والتورية، وصرف ذهن المتحدث معه إلى
معنى
أخر، أما إذا كان السر يكشف ستر، فيجوز هنا فيه الكذب، وخاصة إذا كان يحمل ذنب، فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من المجاهرة بالمعصية، والتحدث عنها، والتوبة منها.
ويفضل عدم الكذب الصريح، مثل من يسأل عن ذنب زنا ارتكبه، يجب هنا ستر نفسه، فعليه أن يقول لا يقوم بتلك الفاحشة سوى الفجار، هل تراني فاجر، هنا هو أقر بعظمة الذنب ولم يقل أنه وقع فيه، وكذلك لم يقل أنه لم يقع فيه، وستر نفسه، وأوحى للسائل بأنه لا يأتي بفعل مثل ذلك، دون الكذب الصريح.
حكم الكذب خوفاً من المشاكل
في تساؤل للفقهاء حول الكذب لدرء المشاكل، ومنعها، عدة تفصيلات يذكر منها الكذب لمنع المشاكل بين الناس وتأليف قلوبهم، وهو ليس بالكذب المكروه بل هو ما يطلق عليه الناس الكذب الأبيض، أما الكذب لمنع المشاكل عن الشخص نفسه، فلابد من التأكد من عدم وقوع اذى أو ضرر حاصل بهذا الكذب على الغير.
منه مثلاً الإبن الذي يملك مال خاص به من عمله، وهو قد بلغ وكبر وله زوجة تغير الأم منها واشترى لزوجتة شئ ثمنه ألف من ماله الخاص، فلا مانع أن يقول أن ثمنه أقل، حتى لا يثير غيرة الأم، وما شابه ذلك من مشاكل، مادامت لن تؤذي الطرف الآخر في شئ. [2]